الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :الصَّلاة في جلد الميتة  /فقه الصَّلاة / الصَّلاة في جلد الميتة  /

وقد يُستدلّ أيضاً للاختصاص : بصححية عليّ بن مَهْزَيَار (قال : كتبت إلى أبي محمّد × أسأله عن الصّلاة في القرمز، وأنّ أصحابنا يتوقّفون عن الصّلاة فيه، كتب : لا بأس به مطلق، والحمد لله)[1]، وهي صحيحة، لأنّ الحسن بن علي بن مهزيار وإن لم يذكر في كتب الرّجاليين إلّا أنّه من مشايخ عليّ بن إبراهيم المباشرين، وقد عرفت أنّ مشايخه المباشرين ثقات .
 نعم، رواها الشيخ الصّدوق + بإسناده عن إبراهيم بن مهزيار، وإبراهيم لم يوثّق، والمدح الوارد فيه هو روايه، فلا ينفع .
 ثمّ إنّ القرمز : صبغ أرمني من عصارة دود يكون في أجسامهم .
 ووجه الاستدلال للاختصاص : هو جواز الصلاة في الهذا القرمز الذي هو من نفس غير سائلة، فيدلّ حينئذٍ على أنّ المنع مختصّ بما كان له نفس سائلة .
 وفيه أوّلاً : أنّه يجوز أن يكون الصبغ من قبيل اللون لا العين، وإلّا فهو ممّا لا يُؤكل لحمه، لأنّ ما لا يُؤكل لحمه مانع من صحّة الصّلاة، وإن كان من نفس غير سائلة، كما سيأتي قريباً - إن شاء الله تعالى - .
 هذا، وقد ذهب السّيد محسن الحكيم + إلى تخصيص المنع بذي النفس بعدم وجود إطلاق شامل بغير ذي النفس، فيكون التخصيص بذي النفس هو الموافق لأصالة البراءة عن شرط التذكية في غيره .
 ولكنّ الإنصاف : أنّه عندنا إطلاق يشمل غير ذي النفس وهو صحيح ابن أبي عمير المتقدّم عن غير واحد عن أبي عبد الله × في الميتة (لا تصلّ في شيءٍ منه ولا شِسْع)[2]، ومن المعلوم أنّ لفظ الميتة مطلق يشمل كلا القسمين .
 ولكن الإنصاف : هو اختصاص المنع بذي النفس السّائلة، لا لمجرد الانصراف - كما ادَّعاه صاحب الجواهر +، إذ قد يمنع لعدم كونه ناشئاً من حاقّ اللفظ، بل قد يكون منشأه الخارج، ومثله لا يضر، بل لأنّ معهوديّة نجاسة الميتة، ووضوح المناسبة بين النجاسة والمنع عن الصّلاة، أي مناسبة الحكم والموضوع، يكون ذلك قرينة موجبة لصرف صحيحة ابن أبي عمير إلى إرادة الميتة النجسة، والله العالم .

قوله : (وفي حكمه ما يوجد مطروحاً، أو يُؤخذ من كافر، أو من سوق الكفّار)[3]
المعروف بين الأعلام أنّ ما يُؤخذ من يد الكافر، أو سوق الكفار، أو ما يوجد مطروحاً، في أرضهم، محكوم بأصالة عدم التذكية، إذ لا يوجد ما يقطع هذا الأصل، إلّا ما يتوهّم من شمول أخبار السوق لسوق الكفار .
 ولكنّ هذا التوهّم في غير محلّه، إذ لا إشكال في انصراف تلك الأخبار إلى سوق المسلمين، وفي بعضها التصريح بسوق المسلمين، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى قريباً - .
وممَّا يدلّ على أنّ ما يُؤخذ من الكفّار محكوم بعدم التذكية مصحّح إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح × (أنّه قال : لا بأس بالصّلاة في الفراء اليماني، وفيما صنع في أرض الإسلام، قلت : فإن فيها غير أهل الإسلام، قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس)[4]، ومفهومه إذا لم يكن الغالب المسلمين ففيه بأس .
 وأيضاً التقييد بـ (ما صنع في أرض الإسلام) يدلّ على الحكم بميتة ما هو في أرض الكفّار .
 هذا، وقد استفاد صاحب الجواهر × من هذا المصحّح، ومن رواية إسماعيل بن عيسى الآتية - إن شاء الله تعالى - كون يد الكفّار وأرضه أمارة على عدم التذكية معاضدة للأصل، لا أنّها لا أثر لها أصلاً .
 ثمَّ قال : (ومن هنا حكم بعد التذكية لِمَا في يده وإن كان في أرض المسلمين التي هي أمارة على التذكية لولاها، وقاطعة للأصل، ترجيحاً لها عليها - إلى أن قال : - ولا ينافي ذلك ماسبق منَّا في كتاب الطهارة في الحكم بتذكية ما في يد المسلم وإن سبقتها يد الكافر، إذ يمكن القول برجحانها عليها، وإن قلنا : بأنّها أمارة استظهاراً من النصوص المزبورة قوّة يد المسلم، وأنّها مع وجوده لا يلتفت إلى غيرها ... )[5].
 وفيه : أنّه لا دليل على كون ما في يده أمارة على العدم، بل من المحتمل قويّاً أن يكون الحكم بعدم تذكية ما في يده لأصالة عدم التذكية، لا أنّ يده طريق لعدمها، والله العالم .


 قوله : (أو مستحلّ الميتة بالدّباغ على قولٍ، إلّا أن يُخبَر بالتذكية فيقبل)

 جزم العلّامة والمحقّق الثاني (رحمهما الله ) بنجاسة ما في يد مستحل الميتة بالدبغ، وقال المصنّف × في الذكرى : ولو وجد في يدّ مستحلّ الميتة بالدبغ ففيه صور ثلاث، الأولى : أن يخبر بأنّه ميتة فيجتنب، لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة ؛ الثانية : أن يخبر بأنّه مذكّى، فالأقرب القبول لأنّه الأغلب، ولكونه ذا يد عليه، فيقبل قوله فيه، كما يقبل في تطهير الثوب النجس، ويمكن المنع لعموم تبينوا، ولأنّ الصّلاة في الذمّة، فلا تزول بدونه ؛ الثالثة : أن يسكت، ففي الحمل على الأغلب من التذكية، أو على الأصل من عدمها، الوجهان، وقد رُوي في التهذيب عن عبد الرحمان بن الحجاج ، قال : قلت لأبي عبد الله × إنّي أدخل سوق المسلمين - أعني : هذا الخلق الذي يدّعون الإسلام - فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها أليس هي ذكية ؟ فيقول : بلى، فيصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكيّة ؟ فقال : لا، ولكن لا بأس أن تبيعها، وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكية، قلت : وما أفسد ذلك، قال : إستحلال أهل العراق للميتة، وزعموا أنّ دباغ جلد الميت ذكاته [6]



[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص435، أبواب لباس المصلّي، باب44، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص343، أبواب لباس المصلّي، باب1، ح2، ط آل البيت.
[3] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص149.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص456، أبواب لباس المصلّي، باب55، ح3، ط آل البيت.
[5] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص54.
[6] الذكرى، الشهيد الأول، ص143.