الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : في لباس المصلَّي/ فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /
هذا، وقد ذكر جماعة من الأعلام، منهم الشيخ +، بأنَّه يجب على الأمة ستر ما عدا الرأس، قال في المعتبر - بعد أن حكى ذلك عن الشيخ + : (ويقرب عندي جواز كشف وجهها، وكفّيها وقدميها، لِمَا قلناه في الحرَّة) .
 وعلَّق عليه المصنِّف + في الذكرى فقال - بعد نقل ذلك عنه - (قلت : ليس هذا موضع التوقّف، لأنّه من باب كون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به، والنزاع في مثله ...) .
 والإنصاف : هو ما ذكره المصنِّف + في الذكرى، إذ ليس هذا موضع النزاع، بل متفق عليه، هذا كلّه بالنسبة للأمة ؛ وأمَّا الصبية فيدلّ على جواز كشف رأسها في الصَّلاة الإجماع المحصَّل والمنقول بالاستفاضة، بل هو مستالم عليه بين الأعلام، وهو العمدة في المقام .
 وأمَّا الأخبار الواردة في المسألة فكلها ضعيفة السند :
 منها : رواية يونس بن يعقوب (أنَّه سأل أبا عبد الله × عن الرّجل يُصلّي في ثوبٍ واحد، قال : نعم، قال : قلت : فالمرأة، قال : لا، ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلّا الخمار، إلَّا أن لا تجده)[1]، وهي ضعيفة بالحكم بن مسكين، الواقع في طريق الشيخ الصدوق + إلى يونس .
 ومنها : رواية أبي البُختري عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن علي ^ (قال : إذا حاضت الجارية فلا تصلّي إلّا بخمار)[2]، والمراد بالجارية الصبيّة الحرّة، والحيض : المراد به البلوغ، وقد دلّت بمفهوم الشرط على عدم وجوب الاختمار لغير البالغة، ولكنَّها ضعيفة بأبي البختري، بل قيل : إنه أكذب البرية .
 ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله × (أنَّه قال : على الصبي إذا احتمل الصيام، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام، والخمار، إلَّا أن تكون مملوكة فإنّه ليس عليها خمار، إلّا أن تحب أن تختمر، وعليها الصيام)[3]، وهي ضعيفة أيضاً بعلي بن أبي حمزة البطائني، وبجهالة القاسم بن محمد الجوهري .
 ثمّ لا يخفى عليك أن عدم تكليف الصبيّة بالصَّلاة وغيرها لا ينافي اشتراط صحة عبادتها بوجوب ستر، ما عدا الرأس والوجه والكفين والقدمين، لأنّ المراد من الوجوب هو الوجوب الشرطي لا الشرعي .
وعليه،  فلا وجه للاستدلال على عدم شرطيّة ستر رأسها بعدم تكليفها، كما عن جماعة من الأعلام، وبعدم تناول دليل الشرطية لها باعتبار اشتماله على الإمرأة ونحوها، وذلك لأنّ الصّلاة مشروعة في حقّها، وشرعيّتها ثبتت بهذه الطريقة،  إذ لا شرعية غيرها، لأنّ العبادة توقيفيَّة .
 بقي الكلام في أنَّه هل هناك فرق في الأَمَة بين أقسامها من القنّة والمدبّرة والمكاتبة والمستولدة المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق بين أقسامها، لإطلاق النصّ ومعقد الإجماع، بل استثناء خصوص خلاف الحسن البصري في خصوص السَّرية والمزوجة، كالصريح في إرادة العموم، بل عن معظم علمائنا التصريح بذلك أيضاً .
 ويدلّ على العموم أيضاً صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر ×، حيث إنّه صريح في ذلك (قال ‘ ليس على الأمة قناع في الصَّلاة، ولا على المدبّرة قناع في الصّلاة، ولا على المكاتبة، إذا اشترك عليها مولاها قناع في الصلاة،  وهي مملوكة حتّى تؤدّي جميع مكاتبتها، ويجري عليها ما يجري على المملوك في الحدود كلّها)[4]، وزاد عليه في الفقيه، قال : (وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار،  قال : لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت، وليس عليها التقنّع في الصّلاة)، والرّواية صحيحة بطريق الكليني +، وحسنة بطريق الصّدوق + في العِلل، ولكن إلى قوله : (في الحدود كلّها) .
وأمّا الزيادة - أي من قوله : (وسألته عن الأَمَة إذا وُلِدت) - فهي موجودة برواية الصّدوق + في الفقيه، وبما أن طريق الشيخ الصدوق ¬ إلى محمد بن مسلم ضعيف، لوجود علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه في السند، وهما غير مذكورين في كتب الرجال، فتكون هذه الزيادة غير ثابتة .
 هذا، وذكر جماعة من الأعلام أنّه يحتمل إلحاق أمّ الولد مع حياة ولدها بالحرّة، وذلك لصحيحة محمد بن مسلم الثانية عن أبي عبد الله × (قال : قلت له : الأَمة تغطي رأسها ؟ قال : لا، ولا على أمّ الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد)[5]، ومقتضى مفهوم الشرط إلحاق أمّ الولد مع حياة ولدها بالحرّة .
 وعليه، فيتعارض هذا المفهوم، الدَّال على وجوب التغطية على أمّ الولد، مع منطوق صحيحة الأولى الدَّال على عدم وجوب التغطية عليها، والتعارض بينهما بالعموم والخصوص من وجه، لأنّ الصّحيحة الأولى، خاصّة بالصّلاة، وهي أعمّ من جهة بقاء الولد وعدمه، ومن جهة كونه من مولاها، أو من غيره .
 وأمَّا الثانية فهي خاصّة من جهة كون الولد من مولاها، ومن جهة بقائه حيًّا، وأعمّ من حيث الصّلاة، وغيرها، فيجتمعان في الصّلاة فيما إذا كانت ذات ولد من مولاها مع بقائه حيّاً، والمرجع بعد التساقط عموم ما دلّ على أنّ الأَمَة تصلّي من دون خمار .
 وتكون النتيجة : أنّ أمّ الولد مثلها مثل باقي الإماء .
 ولكن الإنصاف : أنّه لا تعارض بينهما، وذلك أوَّلاً : أنَّ التعارض إنّما نشأ من ذيل رواية محمّد بن مسلم الأولى، وهو قوله : (وسألته عن الأمة إذا ولدت ... )، وهذا الذيل لم  يثبت، لأنّه ورد في رواية الشّيخ الصدوق + في الفقيه عن محمّد بن مسلم، وقد عرفت أنّ طريق الصّدوق + إليه ضعيف، ولم يرد في روايته في العِلل، ولا في رواية الكليني + .
 وعليه، فالصحيحة الثانية لابن مسلم لا معارِض لها، وهي دالَّة على وجوب التغطيّة على الأَمَة المستودلة .
 وثانياً : مع قطع النظر عن ضعف السند، وفرضنا ثبوت الذيل، إلّا أنّه لا يظهر منه أنّ الولد من مولاها، بل مفروض السّؤال مجرد ولادة الأَمَة ولو من غير مولاها، وكان السّائل ظنّ أنّ وجوب الخمار على المرأة، أمة كانت أو حرة، دائر مدار الولادة المؤذنة بالبلوغ، فأجاب × : بأنّه لو كان كذلك فإنّه لا اختصاص له بالولادة، بل يجري في الحيض الذي هو أحد أسباب البلوغ أيضاً ؛ وبناءً عليه فلا تعارض بين الصحيحتين .
 وثالثاً : لو سلّمنا أنّ الولد من مولاها في الصحيحة الأولى، كما استظهره المحقّق الهمداني ¬، حيث قال : (ويحتمل قويّاً أن يكون المراد بقوله : الأمة إذا ولدت، أنَّها صارت أمّ ولد، لا مطلق الولادة، ولو من غير مولاها ... )، إلّا أنّه لا تعارض بينها وبين الصحيحة الثانية، إذ لا ذكر فيها للصَّلاة، ولعله أُرِيد بها عدم وجوب السّتر عن الناظر .
 والخلاصة إلى هنا : أنّ مقتضى الصّناعة العلميّة وجوب الستر على الأمة إذا كان لها ولد من مولاها، ولا زال حيّاً، مثلها مثل الحرة .
 اللهمَّ إلَّا أن يُقال : هناك تسالم على عدم الوجوب، ولكنّه لم يثبت .
 ثمّ إنّه لو لم نقل بالوجوب فلا أقلّ من أنّ ذلك على نحو الاحتياط الوجوبي، والله العالم .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص405،  باب28 من أبواب لباس المصلّي ح4 .
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص408، باب28 من أبواب لباس المصلّي ح13 .
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص236، باب29 من أبواب لباس المصلّي ح3 .
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص405، باب29 من أبواب لباس المصلّي ح7، وباب 114 من أبواب مقدمات النكاح ح2 .
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص410، باب29 من أبواب لباس المصلّي ح4 .