الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/02/25

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فقه / الصَّلاة / صلاة القضاء وأحكامها /
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر  (عليه السلام) (قَالَ : إِذَا فَاتَتْكَ صَلَاةٌ فَذَكَرْتَهَا فِي وَقْتِ أُخْرَى، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الَّتِي فَاتَتْكَ كُنْتَ مِنَ الأُخْرَى فِي وَقْتٍ فَابْدَأْ بِالَّتِي فَاتَتْكَ، فَإِنَّ اللَّه - عَزَّ وجَلَّ - يَقُولُ : أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي، وإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الَّتِي فَاتَتْكَ فَاتَتْكَ الَّتِي بَعْدَهَا فَابْدَأْ بِالَّتِي أَنْتَ فِي وَقْتِهَا فَصَلِّهَا، ثُمَّ أَقِمِ الأُخْرَى) [1]
وفيها أوَّلاً : أنّها ضعيفة، لعدم وثاقة القاسم بن عروة .
 وثانياً : أنّها ظاهرة في المضايقة في حدّ نفسها مطلوبة، لا أنَّ الترتيب مطلوب بحيث تبطل الحاضرة إذا لم يأتِ بالفائتة قبلها، بل التعليل الوارد فيها يجعلها كالنصّ في أنّ الأمر بالبدأة بالفائتة إنّما هو لكون المضايقة مطلوبة، مع قطع النظر عن الترتيب .
 وعليه، فلو صحّت الرواية سنداً لحملنا الأمر بالبدأة بالفائتة على الاستحباب، لكون القول بالمواسعة هو الأقوى، كما عرفت .
 ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (قال : سألت أبا عبد الله  (عليه السلام)  عن رجلٍ نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى، فقال : إذا نسي الصَّلاة، أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها وهو في صلاةٍ بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعةٍ، ثمَّ صلَّى المغرب، ثمَّ صلَّى العتمة بعدها ... ) [2].
 وفيها أوّلاً : أنّها ضعيفة السند، لعدم وثاقة معلّى بن محمّد .
 وثانياً : أنَّها ناظرة إلى حكم المضايقة في حدّ نفسها، وأنّ الإتيان بالفائتة أمر مرغوب فيه، ومطلوب في حدِّ نفسه، ولو لم يترتّب عليه الحاضرة .
 أُنظر إلى قوله  (عليه السلام)  في صدر الرواية : (إذا نسي الصَّلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها ... )، فإنَّه واضح أنّه ناظر إلى حكم المضايقة في حدّ نفسها، وما فرّع عليه من الفقرات التالية مبني على ذلك، فيكون المبادرة إلى الفائتة حسناً في نفسه، ولو كان التذكّر في الأثناء، فإنَّه يدلّ إلى الفائتة لكون الإتيان بها أمراً مطلوباً في نفسه، وقد عرفت أنّ الأمر بالعدول محمول على الاستحباب، لكونه واقعاً في مقام توهّم الحظر، كما تقدّم .
 ومنها : رواية أبي بصير (قال : سألته عن رجلٍ نسي الظُّهر حتّى دخل وقت العصر، قال : يبدأ بالظّهر، وكذلك الصَّلوات تبدأ بالتي نسيت، إلَّا أن تخاف أن تخرج وقت الصَّلاة، فتبدأ بالتي أنت في وقتها، ثمَّ تقضي التي نسيت) [3]
 وفيها أوّلاً : أنّها ضعيفة بسهل بن زياد، وبمحمَّد بن سنان .
 وثانياً : أنَّ الاستدلال بها مبني على تعدّد أوقات الظّهرين والعشاءين، كما هو عند العامّة، فيكون للظّهر وقت غير وقت العصر، وكذا المغرب والعشاء، وأمّا على ما هو الصحيح من امتداد وقت الظّهر إلى الغروب، والمغرب إلى انتصاف الليل، فيحمل قول السائل حتى دخل وقت العصر على وقت الفضيلة، فيكون المراد من وقت الصَّلاة الذي خاف فوته هو وقت الفضيلة .
 ومقتضاه : وجوب البدأة بالحاضرة عند خوف فوت الفضيلة .
وعليه، فهي على خلاف المطلوب أدلّ .
 ومنها : رواية صفوان ابن يحيى عن أبي الحسن  (عليه السلام)  (قال : سألته عن رجلٍ نسي الظّهر حتّى غربت الشَّمس، وقد كان صلّى العصر، فقال : كان أبو جعفر  (عليه السلام)، أو كان أبي  (عليه السلام)  يقول : إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، وإلَّا صلّى المغرب، ثمّ صلّيها)  [4].
 وفيها أوّلاً : أنّها ضعيفة السند، لأنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني ¬ هو البندقي النيشابوري المجهول الحال، لا ابن بزيع الثقة .
 وثانياً : أنّها لا تدلّ على المطلوب، بل هي ظاهرة جدّاً في كون المراد من فوات المغرب فوات الفضيلة ؛ إذن هي دالّة على عكس المطلوب .
 والسرّ فيه : أنّ كلمة حتّى ظاهرة جدّاً في كونها غاية لنسيان صلاة الظّهر .
 وعليه، فيحصل التذكّر له حين غروب الشّمس، وهو بإمكانه أن يصلّي الظّهر عدّة مرات قبل أن يصلّي المغرب لاتساع وقت المغرب، فكيف يصح أن نقول : إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب، ولأجل ذلك يتعيّن أن يكون المراد من فوت المغرب فوت وقت الفضيلة .
 وتصبح النتيجة : أنَّه عند خوف فوت وقت الفضيلة تقدّم المغرب، فإذن هي تدلّ على صحّة الحاضرة مع اشتغال الذمّة بالفائتة .
 ومنها : رواية معمّر بن يحيى (قال : سألت أبا عبد الله  (عليه السلام)  عن رجلٍ صلّى على غير القبلة، ثمّ تبيّنت القبلة، وقد دخل وقت صلاة أخرى، قال : يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها ... ) [5].
 وفيها أوَّلاً : أنّها ضعيفة السند لضعف طريق الشيخ إلى علي بن الحسن الطاطري بأحمد بن عمر بن كيسبة، فإنَّه غير مذكور في الرجال، وأمَّا علي بن محمد بن الزبير الواقع في الطريق فهو من المعاريف .
 وثانياً : أنَّها ظاهرة في الحاضرتين، وهو خارج عمَّا نحن فيه .
 وممَّا يدلّ على أنّها ظاهرة في الحاضرتين، دون الفائتة والحاضرة، هو أنّها معارضة بالرِّوايات الكثيرة الدَّالة على عدم وجوب إعادة الصَّلاة الواقعة على غير القبلة لو تبيّن خطأه بعد خرج الوقت :
 منها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  (قال : إذا صلّيت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنّك صلّيت وأنت على غير القبلة، وأنت في وقتٍ، فأعِد، وإن فاتك الوقت فلا تعد) [6].
 وعليه، فتكون رواية معمّر غير ناظرة إلى الفوائت، بل إلى الحاضرتين بإرادة دخول وقت الفضيلة للصّلاة الأخرى، ويكون الحكم بتقديم تلك الصَّلاة على الأخرى في الرّواية من أجل بقاء وقتيهما ولزوم مراعاة الترتيب، لا لخروج وقت الأولى .
 ومن هنا جاء التعبير، ثمَّ يعيدها، حيث يكشف ذلك عن بقاء وقت الإجزاء للصّلاة التي وقعت على غير جهة القبلة .
 ثمّ إنّه لو سلّمنا دلالة الرّوايات المزبورة على المدّعى وقطعنا النظر عن ضعفها سنداً، إلّا أنّها معارضة بما تقدّم من الأخبار الظاهرة أو الصريحة في عدم اعتبار الترتيب المشتمل جملة منها على الأمر بتقديم الحاضرة، وهي أكثر عدداً، وأصحّ سنداً، وأظهر دلالة لإمكان حمل هذه الأخبار مع قطع النظر عن ضعفها سنداً على الاستحباب .
 ولو سلّم تكافؤ بين الأخبار فالمرجع بعد التساقط هو الأصل النافي الشرطيّة الترتيب، أي الأصل عدم ترتيب صحّة الحاضرة على الإتيان بالفائتة .
 والخلاصة : أنّ الأقوى ما هو المشهور بين الأعلام من عدم اشتراط الحاضرة بتقديم الفائتة عليها، فيتخير المكلف بين تقديم أيٍّ منهما شاء .
 نعم، الأفضل تقديم صاحبة الوقت عند المزاحمة مع وقت الفضيلة، ومع عدم المزاحمة فالأفضل المبادرة إلى فعل الفائتة، وذلك جمعا بين الأخبار .
 وأمَّا سائر الأقوال التي تقدّمت الإشارة إليها فيه ضعيفة، ولسنا بحاجة لإتعاب النفس للمناقشة فيها، والله العالم بحقائق أحكامه .
 تمَّ الانتهاء منه يوم الإثنين عصراً 9 محرم الحرام سنة 1436 هـ، الموافق لـ 3 تشرين الثاني سنة 2014 مـ .



[1] الوسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص287، أبواب المواقيت، باب62، ح2، ط آل البیت.
[2] الوسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص292، أبواب المواقيت، باب63، ح2، ط آل البیت.
[3] الوسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص290، أبواب المواقيت، باب62، ح8، ط آل البیت.
[4] الوسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص289، أبواب المواقيت، باب62، ح7، ط آل البیت.
[5] الوسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص313، أبواب القبلة، باب9، ح5، ط آل البیت.
[6] الوسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص316، أبواب القبلة، باب11، ح1، ط آل البیت.