الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /

قوله : (وزرّ الثوب) .[1]
المعروف بين الأعلام كراهة حلّ الأزرار في الصّلاة، لا استحباب زرّ الثوب، وذلك للنهي عن حلّها المحمول على الكراهة، جمعاً بين الأخبار .
 وأمّا النهي عن الحلّ فقد ورد ذلك في عدّة أخبار :
 منها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه ‘ (قال : لا يصلّي الرّجل محلولَ الأزرارِ إذا لم يكن عليه إزار) [2].
 ومنها : رواية إبراهيم الأحمري (قال : سألتُ أبا عبد الله ‘ عن رجلٍ يصلّي وأزرارُه محلّلة، قال : لا ينبغي ذلك)[3]، ولكنّها ضعيفة بجهالة إبراهيم الأحمري، مضافاً إلى أنّ لفظة (لا ينبغي) ظاهرة في الكراهة .
 ومنها : رواية زياد بن منذر عن أبي جعفر ‘ - في حديث - (أنّ حلّ الأزرارِ في الصّلاةِ من عملِ قومِ لوط) [4]، وهي ضعيفة أيضاً، لأنّ مالك بن عطيّة الوارد في السند لم يُحرَز اتحاده مع الأحمسي الثقة .
 وإنّما حملنا معتبرة غياث على الكراهة لصحيحة زياد بن سوقة عن أبي جعفر  ‘ (قال : لا بأس أن يصلّي أحدُكم في الثوبِ الواحدِ وأزرارًه محلّلة، إنّ دينَ محمَّدٍ حنيفٌ)[5].
 قوله : (وجعل اليدين بارزتين، أو في الكُمَّين، لا تحت الثياب) .
ففي موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله ‘ (قال : سألتُه عن الرّجل يصلّي فيُدخِل يدَه في ثوبه، قال : إن كان عليه ثوب آخر - إزار أو سراويل - فلا بأس، وإن لم يكن فلا يجوز ذلك، وإن أدخل يداً واحدةً، ولم يُدخِل الأخرى، فلا بأس)[6].
 ولا يخفى أنّ المنع في قوله ‘ : (وإن لم يكن فلا يجوز ذلك) محمول على الكراهة، وذلك لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر ‘ الدالّة على الجواز (قال : سألته عن الرّجل يصلّي ولا يُخرِج يديه من ثوبه، قال : إن أخرج يديه فحسن، وإن لم يخرج فلا بأس)[7].
قوله : (وجعل المصلي في سراويله شيئا على عاتقه ولو تكة، أو خيطا، او يتقلد سيفاً) .
قال المصنف في الذكرى : ( ويستحب لمن صلى في سراويل وحده أن يجعل على عاتقه شيئا ولو تكة، ولو كان معه سيف فليتقلد السيف ... )[8].
 أقول : يدل على ذلك صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سئل أبو عبد الله ‘ عن رجل ليس معه إلا سراويل، قال : يحل التكة منع فيطرحها على عاتقه ويصلي، قال : وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائماً)[9].
 وفي مرفوعة علي بن محمد إلى أبي عبد الله ‘ (في رجل يصلي في سراويل ليس معه غيره قال : يجعل التكة على عاتقه)[10]، ولكنها ضعيفة بالرفع .
 وفي حسنة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ‘ حيث ورد في ذيلها (إذا لبس السروايل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلاً)[11].

 قوله : (ولُبْس أخشنَ الثيابِ وأغلظها، ورُوِي : أجملها) .
يُستفاد ذلك من بعض الرّوايات :
 منها : رواية محمّد بن الحسين بن كثير الخزّاز عن أبيه ( قال : رأيت أبا عبد الله ‘ وعليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه، وفوقه جُبّة صوف، وفوقها قميص غليظ فمسستها، فقلت : جعلت فداك ! إنّ النّاس يكرهون لباس الصوف، فقال : كلا، كان أبي محمّدُ بن علي ‘ يلبسها، وكان عليُّ بن الحسين ‘ يلبسها، وكانوا ‘ يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصَّلاة، ونحن نفعل ذلك)[12]، ولكنّها ضعيفة بمحمّد بن الحسين بن كثير الخزّاز وأبيه، فإنّهما غير مذكورَيْن .
 ومنها : روايته الأخرى عن أبيه (قال : رأيت على أبي عبد الله ‘ جُبّة صوف بين ثوبين غليظين، فقلت له في ذلك، فقال : رأيت أبي يلبسها، إنَّا إذا أردنا أن نصلّي لبسنا أخشن ثيابنا) [13]، وهي ضعيفة بما تقدّم .
 ومنها : رواية حريز عن أبي عبد الله ‘ (قال : اتَّخِذ مسجداً في بيتك إذا (فإذا) خفت شيئاً فالبس ثوبين غليظين من أغلظ ثيابك فصلِّ فيهما ... ) [14]، ولكنّها ضعيفة بمعلَّى بن محمَّد، فإنَّه غير موثَّق .
 هذا، وقد ورد في بعض الأخبار استحباب التجمُّل في الصَّلاة :
منها : ما في مجمع البيان عن أبي جعفر ‘ (في قوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد، قال : أي خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والأعياد).[15]
 ومنها : ما في مجمع البيان أيضاً ( قال : وروى العياشي بإسناده عن الحسن بن علي ‘  أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة لبس أجود ثيابه، قيل له : يا بن رسول الله ! لِمَ تلبس أجود ثيابك ؟! فقال : إنّ الله جميل يحبّ الجمال، فأتجمّل لربي، وهو يقول : خذوا زينتكم عند كلّ مسجد، فأحبّ أن ألبس أجمل ثيابي)[16].
 ولكنَّهما ضعيفتا بالإرسال :
 الأولى : مرسلة مجمع البيان .
 والثانية : مرسلة العياشي، لأنّه لم يذكر طريقه إلى الإمام الحسن ‘، بل قد عرفت في بعض المناسبات أن تفسير العياشي كلّها مرسل .
 ثمّ إنّه - مع قطع النظر عن ضعف السند - يمكن الجمع بين الطائفتين، كما عن الشيخ الحر العاملي ¬، باستحباب لُبْس أخشن الثياب في الصّلاة في الخلوة، واستحباب لبس أجملها بين النّاس .
 قوله : (ولا تبطل الصلاة بانكشاف العورة في الأثناء من غير فعل المصلي، نعم يجب المبادرة إلى الستر) .
المشهور بين الأعلام الصحّة في الصّورة المفروضة، وفي الجواهر : (واحتمال الالتزام بعدم الصحّة فيها أيضاً يدفعه أوّلاً : أنّه خلاف المستفاد من البيان والتحرير والتذكرة والمحكي عن المعتبر والمختلف والمنتهى ونهاية الأحكام، بل لم أجد مخالِفاً صريحاً في ذلك، نعم ظاهر التحرير احتمال البطلان، وثانياً : أنّه لا ريب في صدق مضمون الصحيح عليه ... ) [17]، يقصد : صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ‘ (قال : سألته عن الرّجل صلّى، وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو ما حاله ؟ قال : لا إعادة عليه وقد تمَّت صلاته)[18].


[1] الدروس الشرعية في فقه الإمامية، الشهید الاول، ج1، ص148.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص394، أبواب لباس المصلّي، باب23، ح3، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص394، أبواب لباس المصلّي، باب23، ح5، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص395، أبواب لباس المصلّي، باب23، ح6، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص393، أبواب لباس المصلّي، باب23، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص432، أبواب لباس المصلّي، باب40، ح4، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص431، أبواب لباس المصلّي، باب40، ح1، ط آل البيت.
[8] الذكرى، الشهيد الأول، ص149.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص452، أبواب لباس المصلّي، باب53، ح3، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص453، أبواب لباس المصلّي، باب53، ح5، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص390، أبواب لباس المصلّي، باب22، ح2، ط آل البيت.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص454، أبواب لباس المصلّي، باب54، ح1، ط آل البيت.
[13] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص454، أبواب لباس المصلّي، باب54، ح3، ط آل البيت.
[14] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص454، أبواب لباس المصلّي، باب54، ح2، ط آل البيت.
[15] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص455، أبواب لباس المصلّي، باب54، ح5، ط آل البيت.
[16] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص455، أبواب لباس المصلّي، باب54، ح6، ط آل البيت.
[17] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج8، ص179.
[18] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص404، أبواب لباس المصلّي، باب27، ح1، ط آل البيت.