الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /
ومنها : موثقته الأخرى : ( قال سألته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم، فقال : لا بأس به، وإن كشف عن فيه فهو أفضل، قال : وسألته عن المرأة تصلي متنقبة،  قال : إن كشفت عن موضع السجود فال بأس به، وإن أسفرت فهو أفضل )[1]، وقد عرفت أن مضمرات سماعة مقبولة .
 ولا يخفى أن أفعل التفضيل هنا ليس على حقيقته، إذ الأفضل في التلثم حتى يكون عدمه أفضل، وإلا كانا معا مستحبين .
 وبناء على ذلك يكون التلثم مباحا بالمعنى الأخص، أي : لا مستحب، ولا مكروه، والله العالم .

قوله : (واستصحاب الحديد بارزاً لا لنجاسته، إذ الأصحّ طهارته) .
المعروف بين الأعلام أنَّه يُكره أن يصحب شيئاً من الحديد بارزاً، وفي المدارك : (هو قول أكثر الأصحاب)، وفي الجواهر : (إجماعاً محكيّاً عن المعتبر والتذكرة وجامع المقاصد، إن لم يكن محصَّلاً، سواء كان ملبوساً، أو غير ملبوس ... ) .
 وقال الشيخ (رحمه الله) في النهاية : (ولا تجوز الصَّلاة إذا كان مع الإنسان شيء من حديد مشتهر، مثل السِّكين والسيف، وإن كان في غِمد أو قِراب فلا بأس بذلك ... )، وعن ابن البراج (رحمه الله) أنَّه عدّ في جملة ما لا تصحّ الصّلاة فيه ثوب الإنسان إذا كان فيه سلاح مشهر، مثل سكين أو سيف، قال (رحمه الله) : ( وكذلك إذا كان في كُمِّه مفتاح حديد، إلا أن يلفَّه بشيء ... ) .
 أقول : لا بدّ من ذكر الرِّوايات الواردة في المقام حتّى نرى ماذا يستفاد منها، وهي كثيرة :
 منها : معتبرة السَّكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا يصلّي الرّجل وفي يده خاتم حديد)[2].
 ومنها : موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرّجل يصلّي وعليه خاتم حديد، قال : لا، ولا يتختّم به الرّجل، فإنّه من لباس أهل النّار)[3]، بل هو ظاهر في النهي عن التختّم به في غير الصّلاة، كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تختموا بغير الفِضَّة، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ما طهرت كفّ فيها خاتم من حديد)[4]، ولكنّه ضعيف بالقاسم بن يحيى وجدِّه الحسن بن راشد، فإنَّهما غير موثَّقين .
 ومنها : خبر موسى بن أكيل النّميري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الحديد أنَّه خليّة أهل النَّار - إلأى أن قال : - وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجنّ والشياطين فحرّم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصَّلاة إلّا أن يكون قبال عدو، فلا بأس به، قال : قلت : فالرّجل يكون في السفر معه السّكين في خفّه لا يستغني عنها ( عنه خ ل )، أو في سروايله مشدوداً، ومفتاح يخشى إن وضعه ضاع، أو يكون في وسطه المنطقة من حديد، قال : لا بأس بالسّكين والمنطقة للمسافر في وقت ضروة، وكذلك المفتاح إذا خاف الشيعة النسيان، ولا بأس بالسّيف، وكلّ آلة السّلاح في الحرب، وفي غير ذلك لا تجوز الصّلاة في شيء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ)[5]، ولكنّه ضعيف بالإرسال .
 ومنها : مرسلة أحمد بن محمّد بن أبي الفضل المدائني عمَّن حدّثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : لا يصلّي الرّجل وفي تكّته مفتاح حديد)[6]، وهي ضعيفة بالإرسال، وبجهالة المدائني .
 ومنها : ما في حديث المناهي (قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن التختّم بخاتم صُفْر، أو حديد)[7]، وقد عرفت أنّ حديث المناهي ضعيف جدّاً بجهالة الحسين بن زيد، وشعيب بن واقد، كما أنّ إسناد الصدوق (رحمه الله) إلى شعيب فيه حمزة بن محمّد العلوي، وهو مهمل، وعبد العزيز بن محمّد بن عيسى الأبهري، وهو مجهول .
 ومنها : مرسلة الفقيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (قال : لا يصلّي الرّجل وفي يده خاتم حديد)[8]، وهي ضعيفة بالإرسال .
 وظاهر هذه الأخبار الحرمة، كما حُكي القول بها عن ظاهر الكليني والصّدوق (رحمهما الله)، ويظهر أيضاً من عبارة الشيخ وابن البراج (رحمهما الله) المتقدِّمتين .
 ولكنّ هذه الأخبار محمولة على الكراهة، وذلك لعدّة أخبار دلَّت على الجواز :
 منها : صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سُئِل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل ليس معه إلَّا سروايل، قال : يحلّ التكّة منه فيطرحها على عاتقه، ويصلّي، قال : وإن كان معه سيف، وليس معه ثوب، فَلْيتقلَّدِ السَّيف، ويصلّي قائماً)[9].
 ومنها : مكاتبة الحميري عن الاحتجاج إلى صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) (عن الفص الخماهن هل تجوز الصلاة فيه إذا كان في إصبعه ؟ فكتب : الجواب فيه كراهيّة أن يصلّي معه، وفيه أيضاً إطلاق، والعمل على الكراهيّة، وسأله عن الرجل يصلّي وفي كُمّه أو سراويله سكّين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلك ؟ فكتب : الجواب جائز)[10].
 والخماهن - على ما قيل - الحديد الصيني، وفي الوسائل : (وفي نسخة الفصّ الجوهر بدل الخماهن)، فينتفي الاستدلال حينئذٍ، وبناء على نسخة الخماهن، فإنَّ هذه المكاتبة، وإن كانت نصّاً في جواز الصَّلاة فيما إذا كان في كُمّه أو سراويله سكين، أو مفتاح حديد، إلَّا أنَّها ضعيفة بالإرسال .
 ومنها : خبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه ﭺ (أنَّ عليّاً (عليه السلام) قال : السَّيف بمنزلة الرّداء، يصلي فيه، ما لم ترَ فيه دماً)[11]، ولكنّه ضعيف بوهب بن وهب .
 ويؤيِّد الحمل على الكراهة : شهرة القول بها بين الأصحاب، بل لم ينقل عن أحد التصريح بخلافه، وإنّما استظهر ذلك من بعض عبائر من تقدّمت الإشارة إليه ممَّا لا تأبى عن إرادة الكراهة .
 ثمَّ إنَّ من خصّ الكراهة بما إذا كان الحديد بارزاً لعلّه لأجل الجمع بين الأخبار المجوِّزة، والأخبار المانعة، بحمل الأخبار المانعة على ما إذا كان الحديد بارزاً، وأخبار الجواز على ما إذا كان مستوراً، بشهادة مرسلة الكليني (رحمه الله) (قال : ورُوي : إذا كان المفتاح في غِلافٍ فلا بأس)[12]، بناءً على كون المراد بقوله : (إذا كان في غلاف فلا بأس ) الكناية عن كونه مستوراً .
 وفيه أوَّلاً : أنَّ الرّواية ضعيفة بالإرسال .
 وثانياً : إباء أخبار المنع عن هذا الحمل، أُنظر خبر النُّمَيْري، حيث قصر الرخصة فيه على موقع الضّرورة، وتعليل المنع بأنّ الحديد نجس، كالنصّ في إرادة العموم، مع أنّ الغالب في السّكين والمفتاح كونه مستوراً .
 وأيضاً تأبى أخبار الجواز الحمل على ما إذا كان مستوراً فقط، أُنظر إلى صحيحة عبد الله بن سنان المتقدِّمة، فإنَّ الغالب اشتمال قائمة السّيف على الحديد، وهو ما لا يغطّيه الغِمْد، بل الغالب كون الغِمْد بنفسه - كقائمة السّيف - مشتملاً على شيء من الحديد البارز .
 والخلاصة : هو الكراهة مطلقاً، سواء أكان بارزاً أم مستوراً، وسواء أكان في الصَّلاة أم غيرها، والله العالم .

قوله : (وفي قباء مشدود في غير الحرب) .
هذا الحكم ذكره جماعة، بل نسب إلى المشهور، ويظهر من بعضهم الحرمة، كالشيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة حيث قال : (ولا يجوز لأحد أن يصلّي وعليه قباء مشدود، إلَّا أن يكون في الحرب، فلا يتمكّن من أن يحلّه، فيجوز ذلك لاضطرار)، وقال الشيخ (رحمه الله) في التهذيب - بعد نقل هذه العبارة - : (ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة، ولم أعرف به خبراً مسنداً ...) .
 أقول : اِعلم أوَّلاً : أنَّ معنى القباء على ذكره عيسى بن إبراهيم الربعي في نظام الغريب هو قميص ضيِّق الكمَّيْن، مفرج المقدم والمؤخّر، قال صاحب الجواهر (رحمه الله) : (أنَّ المتعارف في هذا الزمان تفريجه من الجانبين، لا المقدَّم والمؤخّر ... ) .
 وثانياً : ما المراد من شدّ القباء ؟، فهل المراد منه شدّه بالأزرار - كما عن جماعة من الأعلام - ؟، فإنْ كان المراد منه ذلك فيظهر من بعض الأخبار خلافه :
 منها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) (قال : لا يصلّي الرّجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار)[13].
 ومنها : رواية إبراهيم الأحمري (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلٍ يصلّي وأزرارُه محلّلة، قال : لا ينبغي ذلك) [14]، ولكنّها ضعيفة بجهالة إبراهيم الأحمري .
 ومنها : رواية زياد بن المنذر عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - (أنّ حلّ الأزرار في الصّلاة من عمل قوم لوط)[15]، وهي ضعيفة أيضاً، لأنّ مالك بن عطيّة المذكور في السند لم يحرز أنّه الأحمسي الثقة .
 وبالجملة، يظهر من هذه الأخبار خلاف ما ذكره المصنّف (رحمه الله) وجماعة من الأعلام .
 اللهمّ إلّا أن تحمل هذه الأخبار على ما لو صلّى في قميص واسع الجيب ونحوه، ممَّا لا يحصل معه كمال الستر بلا شدّ الأزرار، هذا كلّه إذا أُرِيد منه شدّ الأزرار .
 وإن أُرِيد منه شدّ الوسط كما يُومِئ إليه استدلال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى بالنبوي العامّي : (لا يصلّي أحدكم وهو متحزِّم)[16].
 ففيه أوَّلاً : أنَّ شدّ القباء غير التحزُّم .
 وثانياً : أنَّه - مضافاً لضعفه سنداً، كما هو واضح - هو معارَض بمثله من خبرين عامِّيَيْن مرويَيْن في محكيّ النّهاية الأثيريّة مصرحَيْن بالنهي عن الصَّلاة بغير حزام .
 والحاصل : أنّه لم تثبت كراهة الصّلاة في قباء مشدود .

قوله : (ومشدود الوسط) .
قد عرفت قبل قليل أنّ المصنّف (رحمه الله) قدِ استدل لذلك في الذكرى بالنبوي المتقدّم، ولكنّك عرفت أيضاً أنّه معارَض بنبويين أخرين، كما تقدّم .
 وبالجملة، لم تثبت كراهة الصّلاة في قباء مشدود الوسط .


[1] الوسائل ب35 من أبواب لباس المصلّي ح6 .
[2] الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح1 .
[3] الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح5 .
[4] الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح4 .
[5] الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح6 .
[6] الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح2 .
[7] الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح7 .
[8] الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح8 .
[9] الوسائل ب53 من أبواب لباس المصلّي ح3 .
 [10]الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح11 .
[11] الوسائل ب57 من أبواب لباس المصلّي ح2 .
 [12] الوسائل ب32 من أبواب لباس المصلّي ح3 .
[13] الوسائل ب23 من أبواب لباس المصلّي ح3 .
 [14] الوسائل ب23 من أبواب لباس المصلّي ح5 .
[15] الوسائل ب23 من أبواب لباس المصلّي ح6 .
[16] مسند أحمد : ج2، ص458، بتفاوت يسير .