الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ حكم الصلاة مع النجاسة وأحكام الآنية
 كان الكلام فيما سبق لو اضطر الى الصلاة في الثوب النجس لبرد وشبهه ولا يوجد ثوب غيره وقلنا ان المشهور يقول لا اعادة وجماعة من الاعلام قالوا يعيد
 هذا ، وقد استدلَّ الشيخ لوجوب الإعادة : بموثَّقة عمَّار الساباطي عن أبي عبد الله ع ( أنَّه سُئِلَ عن رجلٍ ليس عليه إلَّا ثوب ، ولا تحلُّ الصَّلاة فيه ، وليس يجد ماءً يغسله ، كيف يصنع ؟ قال : يتيمَّم ، ويصلِّي ، فإذا أصاب ماءا غسله ، وأعاد الصَّلاة ) .
 وقد أشكل جماعة من الأعلام على هذه الموثَّقة : بأنَّ المشهور أعرض عنها .
 وفيه: أنَّ إعراضهم لا يوجب الوهن ، كما عرفت سابقاً .
 أضف إلى ذلك: أنَّه يُحتمل كون إعراضِهم لبنائهم على تعارض النصوص في المقام ، ووجوب ترجيح غيرها عليها .
 نعم هناك إيرادَيْن عليها:
 الأوَّل: أنَّه يُحتمل احتمالًا قويًّا أن يكون الأمر بالإعادة بلحاظ وقوع الصَّلاة مع التيمم .
 وقدِ استشهد بها لإعادة الصَّلاة الواقعة مع التيمم ، بعد صيرورته واجداً للماء .
 الثاني: أنَّه لو سُلِّم دلالة الموثَّقة على ما ذُكِر ، إلَّا أنَّها لا دلالة لها على الضرورة ، كما لا يخفى .
 والإنصاف: أنَّ هذه الموثَّقة لا يصحّ الاستدلال بها على وجوب الإعادة .
 هذا ، وأمَّا المشهور القائل بعدم الإعادة فقد يُستدلّ له بعدَّة أدلَّة عمدتها: أنَّ هذا الشخص صلَّى صلاةً مأموراً بها ، والأمر يقتضي الإجزاء .
 وفيه: أنَّ قاعدة الإجزاء غير تامَّة ، لأنَّه قد ذكرنا في علم الأصول بشكل مفصَّل أنَّ الاضطرار تارةً يرتفع خارج الوقت ، وأخرى داخله ، فإنِ ارتفع خارجه فالإجزاء هو الصحيح .
 وأمَّا إذا ارتفع داخل الوقت: فالإنصاف هو عدم الإجزاء .
 والسرُّ فيه: أنَّ الأمر تعلَّق بطبيعي الواجب بين المبدأ والمنتهى ، فالاضطرار في بعض الوقت ، دون بعضه الآخر ، لا أثر له ، إذ لم يضطرّ إلى ترك الواجب في تمام الوقت .
 وإن شئت فقل: إنَّ ما اضطرَّ إليه في بعض الأوقات ليس بمأمور به ، والمأمور به هو الطبيعي الجامع بين أفراده الطوليَّة ، والعرضيَّة ، لم يضطرَّ إليه .
 وعليه ، فلم يرتفع الأمر الواقعي الأوَّلي ، ويترتَّب على ذلك عدم وجود الأمر الاضطراري لكي يُجزي عن الأمر الواقعي الأولى ، وإنَّما يتوهَّم وجود الأمر فقط .
 والخلاصة: أنَّ موضوع الأمر الاضطراري هو الاضطرار المستوعب لتمام الوقت .
 وعليه ، فالأقوى هو وجوب الإعادة ، هذا حسب ما تقتضه الصناعة العلمية .
 ولا يصحّ الاستدلال لعدم وجوب الإعادة: بحديث لا تعاد الصَّلاة ، لأنَّ الحديث لا يشمل العالم بالنجاسة المضطرّ إلى لبس الثوب النجس ، وإنَّما مورده الناسي والجاهل ، فما فعله السيد أبو القاسم الخوئي من الاستدلال بهذا الحديث الشريف ، لعدم الإعادة ، في غير محلِّه .
 قال المصنف: ( ولو لم يكن ضرورة فالأقرب تخيّره بين الصَّلاة فيه ، وعارياً ، وقيل : يتعيَّن الثاني ، وهو أشهر )
 المعروف ، والمشهور بين الأعلام : أنَّه يصلِّي عارياً إذا لم يكن عنده غيره ، ولم يكن مضطرًّا إلى لبس النجس ضرورة شرعيَّة ، أو عرفيَّة ، ولو بأن يكون معه شخص غيره ممَّن يشق عليه الصَّلاة بمحضره عارياً ، ونحو ذلك من الضروريات .
 وبالجملة ، فإنَّ المشهور بينهم شهرة عظيمة أنَّه يصلِّي عارياً ، بل عن جماعة من أفاضل العامليين ، كالشهيد هنا ، والشهيد الثاني في "الروض" و"المسالك" ، وصاحب المدارك: نسبته إلى الأشهر ، والأكثر ، وفي "الرياض": نسبته للشهرة العظيمة ، بل في "الخلاف": الإجماع عليه .
 وبالمقابل : رجَّح المصنِّف في "البيان" ، وصاحب المدارك: الصَّلاة في الثوب النجس ، وقوَّاه صاحب المعالم ، وكشف اللثام.
 وذهب المحقِّق في "المعتبر" ، والعلَّامة في "المنتهى" إلى: التخيير بين الأمرين ، ووافقهما جماعةً كثيرة من متأخِّري المتأخِّرين .
 إذا عرفت ذلك فقدِ استدلّ للقول للأوَّل بعدَّة أدلَّة :
 منها: الإجماع المدَّعى في "الخلاف" .
 وفيه: ما عرفته في أكثر من مناسبةٍ ، من عدم حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد ، مع أنَّه كيف يتحقُّق ؟! ، مع ذهاب كثير من الأعلام إلى التخيير ، وبعضهم إلى ترجيح الصَّلاة في الثوب النجس .
 ومن هنا شكَّك بعض الأعلام بتحقُّق الشهرة العظيمة في الصَّلاة عرياناً .
 ومنها: إطلاق النهي عن الصَّلاة في النجس .
 وفيه
 أوَّلا: أنَّ الإطلاقات منصرفة عن مثل هذا الفرض .
 وثانياً: أنَّها معارضة بإطلاق أدلَّة اعتبار الستر ، والمنع من الصَّلاة عارياً .
 ومنها: عدَّة من الأخبار :
 منها: خبر محمَّد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله ع ( في رجلٍ أصابته جنابة ، وهو بالفلاة ، وليس عليه إلَّا ثوب واحد ، وأصاب ثوبَه مني ، قال يتيمَّم ، ويطرح ثوبه ، ويجلس مجتمعاً ، فيصلِّي ويومي إيماءًا ) [1]
 ولكنَّه ضعيف ، بعدم وثاقة محمَّد بن عبد الحميد .
 ومنها: موثَّقة سُماعة قال: ( سألته عن رجلٍ يكون في فلاة من الأرض ، وليس عليه إلَّا ثوب واحد ، وأجنب فيه ، وليس عنده ماء ، كيف يصنع ؟ قال : يتيمَّم ، ويصلِّي عرياناً قاعداً ، ويومي إيماءًا ) [2]
 ومنها: موثَّقته الثانية ، وهي مثل الأُولى إلَّا أنَّ فيها ( ويصلِّي عرياناً قائماً ، يومئ إيماءًا ) [3]
 وقد عرفت في أكثر من مناسبةٍ أنَّ مضمرات سُماعة مقبولة ، مثل مضمرات زرارة ، وابن مسلم ، وأمثالهما .
 وفيه: أنَّ هذه الأخبار معارَضة بما هو أقوى منها سنداً ، وأكثر عدداً
 منها: صحيحة الحلبي قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن رجلٍ أجنبَ في ثوبه ، وليس معه ثوب غيره - آخر خ ل - قال : يصلِّي فيه ، فإذا وجد الماء غسَله ) [4]
 ومنها: صحيحته الأُخرى ( أنَّه سأل أبا عبد الله ع عن الرجل يكون له الثوب الواحد ، فيه بول ، لا يقدر على غَسْله ، قال : يصلِّي فيه ) [5]
 ومنها: صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله ( أنَّه سأل أبا عبد الله ع عن الرجل يجنب في ثوبٍ ليس معه غيرُه ، ولا يقدر على غَسْله ، قال : يصلِّي فيه ) [6]
 ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال: ( سألته عن رجل عريانٍ ، وحضرتِ الصَّلاة ، فأصاب ثوباً ، نصفه دم ، أو كلَّه دم ، يصلِّي فيه ، أو يصلِّي عرياناً ؟ قال : إن وجد ماءًا غسله ، وإن لم يجد ماءًا صلَّى فيه ، ولم يصلِّ عرياناً ) [7]
 


[1] - الوسائل باب46 من أبواب النجاسات ح4
[2] - الوسائل باب46 من أبواب النجاسات ح1
[3] - الوسائل باب46 من أبواب النجاسات ح3
[4] - الوسائل باب45 من أبواب النجاسات ح1
[5] - الوسائل باب45 من أبواب النجاسات ح3
[6] - الوسائل باب46 من أبواب النجاسات ح4
[7] - الوسائل باب46 من أبواب النجاسات ح5