الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /

قوله : (والسَّدْل - وهو إبقاء طرفي الرداء من الجانبين - بل ينبغي ردّ أحد طرفيه على الكشف)
اِعلم أوّلاً : أنَّه يستحب الرداء للإمام كما يستحب لغيره من المصلّين، وإن كان للإمام آكد .
 وثانياً : المراد بالرّداء على ما صرّح به بعضهم الثوب الذي يُجْعَل على المنكبَيْن، أو الثوب الذي ليس بذي أكمام يستر أعالي البدن، يلبس فوق الثياب، قال (رحمه الله) في المحكي عن مجمع البحرين (أنّه يستر أعالي البدن فقط، أو الثوب الذي على العاتقَيْن، وبين الكتفَيْن) وعن الأثير : (أنّه الثوب أو البُرْد الذي يضعه الإنسان على عاتقه، وبين كتفيه، وفوق ثيابه) .
 وثالثاً : المعروف بين الأعلام كراهة سَدْل الرداء، وذلك لصحيحة زرارة (قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) على قوم فرآهم يصلّون في المسجد قد سَدَلُوا أرديتهم، فقال لهم : ما لكم قد سدلتم ثيابكم، كأنكم يهود، قد خرجوا من فهوهم - يعني بيعهم (بيعتهم خ ل ) - ؟!، إياكم وسَدْل ثيابكم)[1].
 ولكن ينافيه بعض الأخبار :
 منها : موثّقة عبد الله بكير (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرّجل يصلّي، ويُرسِل جانبي ثوبه، قال : لا بأس)[2].
 ومنها : صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره ؟ قال : لا يصلح جمعهما على اليسار، ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما ... )[3].
  والإنصاف : أنّه لا منافاة بين هذه الرّوايات، ولذلك يحمل نفي البأس، والأمر بالدعة، على الجواز، وهذا لا ينافي الكراهة .
 وقد يجمع بينهما بما عن النهاية (قال : نهي عن السَّدْل في الصّلاة، وهو أن يلتحف بثوبه، ويدخل يديه من داخل، فيركع ويسجد، وهو كذلك، وكانت اليهود تفعله، فنهوا عنه، وهذا مطّرد في القميص وغيره من الثياب، وقيل : هو أن يضع وسط الإزار على رأسه، ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه، ومنه حديث علي (عليه السلام) أنّه رأى قوماً ... ) .
 ولكنّ المعروف بين الأعلام أنَّ السَّدل هو أن يُلقي طرف الرداء من الجانبين، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، ولا يضم طرفيه بيده .
 وقال المصنِّف (رحمه الله) في النفليّة : (هو أن يلتفّ بالإزار، فلا يرفعه على كتفيه)، وقال الشهيد الثاني (رحمه الله) : (واعلم أنّه ليس في الأخبار، وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفيّة لُبْس الرداء، بل هي مشتركة في أنّه يوضع على المنكبين ... ) .
 ثمَّ إنّه يجمع بين الأخبار : بأنّ المكروه سَدْل الرداء على الإزار مثلاً، دون الجبّة والقميص، وذلك لمعتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليه السلام) (قال : إنّما كره السَّدْل على الأُزر بغير قميص، فأمَّا على القمص والجباب فلا بأس)[4].
 والأقوى : في الجمع بين الأخبار هو ما ذكرناه، والله العالم .
قوله : (والإزار فوق القميص، بل تحته) .
ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يُكره الإزار فوق القميص، بل في الحدائق : نسبه إلى المشهور .
 وقد يُستدلّ لذلك : بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص، وأنت تصلّي، ولا تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت، فإنّه من زي الجاهليّة)[5]، ولفظة "لا ينبغي" ظاهرة في الكراهة .
 وقدِ استُدلّ المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى أيضاً بأنّ في الإتزار فوق القميص تشبهاً بأهل الكتاب، وقد نهينا عن التشبّه فيهم .
 وفيه : ما لا يخفى، إذ ليس كلّ فعل مطابق لفعلهم يكون مرجوحاً .
 ثمّ إنّه لا ينافي صحيحة أبي بصير عن صحيحة موسى بن القاسم البجلّي (قال : رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يصلّي في قميص قد اتزر فوقه بمنديل، وهو يصلّي) [6]، وكذا صحيحة موسى بن عمر بن بزيع (قال : قلتُ للرضا (عليه السلام) : أشدّ الإزار والمنديل فوق قميص في الصّلاة ؟ قال : لا بأس به) [7]، وفي نسخة الوسائل : (الأزرار ) .
 ووجه عدم المنافاة : هو حملهما على بيان الجواز الذي لا ينافيه الكراهة .
 مضافاً إلى أنّ صحيحة البجلّي هي حكاية فعل لا تصلح لمعارضة القول، فيمكن أن يكون صدور ذلك من الإمام (عليه السلام) لضرورة مقتضية له، أو لبيان جوازه، أو غير ذلك .
 ثمّ إنّ جماعة من الأعلام، ومنهم صاحب المدارك (رحمه الله) نقلوا صحيحة أبي بصير عن التهذيب، وفيه هكذا (قال : لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت، فإنّه من زيّ الجاهليّة)، وقد اعترض صاحب المدارك (رحمه الله) بعد نقله عن الشيخ (رحمه الله) الرواية بهذه الصّورة بأنّها غير دالّة على المدّعى، وإنّما تدلّ على كراهة التوشّح فوق القميص، وهو خلاف الإتزار .
 وفيه : ما لا يخفى، فإنّ الرّواية المذكورة في الكافي والتهذيب واحدة، لأنّ الشيخ (رحمه الله) إنّما رواها في التهذيب عن محمّد بن يعقوب بالسّند الذي في الكافي، وأسقط منها موضع الاستدلال، غفلة، واستعجالاً .
 ومن المعلوم أنّ الكافي أضبط من التهذيب سنداً ومتناً، بل قال في الحدائق (رحمه الله) : (أنّه لا يخفى على مَنْ له أُنْس بملاحظة كتاب التهذيب وتدبره ما وقع للشيخ في أخباره متناً وسنداً من التغيير والتبديل، والتحريف والتصحيف، وقلما يخلو خبر من شيء من ذلك ... )،  وكلامه وإن كان مبالغاً فيه إلَّا أنّه صحيح في الجملة .
 والخلاصة : أنّ العمل على رواية الكافي وهي ظاهرة في الكراهة، هذا كلّه في الإتِّزار فوق القميص، وأمَّا الإتزار تحت القميص، فلا كراهة فيه، للأصل، بل حكي جماعة الإجماع على عدم الكراهة، وهو مؤيِّد لما عرفت في أكثر مناسبة .




[1] الوسائل ب25 من أبواب لباس المصلّي ح3 .
[2] الوسائل ب25 من أبواب لباس المصلّي ح4 .
[3] الوسائل ب25 من أبواب لباس المصلّي ح7 .
[4] الوسائل ب25 من أبواب لباس المصلّي ح8 .
[5] الوسائل ب24 من أبواب لباس المصلّي ح1 .
[6] الوسائل ب24 من أبواب لباس المصلّي ح6 .
[7] الوسائل ب24 من أبواب لباس المصلّي ح5 .