الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :الصَّلاة في جلد الميتة /فقه الصَّلاة / الصَّلاة في جلد الميتة  /

قوله : (ولا في شعره، ووبره).[1]
في المدارك : (هذا مذهب الأصحاب، لا نعلم فيه مخالِفاً منهم)[2]، وفي الجواهر : (إجماعاً محصّلاً، ومحكيّاً مستفيضاً)[3]، بل عن المعتبر والمنتهى : (الإجماع على أنّ ما لا تجوز الصّلاة في جلده لا تجوز في وبره، أو شعره، أو صوفه، إلَّا ما استُثني ... ) .
 أقول : لا إشكال في المسألة، بل هناك تسالم بين الأعلام، وإنَّما الكلام في اختصاص المنع في هذه الأشياء بالملابس، أم تشمل غيرها من المحمول، بل حتّى الشعرة الواقعة على لباسه، بل حتّى عرق ما لا يؤكل، وريقه، ما دام رطباً .
 قال صاحب المدارك + : (الظاهر اختصاص المنع من الصّلاة في هذه الأشياء بالملابس، فلو كانت غيرها، كالشعرات الملقاة على الثوب،لم تُمنع الصّلاة فيه ، وبه قطع الشهيد + في الذكرى وجدي - قدس سره - في جملة من كتبه ... )[4].
 ولكن ذهب أكثر الأعلام إلى عموم المنع، بل عن صاحبي الذخيرة والبحار (قدس سرهما) نسبته إلى المشهور، وعن المحقق الثاني + التصريح بالمنع وإن كانت شعرة واحدة .
 إذا عرفت ذلك، فقدِ استُدل لعموم المنع ببعض الأخبار :
منها : رواية إبراهيم بن محمد الهمداني (قال : كتبتُ إليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممَّا لا يُؤكل لحمه من غير تقيَّة، ولا ضرورة، فكتب : لا تجوز الصَّلاة فيه)[5]، ولكنّها ضعيفة السند، لا لأجل إبراهيم بن محمّد الهمداني، فإنّه وإن لم يوثَّق صريحاً، إلّا أنّه كان وكيلاً للناحية المقدّسة، وحجّ أربعين سنة، وعليه فالنفس تطمئنّ بوثاقته .
 ويؤيِّده : ما رواه الكشي بسنده إلى أبي محمّد الرازي (قال : كنت أنا، وأحمد بن أبي عبد الله البرقي بالعسكر، فورد علينا رسول من الرّجل، فقال لنا : الغائب العليل ثقة، وأيوب بن نوح، وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة، وأحمد بن إسحاق، ثقات جميعاً)[6]، وإنَّما جعلنا هذه مؤيِّدة - مع أنّها صريحة بتوثيقه - لجهالة أكثر من شخص في السند، بل رواية إبراهيم بن محمّد ضعيفة لأجل الإضمار، ولوجود عمر بن علي بن عمر بن يزيد، وهو غير موثّق .
 وذكر السّيد محسن الحكيم + في المستمسك : (أنّ في رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عنه، مع عدم استثناء القميين روايته من كتاب بوادر الحكمة، نوع شهادة على وثاقته) .
 وفيه : ما لا يخفى، فإنّ عدم استثناء القميين لروايته إنّما يدلّ على عدم ضعفه، ولا يدلّ ذلك على وثاقته، ولا ملازمة بين الأمرين .
 ومنها : صحيحة أو حسنة أبي علي بن راشد - في حديث - (قال : قلت لأبي جعفر × : الثعالب يصلّى فيها ؟ قال : لا، ولكن تُلبس بعد الصّلاة، قلت : أُصلّي في الثوب الذي يليه، قال : لا)[7]، ونحوها مرسلة علي بن مهزيار[8]، وهي ظاهرة في أنَّ النهي عن الصّلاة في الثوب الذي تحت الجلد، وفوقه، إنّما هو باعتبار ما يسقط عليه من الوبر، ويتناثر عليه في وقت لبسه له، تحت الوبر كان أو فوقه .
 وعليه، فتكون هذه الصحيحة، أو الحسنة، دالّة على عدم جواز الصّلاة في الثوب الذي عليه شعر، أو وبر، ما لا يُؤكل لحمه .
 إن قلت : من أين علمت أنّ المنع لأجل ذلك ؟!، ولعلّه لأجل المماسّة للوبر، فيكون المنع لأجل النجاسة ؛ وعليه، فما ذكرتموه من أنَّ النهي عن الصَّلاة في الثوب الذي تحت الجلد أو فوقه لأجل ما يسقط عليه من الوبر يكون من العلّة المستنبطة، ولا عبرة بذلك .
قلت : مماسّة الوبر ليست من الموانع، إذ النجس العيني إذا ماسّ غيره،  وهما يابسان، لم تتعدّ النجاسة إلى غيره، فكيف بهذا الوبر الذي ليس بنجس ؟! ؛ ومن هنا نطمئنّ بأنّ العلّة في النهي هو ما ذكرناه .
 ومنها : موثَّقة ابن بكير[9] المتقدّمة، التي ورد فيها النهي عن الصّلاة في الشعر والوبر .
 إن قلت :إنّ صدق الصّلاة فيه يتوقّف على تحقّق اشتماله على المصلّي، ولو على بعضه، مثل الخاتم والقلادة، فلا صدق مع عدم الاشتمال، كما لو كان الشَّعْر على الثوب .
قلت : هذا الكلام مندفع بذكر البول والروث اللذين لا يتصوَّر فيهما الاشتمال، فيراد من الصّلاة فيه مطلق الملابسة والمصاحبة، قال المحقّق البهبهاني + على ما حُكِي عنه : (ورواية ابن بكير أيضاً ظاهرة فيه، فإنّ الصّلاة في الرَوْث مثلاً ظاهرة في المعيَّة، وتقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوَّث به غلط،، لأنَّ الأصل عدم التقدير، سيّما مثله، وقد قرّر في الأصول أنّه إذا دار الأمر بين المجاز والإضمار، فالمجاز متقدّم متعيِّن)[10].
 ونوقش فيه : بأنّه لا ريب في ظهور لفظة (في) في الظرفيّة، ولكن لمَّا تعذَّرت الحقيقة بالنسبة إلى الرَوْث، ونحوه، حُمِل على أقرب المجازات، وهو ظرفيّة المتلطّخ به، بخلاف الشَّعر، فإنّ الحقيقة ممكنة فيه، فلا حاجة إلى صرفه، بل ولا قرينة .
 أقول : لا شبهة في أنّ التوسُّع في الظرفيّة، بحيث تعمّ مطلق الملابسة، والمصاحبة، أقرب من إطلاق الرَوْث وإرادة ما يتلوّث به، بل لا شبهة في أنّه لا ينسبق إلى الذهن من الرَوْث في الرّواية إلّا إرادة نفسه، فلا تجوز فيه أصلاً , وإنما التجوّز في لفظة  (في) الداخلة عليه، وعلى الشَّعر والوبر، فبالنسبة إليه لا يمكن إبقاؤها على حقيقتها إلّا بارتكاب التقدير، فيدور الأمر بين التقدير، أي إرادة الثوب الذي يتلوَّث به، وبين التوسّع في الظرفيّة، بإرادة مطلق الملابسة الشاملة للمصاحبة .
 والثاني أولى، بلا شبهة، وحيث إنَّ كلمة (في) غير متكرِّرة في الرّواية، فلا يمكن التفكيك بالحمل على الحقيقة بالنسبة إلى الشَّعر.


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص150.
[2] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج2، ص152.
[3] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص75.
[4] مدارك الأحكام، السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، ج3، ص165.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص346، أبواب لباس المصلّي، باب2، ح4، ط آل البیت.
[6] اختيار معرفة رجال الكشي، الشيخ محمد بن مسعود العياشي، ج2، ص831، الحديث1053.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص356، أبواب لباس المصلّي، باب7، ح4، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، أبواب لباس المصلّي، باب17، ح8، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص345، أبواب لباس المصلّي، باب2، ح1، ط آل البیت.
[10] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص77.