الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / درس 29  في لباس المصلَّي /

ولكنّها ضعيفة بطريق الكليني بابن سنان، وبالإرسال، ويظهر منها أنّه لا خصوصيّة للمِمْطَر، بل ذلك من حيث السَّواد، والمِمْطَر - على ما في المجمع - : كمِنْبَر ما يلبس في المطر يتوقّى به منه .
 ثمَّ إنَّ سياق العبارة يشهد بأنّ لبسه  (عليه السلام)  كان من باب الضّرورة، ومن جملة الأخبار التي استدلّ بها على الكراهة أيضاً مرسلة الفقيه (قال : وروي جبرائيل هبط على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قباء أسود، ومنطقة فيها خنجر، فقال : يا جبرائيل ! ما هذا الزي ؟ فقال : زيّ ولد عمّك العباس، يا محمّد ! ويلٌ لولدك من ولد عمّك العبّاس ... )[1]، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، كما أنَّها ضعيفة في العِلل بالرفع، وبجهلة بعض الأشخاص .
 ومنها : موثّقة إسماعيل - السَّكوني - عن الصَّادق  (عليه السلام)  (قال : إنَّه أوصى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه : قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي)[2]، وهي موثّقة في العِلل أيضاً .
 نعم، هي ضعيفة في عيون الأخبار بجهالة أكثر من شخص، قال الشيخ الصَّدوق  (رحمه الله)  في كتاب عيون الأخبار - بعد نقل هذا الخبر - : (لباس الأعداء هو السَّواد، ومطاعم الأعداء هو النبيذ والمسكر - إلى أن قال : - ومسالك الأعداء مواضح التُّهمة، ومجالس شرب الخمر، والمجالس التي فيها الملاهي ... ) .
 والإنصاف : أنَّ هذه الرواية وإن كانت موثَّقة، إلَّا أنَّ تفسير لباس أعداء الدين بالسَّواد إنَّما كان من الشيخ الصَّدوق  (رحمه الله)، لا من المعصوم  (عليه السلام)، وقول الصَّدوق  (رحمه الله)  ليس بحجَّة .
 والخلاصة : أنَّ الرّوايات الواردة في كراهة لباس السّواد كلّها ضعيفة السّند .
 نعم، سيأتي أنّ موثّقة حمّاد التي سنذكرها قريباً تدلّ على كراهة لُبْس الثوب المصبوغ المشبع المفدم، أي شديد اللون، وهذا بإطلاقه يشمل الثوب المصبوغ بالسّواد صبغة شديدة فتدلّ على كراهة لُبْس الثوب المصبوغ بالسّواد صبغة شديدة، ومورد الرّواية الصّلاة فقط، ولا يُكره في غير الصّلاة، وأمّا الثوب الأسود القليل الصبغة فلا يفهم من الرّواية كراهة لُبْسه في الصَّلاة .
 وعليه، فغير المصبغ بالصبغة الشديدة تكون كراهة لُبْسه في الصَّلاة مبنيةً على القول بالتسامح في أدلّة  السنن والمكروهات، وقد عرفت أنَّ هذه القاعدة غير ثابتة عندنا .
 ثمَّ إنَّه بناء على العمل بالرّوايات المتقدمة فلا وجه لاستثناء خصوص العمامة من الكراهة، بل الخفّ والكساء أيضاً مستثنيات كما عرفت، وفي الجواهر : (وربما يؤيِّد ذلك كلّه سيرة من شاهدناه من العلماء على لُبْس العباءة السّوداء وعدم اجتنابها، ومعاملتها معاملة غيرها من الثياب، ولعلّها من الكساء عندهم كما عن الميسيّ وتلميذه التصريح به، بل في المسالك نسبته إلى الجوهري، بل قيل : وفي القاموس إنَّ العباءة ضرب من الأكسية) .
 ثمّ اعلم أنّه بناء على ثبوت الكراهة في لُبْس السّواد سواء في الصّلاة أم مطلقاً، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، لقاعدة الاشتراك في الأحكام، ولظاهر التعليل أنّه من لباس أهل النار .
 نعم، ظاهر جماعة من الأعلام اختصاص الكراهة بالرّجل، ولعلّه من فحوى استثناء العمامة ونحوها، ولكنّه خلاف الإنصاف .
بقي شيء في المقام - بناء على ثبوت كراهيَّة لبس السّواد - : وهو ما ذكره صاحب الحدائق  (رحمه الله)  قال : (لا يبعد استثناء لُبْس السّواد في مأتم الحسين  (عليه السلام)  من هذه الأخبار لما استفادت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان، ويؤيِّده ما رواه شيخنا المجلسي (قدس سره) عن البرقي في كتاب المحاسن : أنَّه روى عن عمر بن زين العابدين  (عليه السلام)  أنّه قال : لمَّا قتل جدي الحسين المظلوم الشهيد لبس نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السَّواد، ولم يغيرنها في حرٍّ أو بَرْد، وكان الإمام زين العابدين  (عليه السلام)  يصنع لهنّ الطعام في المأتم)[3].
 أقول : هذه الرواية وإن كانت ضعيفة بجهالة الحسين بن زيد، ولعلّه بغيره أيضاً، إلَّا أنّ ما ذكره صاحب الحدائق  (رحمه الله)  من كون ذلك من شعائر الأحزان في غاية الصحّة والمتانة .
 والذي يهوِّن الخطب : أنّ الرّوايات الواردة في كراهة لُبْس السّواد كلّها ضعيفة السّند، إلّا ما سنذكره - إن شاء الله - في موثقة حماد، هذا كلّه بالنسبة للسّواد .
 وأمَّا بالنسبة لغيره من الألوان، قال المصنِّف  (رحمه الله)  في الذكرى : (فرع : اقتصر كثير من الأصحاب على السَّواد في الكراهيَّة، وقال الفاضل : لا يُكره شيء من الألوان، سوى السَّواد والمعصفر والمزعفر والمشبع بالحمرة - إلى أن قال : - وفي المبسوط ولبس الثياب المُفْدَمَة بلون من الألوان، والتختم بالحديد، مكروه في الصَّلاة، فظاهره كراهيّة المشبّع مطلقاً، واختاره أبو الصلاح وابن الجنيد وابن إدريس (رحمهم الله جميعا)، والأولى حمل رواية حماد عليه، والتخصيص بالحمرة أَخَذَه المحقَّق من ظاهر كلام الجوهري) .
 هذا، وقدِ استُدل على كراهة بعض الألوان ببعض الأخبار :
 منها : موثَّقة حماد عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  (قال : تُكره الصَّلاة في الثوب المصبوغ المشبع المُفْدَم)[4].
 أقول : والمُفْدَم بسكون الفاء، وفتح الدَّال - كمُكْرَم - : إمَّا عبارة عن شديد اللون، أو شديد الحمرة، كما عن الجوهري، وبناءًّ على أنّه شديد اللون - كما عن الأكثر - فيكون فيه دلالة على كراهة كلّ لون مشبع من حمرة، أو صفرة، سواد، أو خضرة، أو نحو ذلك .
 ومن هنا قال المصنِّف  (رحمه الله)  في الذكرى : (والأَولى حمل رواية حماد عليه، أي ما اختاره أبو الصلاح وابن إدريس من كراهيّة المشبع مطلقاً، ولا يخفى أنّ هذه الموثّقة إنّما تدلّ على كراهيّة لُبْس المشبع المٌفْدَم في خصوص الصَّلاة، وأمَّا لُبْسه في غير الصَّلاة فلا كراهيّة في ذلك .
 ومنها : رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  (أنَّه كرِه الصَّلاة المشبع بالعصفر، والمضرّج بالزعفران)[5]، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وبعدم وثاقة يزيد بن خليفة .
 ومنها : رواية مالك بن أعين


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص384، أبواب لباس المصلّي، باب19، ح6، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج15، ص146، أبواب لباس المصلّي، باب64، ح1، ط آل البيت.
[3]  كتاب المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقى، ج2، ص420، أبواب الإطعام في الآتم، باب25، ح195، مع اختلاف يسير.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص460، أبواب لباس المصلّي، باب59، ح2، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص461، أبواب لباس المصلّي، باب59، ح3، ط آل البيت.