الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / داستحباب قضاء النوافل /
ومن هنا قال المصنف  في الذكرى : وأمَّا الصدقة عن الصَّلاة فلم نرها في غير النافلة ... ، وهو على حقّ .
 بقي الكلام في أنّ القضاء هل يختص بما إذ لم يتمكّن الميت من قضائه، أو أنّه مختصّ بما إذا تمكّن من قضائه، ولم يقضه ؟
 قد يقال : بالأول، لانصراف نصوص القضاء عن الميّت إليه .
 وفيه : إنَّ دعوى الانصراف في غير محلّه، كدعوى انصراف النصوص إلى خصوص المعذور، وقد تقدّم منعها .
 بل قد يقال : إنّ القضاء عن الميّت مختصّ بما إذا تمكّن الميّت من قضائه، ولم يقضه لعذر، أو غير عذر، وذلك لأمرين :
 الأول : أنّ ظاهر حسنة حفص المتقدِّمة ذلك، لقوله : في الرجل يموت وعليه صلاة، أو صيام ...، فإنّ معنى عليه صلاة أو صيام أي : ثبت في ذمته ذلك، بحيث استطاع القضاء، ولم يتمكّن من القضاء، كما لو لم يصلِّ الظهر والعصر، ثمَّ مات بعد الغروب مباشرة، حيث لم يمضِ وقت يستطيع من خلاله القضاء .
 فلا يقال حينئذٍ : إنَّ عليه صلاة، كما لا يخفى .
 الثاني : ما ورد في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله ‘قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان، وماتت في شوال، فأوصتني أن أقض عنها، قال : هل برئت من مرضها ؟ قلت : لا، ماتت فيه، قال : لا يقضي عنها، فإنَّ الله لم يجعله عليها، قلت : فإنِّي أشتهي أن أقضي عنها، وقد أوصتني بذلك، قال : كيف تقضي عنها شيئاً لم  يجعله عليها، فإنِ اشتهيت أن تصوم لنفسك فَصُمْ[1]، فإنَّ الصحيحة وإن كانت واردة في الصّوم إلَّا أن العلّة عامّة، وهي قوله ‘ : كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله عليه، فإنَّ المستفاد منها أنَّ كلّ ما لم يجعله الله على الميّت لا يقضي عنه، سواء كان صوماً أم صلاةً، وبما أنَّه في موردنا لم يجعله الله عليه، لعدم تمكّنه من قضائه فلا يقضي عنه، والله العالم ؛ هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل، أي فيما يقضى عن الميت .
 وأمَّا بالنسبة للأمر الثاني - أي المقضي عنه - : قال المصنِّف  في الذكرى : وظاهرهم أنَّه الرَّجل لذكرهم إياه في معرض الحبوة، وفي بعض الروايات لفظ الرجل، وفي بعضها الميّت، وكلام المحقّق يُؤْذِن بالقضاء عن المرأة، ولا بأس به أخذاً بظاهر الرِّوايات، ولفظ الرجل للتمثيل لا لتخصص [2]، فقول المصنِّف  : ظاهرهم أنَّه الرجل، يُفهم منه أنَّ المشهور بين الأعلام اختصاص المقضي عنه بالرجل، لأنَّ العمدة في وجوب القضاء عن الميِّت هي حسنة حفص المتقدِّمة، وهي مختصَّة بالرجل .
والقول : بأن ذكره في الرواية للتمثيل، لا للاختصاص، خلاف الإنصاف .
 وأقصى ما يسدلَّ لوجوب القضاء عن الميت مطلقاً، سواء أكان رجلان أو امرأة، برواية عبد الله بن سنان المتقدِّمة المرويَّة في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى، للسيد ابن طاووس ¬،، عن الصادق ‘قال : الصَّلاة التي دَخَل وقتها قبل أنْ يموتَ الميّتِ يقضي عنه أَوْلَى النَّاس به®[3]، حيث إنَّ الميِّت يشمل الرجل والمرأة .
 وانصراف لفظ إلى الرَّجل مممنوع، إذ هذه الدعوى بلا بينة، كما أنَّ اختصاص حسنة حفص المتقدِّمة بالرّجل لا يقتضي تقييد الميّت في رواية ابن سنان بالرّجل، لأنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما يصحّ لو كان بينهما تنافٍ، ولا تنافي بينهما، لأنَّ كلّاً منهما مثبِت .
 نعم، لو كان لللقب مفهوم لدلّت حسنة حفص على نفي القضاء عن المرأة المييتة، ولكنّك عرفت أنّ اللقب لا مفهوم له .
 والإنصاف : أنَّه لولا ضعف سند رواية عبد الله بن سنان المتقدِّمة لكان الأقوى ثبوت القضاء عن الميّت مطلقاً سواء أكان رجلاً أم امرأة، ولكنّها ضعيفة، كما عرفت بالإرسال، لعدم ذكر ابن طاووس  طريقه في الكتاب .
 وأمَّا قول المصنِّف  في الذكرى : إنَّها وردت بطريقين، فلم يذكر لنا الطريق الثاني حتّى نرى مدى صحّته فالطريق الثاني أيضاً ضعيف بالإرسال.
 ثمَّ إنَّه قد يستدلّ لوجوب القضاء عن المرأة المييتة بما دلّ من الرّوايات على وجوب قضاء الولي عن المرأة في الصَّوم، بناءً على عدم الفرق بين الصَّلاة والصَّوم، وهي روايات كثيرة، أهمها صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ‘قال : سألتُه عن امرأةٍ مرضت في شهرِ رمضان، أو طمثت، أو سافرت، فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضي عنها ؟ قال : أمَّا الطمث والمرض فلا، وأمَّا السفر فَنَعَم[4].
 وجه الاستدلال بها : أنَّ مشروعيَّة القضاء عن الميّت واضحة جدّاً لا تخفى على أحد، فالسؤال حينئذٍ عن وجوب القضاء، لا عن مشروعيته، لا سيما وأنَّ السائل هو أبو حمزة الثمالي، وهو من أعاظم أصحاب الأئمة ‘، وقد عاصر ستة من الأئمة ‘، أو خمسة .
 ولكن الإنصاف : أنَّ السؤال هنا عن المشروعيَّة، لا عن الوجوب، وذلك لأنَّ مورد السؤال في هذه الصحيحة إنَّما هو عروض الموت قبل خروج شهر رمضان المبارك، أي : قبل زمان تتمكّن فيه المرأة من قضاء الصَّوم .
 ومن المعلوم حينئذٍ أنّ مشروعيَّة القضاء من الولي تكون في غاية الخفاء، لعدم ثبوته في حقّ الميّت حتّى يقضي عنه، لا أداءً، لأجل العذر من المرض والسفر والطمث، ولا قضاء لكون القضاء بعد شهر رمضان، وقد فرض الموت قبل خروج الشهر، بل قد تقدّم سابقاً في صحيحة أبي بصير[5] المنع عن أصل القضاء في هذه الحالة، فضلاً عن وجوبه، حيث ورد فيها : كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله عليها ؟!، فإنِ اشتهيت أن تصوم لنفسك فَصُمْ.




[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج10، ص333، أبواب أحكام شهر رمضان، باب23، ح12، ط آل البیت.
[2] الذكرى، الشهيد الأول، ص139.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص281، أبواب قضاء الصلوات، باب12، ح18، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج10، ص334، أبواب أحكام شهر رمضان، باب23، ح4، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج10، ص333، أبواب أحكام شهر رمضان، باب23، ح12، ط آل البیت.