الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /
قوله : (وترك التحنُّك) .
في المدارك : (هذا مذهب الأصحاب، لا أعلم فيه مخالفاً، وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذِّناً بدعوى الإجماع عليه، والمستفاد من الأخبار كراهة ترك الحنك في حالة الصّلاة وغيرها ... ).
 أقول : المشهور بين الأعلام كراهة الصّلاة في عمامة لا حنك لها،  ولكن قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الفقيه : (سمعتُ مشايخنا يقولون : لا تجوز الصَّلاة في طابقيّة، ولا يجوز للمعتمّ أن يصلّي إلّا وهو متحنِّك)، وقيل : يظهر منه اختياره، لأنّه يعتمد على مشايخه، وأنّهم لا يقولون بغير دليل .
 ولكن الإنصاف : أنّ استفادة رأيه من هذه العبارة فيه ما لا يخفى .
 وعلى جميع الأحوال، لا ريب في ضعف القول بالتحريم، سواء قال به الشيخ الصدوق (رحمه الله) أم لم يقل، كما أنّه لا إشكال في أنّ المستفاد من الأخبار كراهة ترك الحنك في حال الصّلاة وغيرها، ولا خصوصيّة للصّلاة بذلك،  وإنّما يكون دخولها من حيث العموم، وأيضاً قد ورد في جملة من الأخبار بلغت حدّ الاستفاضة أنّه يستحبّ الإسدال مطلقاً، أي : سواء كان في حلّ الصّلاة أم غيرها، فكيف يمكن الجمع بين الأخبار ؟ .
 وَلْنبدأ بالأخبار الدالة على كراهة ترك التحنك :
 فمنها : مرسلة ابن أبي عمير عمَّن ذكره عن أبي عبد الله  رحمه الله (قال : من تعمَّم، ولم يتحنّك، فأصابه داء لا دواء له، فلا يلومنّ إلّا نفسه)[1]، وهي ضعيفة بالإرسال .
 ومنها : رواية عيسى بن حمزة عن أبي عبد الله  رحمه الله (قال : من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه)[2]، وهي ضعيفة أيضاً بسهل بن زياد، وبجهالة موسى بن جعفر البغدادي، وعيسى ابن حمزة .
 ومنها : مرفوعة عليّ بن الحكم عن أبي عبد الله  رحمه الله (قال : مَنْ خرج من منزله معتماً تحت حنكه، يريد سفراً، لم يصبه في سفره سرق، ولا حروق، ولا مكروه)[3]، وهي ضعيفة أيضاً بالرفع بالإرسال .
 ومنها : موثّقة عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله  رحمه الله (أنّه قال : مَنْ خرج في سفر فلم يدرِ العمامة تحت حنكه، فأصابه داء لا دواء له، فلا يلومنّ إلّا نفسه)[4].
 ومنها : مرسلة الفقيه (قال : وقال الصادق  رحمه الله : إنّي لأعجب ممَّن يأخذ في حاجة وهو معتمّ تحت حنكه، كيف لا تقضى حاجته)[5]، وهي ضعيفة بالإرسال .
 ومنها : مرسلته الأخرى (قال : وقال النبي (صلى الله عليه وآله) الفرق بين المسلمين والمشركين التلحيّ بالعمايم)[6]، قال الصَّدوق رحمه الله : (وذلك في أول الإسلام وابتدائه) وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال، وقال بعد هذه الرواية : (وقد نُقِل عنه (صلى الله عليه وآله) أهل الخلاف أيضاً أنّه أمر بالتلحي، ونهى عن الاقتعاط)[7].
 ومنها : مرسلة الكليني في الكافي[8]، والبرقي في المحاسن[9]  قالا : (ورُوِيَ أَنَّ الطَّابِقِيَّةَ عِمَّةُ إِبْلِيسَ)، وهي ضعيفة بالإرسال .
 واعلم أنَّ الطابقيَّة والاقتعاط بمعنى واحد، وهو العمامة التي ليست لها حنك، وليست مسدلة، كما أنَّ التحنُّك والتلحي بمعنى واحد، وهو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك .
 وأمَّا الأخبار الدَّالة على استحباب السَّدل مطلقاً فهي كثيرة أيضاً :
 منها : صحيحة أبي همام عن أبي الحسن (عليه السلام)(قال فِي قَوْلِ اللَّه - عَزَّوجَلَّ - : *مُسَوِّمِينَ*، قَالَ : الْعَمَائِمُ، اعْتَمَّ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله)، فَسَدَلَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْه، ومِنْ خَلْفِه، واعْتَمَّ جَبْرَئِيلُ، فَسَدَلَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْه، ومِنْ خَلْفِه)[10].
ومنها : رواية جابر عن  أبي جعفر (عليه السلام) (قَالَ : كَانَتْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْعَمَائِمُ الْبِيضُ الْمُرْسَلَةُ يَوْمَ بَدْرٍ )[11]،  ولكنَّها ضعيفة بأبي جميلة .
ومنها : رواية علي بن أبي علي اللهبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)(قَالَ : عَمَّمَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) عَلِيّاً (عليه السلام) بِيَدِه، فَسَدَلَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْه، وقَصَّرَهَا مِنْ خَلْفِه قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، ثُمَّ قَالَ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ : أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا تِيجَانُ الْمَلَائِكَةِ)[12]، وهي ضعيفة بجهالة الحسن بن علي العقيلي، وعلي بن أبي علي اللهبي .
ومنها : رواية عبد الله بن سليمان عن أبيه (أنَّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) دخل المسجد، وعليه عمامة سوداء، قد أرسل طرفيها بين كتفيه)[13]، وهي ضعيفة بالإرسال، وبجهالة عبد الله بن سليمان وأبيه .
 ومنها : ما رواه علي بن موسى بن طاووس في أمان الأخطار نقلاً عن كتاب الولاية، تأليف أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة - في حديث نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) يوم الغدير - بإسناده في ترجمة عبد الله بن بشر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) (قال : بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خمّ إلى عليّ (عليه السلام) فعمَّمه، وأسدل العمامة بين كتفيه، وقال : هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معمَّمين،  وقد أسدلوا العمائم، وذلك حجز بين المسلمين وبين المشركين ... )[14]،  ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وكذا غيرها من الأخبار الضعيفة .
 إذا عرفت ذلك فقد ذكر الأعلام وجوهاً للجمع بين الأخبار :
 منها : ما عن المجلسي في البحار، من إرجاع التحنّك والتَّلَحِّي المأمور به في الطائفة الأولى من الأخبار إلى السَّدل، قال  - بعد نقل أخبار التحنك المتقدِّمة ما صورته - : ولنرجع إلى معنى التحنُّك، فالظاهر من كلام بعض المتأخرين هو أن يدير جُزءًا من العمامة تحت حنكه، ويغرزه في الطرف الآخر، كما يفعله أهل البحرين في زماننا، ويوهمه كلام بعض اللغويين أيضاً، والذي نفهمه من الأخبار هو  إرسال طرف العمامة من تحت الحنك وإسداله كما مر في تحنيك الميت،  وكما هو المضبوط عند سادات بني حسين أخذوه عن أجدادهم، خلفاً عن سلف، ولم يذكر في تعمم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام)، إلَّا هذا ... ) .
 وفيه : ما لا يخفى من الضعف، فإنَّ ما ذكره مخالف لظاهر الأخبار المتقدّمة، ولكلمات اللغويين، بل مخالف لصريح كلمات اللغويين، فالتحنّك والتَّلحي ليس إلَّا إدارة شيء من العمامة تحت الحنك على ما هو المتعارف في جميع الأعصار والأمصار .
 والإسدال الوارد في الطائفة الثانية من الأخبار مخالف لهذه الكيفيَّة، خصوصاً ما في بعضها من أنَّه أسدلها بين كتفيه، فأين هذا من إدارة شيء تحت حنكه ؟! .


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص401، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح1و2و3و4و5و6، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص401، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح1و2و3و4و5و6، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص402، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح1و2و3و4و5و6، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص402، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح1و2و3و4و5و6، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص402، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح1و2و3و4و5و6، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص403، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح1و2و3و4و5و6، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص403، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح9، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص402، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح4و12، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج4، ص402، أبواب لباس المصلّي، باب26، ح4و12، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج5، ص55، أبواب أحكام الملابس، باب30، ح1و2و3، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج5، ص55، أبواب أحكام الملابس، باب30، ح1و2و3، ط آل البيت.
[12] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج5، ص55، أبواب أحكام الملابس، باب30، ح1و2و3، ط آل البيت.
[13] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج5، ص57، أبواب أحكام الملابس، باب30، ح9و11، ط آل البيت.
[14] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج5، ص57، أبواب أحكام الملابس، باب30، ح9و11، ط آل البيت.