الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/02/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فقه / الصَّلاة / صلاة القضاء وأحكامها /
قال أصحاب القول بالمضايقة : إنَّ بعضَ الأخبارِ فَسَّرت الآية الشريفة المتقدِّمة بذلك :
 منها : رواية زرارة - وقد عبَّر عنها المصنِّف في الذكرى بالصحيحة - عن أبي جعفر ‘، الواردة في نوم النبي (صلى الله عليه وآله) عن صلاة الصبح، وفيها قوله ( مَنْ نسي شيئاً من الصَّلوات فَلْيصلِّها إذا ذكرها، إنَّ الله تعالى يقول : وأقم الصَّلاة لذكري)[1].
 ومنها : رواية أخرى لزرارة عن أبي جعفر ‘ (قَالَ : إِذَا فَاتَتْكَ صَلَاةٌ فَذَكَرْتَهَا فِي وَقْتِ أُخْرَى، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الَّتِي فَاتَتْكَ كُنْتَ مِنَ الأُخْرَى فِي وَقْتٍ فَابْدَأْ بِالَّتِي فَاتَتْكَ، فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ :  أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي، وإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الَّتِي فَاتَتْكَ فَاتَتْكَ الَّتِي بَعْدَهَا فَابْدَأْ بِالَّتِي أَنْتَ فِي وَقْتِهَا (فَصَلِّهَا خ ل) ثُمَّ أَقِمِ الأُخْرَى)[2]
ومنها : النبوي، حيث روى أبو الفتوح الرازي في تفسيره عن قتادة عن أنس (قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مَنْ نام عن صلاة، أو نسيها، فَلْيقضها إذا ذكرها، إنَّ الله تعالى يقول : وأقمِ الصَّلاة لذكري)[3].
 وفيه : أمَّا الآية الشريفة - مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في تفسيرها - فهي لا تدلّ على المطلوب، بل هي ظاهرة في عدم الدلالة، إذ الخطاب بالآية الشريفة للنبي موسى (على نبينا وآله السلام) قال الله تعالى :  ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى - إلى أن قال : -  فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي - إلى أن قال : - وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ - إلى آخر الآيات الشريفة.[4]
وعليه، فإذا كان المخاطب بالآيات الشريفة هو النبي موسى ‘ فكيف يحتمل في حقِّه ترك الصَّلاة الواجبة في وقتها، ولو كان ذلك لنوم أو نسيان حتى يؤمر بالقضاء عند ذكرها ؟!، ولذا ذُكِر في تفسيرها معانٍ كثيرةٍ كلّها أجنبية عن المقام :
 منها : أنَّ الياء في ذكري كياء فاعبدني، أي : أقمِ الصَّلاة لي، إذ إقامتها لذكره إقامة له تعالى .
 ومنها : أنَّ المراد أَقِمْها لأجل ذكري، إذ الصَّلاة في الحقيقة - باعتبار اشتمالها على التسبيح والتعظيم والأذكار، واشتغال القلب واللسان في الله بسببها - ذِكْر من أذكاره، ولذا عُبِّر عن الصَّلاة بالذكر في قوله تعالى : ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ[5].
 ومنها : أنَّ المراد أقمها لأجل أن تكون ذاكراً لي غير ناسٍ، كما هو شأن المخلصين والأولياء الذين لا يفترون عن ذكر الله، ولا تلهيهم تجارة، ولا بيع عنه .

 ومنها : أنَّ المراد لأجل ذكري خاصَّة لا تشوبه بذكر غيري، أو لإخلاص ذكري، وطلب وجهي لا ترائي بها، ولا تقصد بها غرضاً آخر .
 ومنها : أقمِ الصَّلاة لأنِّي أذكرك بالمدح والثناء، وأجعل لك لسان صدق .
 ومنها : أقمِ الصَّلاة لأنِّي ذكرتها في الكتب .
 ومنها : أقمِ الصَّلاة لأوقات ذكري، وهي مواقيت الصلاة، إلى غير ذلك من المعاني .
 والإنصاف : أنَّ الآية الشريفة في حدِّ نفسها كالصريحة في إرادة الأمر بإقامة الصَّلاة، وبيان زيادة الاهتمام بها، لا خصوص الفائتة منها .
 وأمَّا الأخبار الواردة في تفسيرها فهي لا تدلّ على المطلوب أيضاً :
 أمَّا رواية زرارة الأولى :
 فهي أوَّلاً : ضعيفة السند بالإرسال، وإنْ وصفها المصنِّف في الذكرى بالصحيحة، إذ لم يذكر طريقه إلى زرارة  .
 وثانياً : أنَّها مشتملة على نوم النبي (صلى الله عليه وآله) عن صلاة الصبح، وقد ذكرنا سابقاً أنَّ ذلك منافٍ للعصمة، لأنَّ النومَ كان من الشيطان، حيث ورد في ذَيْل صحيحة ابن سنان (نمتم بوادي الشيطان) .
 وثالثاً : أنَّها مشتملة على ما لا يقول به أهل المضايقة وهو تقديم النافلة، وذلك مناف للفورية .
 وعليه، فلا يفهم من الرواية أنَّ المراد بلفظ ذكري في الآية ذكر الصَّلاة حتَّى يحتاج توجيهه إلى التكلُّف، وعلى تقدير إرادة هذا المعنى من الآية الشريفة فلا مقتضي لتخصيصها بالفائتة، بل تعمّ الحاضرة أيضاً، فيكون المراد بها الأمر بإقامة الفرائض عند ذكرها، سواء كان في الوقت أو في خارجه، كما يؤيِّد ذلك ما ذكره الطبرسي في تفسيره بعد ذكر جملة من معاني الآية .
 وقيل معناه : أقمِ الصَّلاة متى ذكرت أنَّ عليك صلاةً، كانت في وقتها أم لم تكن، عن أكثر المفسِّرين، وهو المروي عن أبي جعفر ‘، انتهى ما عن الطبرسي .
 وبالجملة، فإنَّ الأمر بإقامتها متى ذكرها في وقتها ليس للفور، ضرورة عدم وجوبها فوراً ما دام الوقت واسعاً فالمقصود بذلك إيجاب إيجادها بعد التذكُّر، لا إيجاب المبادرة إلى فعلها، إذ لا يستقيم ذلك بالنسبة إلى الحاضرة، فيكشف عن أنَّ المراد بقوله : (فليصلِّها إذا ذكرها) أي : عدم فواتها بالنسيان في الوقت، ووجوب الإتيان بها بعد التذكر، لا الفورية، ومنه يتضح المراد من رواية زرارة الثانية .
 مضافاً : لضعفها سنداً بالقاسم بن عروة، فإنَّه غير موثَّق، كما أنَّه لا يوجد فيها إلَّا الأمر بالبدأة إنَّما يتقضي الترتيب الذي أتي الكلام عنه في المسألة الثانية، لا المضايقة والفورية .
 وأمَّا الرواية الثالثة : فهي نبويَّة عاميَّة ضعيفة جدّاً .
 يرد عليه أيضاً : ما أورده على الرواية الأولى فلا حاجة للإعادة .
 والخلاصة إلى هنا : أنَّ الاستدلال بالآية الشريفة على المطلوب بضميمة الأخبار المفسِّرة لها ليس بتام .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص253، أبواب قضاء الصلوات، باب1، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص287، أبواب المواقيت، باب62، ح2، ط آل البيت.
[3] مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، ج6، ص430، أبواب قضاء الصلوات، باب1، ح12.
[4] سورة طه، آیة9-17
[5] جمعه/سوره62، آیه9.