الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/08/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ حكم الصلاة مع النجاسة وأحكام الآنية
 وثانياً: أنَّ الأخبار الواردة في المسألة على نحوَيْن :
 النحو الأوَّل: ما كان بعنوان النهي عن الأكل والشرب ، وهذا النحو ظاهر في حرمة نفس الأكل ، الذي بمعنى الإزدراد ، ونفس الشرب ، وإن لم يصدق عليهما استعمال الآنية ، لأنَّ استعمالها عبارة عن وضع المظروف فيها ، وتناوله منها .
 وأمَّا ما يترتب على التناول من الأكل والشرب ، ونحوهما ، ليس استعمالًا لهما ، ولولا هذا النحو من النواهي لَمَا حكمنا بحرمة نفس الأكل والشرب .
 النحو الثاني: ما كان بعنوان النهي عن آنية الذهب والفضَّة ، وبما أنَّ التحريم لا يتوجَّه إلى العين ، لِمَا عرفت أنَّ متعلَّق الحرمة هو الفعل لا العين ، فلا بدَّ من التقدير في هذا النحو من النواهي .
 والمناسب أن يكون المقدَّر هو استعمالها الذي هو عبارة عن وضع المظروف فيها ، وتناوله ، دون ما يترتب عليه من الأكل والشرب ، والوضوء ، والغسل ، والتدهين ، ونحوها .
 نعم ، إنَّما حكمنا بحرمة الأكل والشرب لأجل النحو الأوَّل من النواهي ، وأمَّا باقي الأمور فلم يرد فيها نهي ، ولذا حكم المشهور بصحَّة الوضوء والغسل بالاغتراف من آنية الذهب والفضة ، كما سيأتي تحقيقه قريباً - إن شاء الله تعالى - بشكل مفصَّل .
 نعم ، لو كان الوضوء ارتماسيًّا لبطل ، لِصدق الاستعمال المحرَّم على نفس الارتماس ، فيحرم ، وبما أنَّه عبادة فيفسد ، وإن كان ظاهر عبارة "كشف اللثام" : الصحة في هذه الصورة أيضاً ، إلَّا أنَّ هذا الكلام منه عجيب ، وسيأتي تمام الكلام فيه .
 هذا ، وقد ذهب صاحب الجواهر: إلى أنَّ المحرَّم في النحو الأوَّل من النواهي ليس هو الأكل والشرب ، بل نفس التناول خاصَّة ، تنزيلًا للنهي عنهما على إرادة الاستعمال ، ضرورة عدم الفرق بينهما وبين غيرهما من أنواع الاستعمال ، فالنهي الوارد في الأدلَّة بمنزلة : لا تأكل في الآنية ، ولا تشرب فيها ، ولا تتوضّأ ، ولا تغتسل
 ولكنَّ الذي يرد عليه: أنَّ حمل النواهي في النحو الأوَّل على إرادة الاستعمال خلاف الظاهر ، لا يصار إليه بلا قرينة .
 وأمَّا قوله: " ضرورة عدم الفرق بينهما وبين غيرهما من أنواع الاستعمال ".
 فيرد عليه: أنَّنا لا نحيط بجميع الجهات حتَّى نجزم بعدم الفرق ، ولعلَّ هناك خصوصيَّة للأكل والشرب غير موجودة في غيرهما .
 ثمَّ إنَّ حكمه بفساد الوضوء والغسل ، بالاغتراف منهما ، لِصدق النهي عنهما كالنهي عن الأكل والشرب ، لا يجتمع مع ما حكاه عن الأصحاب من حكمهم بصحَّة الطهارة من الآنية مع التمكُّن من ماء غيره ، كالإناء المغصوب ، من غير خلاف يعرف فيه بينهم ، بل ظاهر معتبر المصنِّف ¬ - حيث نسب الخلاف فيه لبعض الحنابلة -: ( الإجماع عليه ، معلِّلين ذلك بأن المحرم الانتزاع ، وهو أمر خارج عن الطهارة )
  فقوله : ( من غير خلاف يعرف فيه ) لا يلتئم مع ما ذهب إليه من البطلان ، والله العالم .
 قال المصنف: ( ولا بيعه ، نعم يجب سبكه على المشتري )
 ذكر جماعة من الأعلام ، منهم صاحب المدارك: ( أنَّه يصحّ بيع هذه الآنية إن جوَّزنا اتخاذها لغير الاستعمال ، أو كان المطلوب كسرها ، ووثق من المشتري بذلك ، ولو كسرها كاسر لم يضمن الأرش إن حرمنا الاتِّخاذ لأنَّه لا حرمة لها ...) .
 أقول: بناء على جواز اتِّخاذها واقتنائها ، كما هو الصحيح ، حيث قلنا : إنَّ المحرَّم هو استعمالها دون اقتنائها ، فالأمر سهل ، إذ لا إشكال في جواز بيعها وشرائها ، ويضمن الأرش لو كسرها كاسر ، لأنَّها محترمة .
 وأمَّا على القول: بحرمة الاتِّخاذ والاقتناء ، كما ذهب إليه جماعة من الأعلام .
 فقيل: إنَّه لا يجوز بيعها إلَّا بشرط الكسر فوراً ، أو العلم به ، مع وثاقة المشتري بأنَّه يكسرها ، ولا يضمن الأرش لو كسرها كاسر لأنَّه لا حرمة للهيئة .
 نعم ، يضمن المادة لأنَّها مال محترم ، ورتَّبوا على ذلك أيضاً بأنَّه يجب على المالك إتلافها ، لأنَّها محرمة الاقتناء
 أقول: بناءً على حرمة الاقتناء يجب على مالكها إتلافها ، ولو كسرها كاسر لم يضمن قيمة صياغتها ، لسقوط الهيئة عن الماليَّة .
 نعم ، لو أتلف المادة يضمن ، لأنَّها محترمة .
 وأمَّا بالنسبة لعدم جواز البيع فنقول: إنَّه يصحّ ، لأنَّ المبيع هو المادَّة ، ولها ماليَّة عرفاً وشرعاً ، وإن كانت الهيئة غير محترمة شرعاً ، بل وإن كانت موجبة لزيادة الثمن ، إلَّا أنَّ المالك لا يبيع الهيئة ، وإنما يبيع المادة .
 وعليه ، فلا دليل على عدم جواز البيع في صورة حرمة الإقتناء ، وتمام الكلام في محلِّه في مبحث المكاسب المحرمة ، والله العالم .
 قال المصنف: ( ولا تبطل الطهارة منه ، أو فيه )
 قال المصنِّف في "الذكرى": ( لا تبطل الطهارة منها ، ولا فيها ، وإن حرم ، لأنَّ النهي عن أمر خارج ، إذ أخذ الماء ليس جزءاً من الطهارة ، إذ الشروع فيها - بعد وضعه على العضو وصبِّ الماء فيها - أبلغ في الخروج عن الطهارة ...) .
 وقد أشرنا سابقاً إلى ما حكاه صاحب الجواهر عن ظاهر الأصحاب ، من حكمهم بصحَّة الطهارة من الآنية ، مع التمكّن من ماء غيره ، من غير خلاف يُعرف فيه بينهم .
 وعن جماعة من الأصحاب ، منهم العلَّامة الطبأطبائي في منظومته ، وصاحب الجواهر: بطلان الطهارة من الآنية ، بلا فرق بين رمس العضو ، والاغتسال مرتمسا ، والتناول باليد والآلة ، قال صاحب الجواهر: ( فما يظهر من الأصحاب حينئذٍ - أنَّ المحرَّم نفس النقل والانتزاع لا غير - ليس في محلِّه ... ).