الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 كان الكلام في التفصيل الذي ذكره المصنف في "الذكرى" ، وهنا ، ووافقه عليه صاحب الحدائق ، بلِ ادَّعى فيها ظهور عبارة "المقنعة" في ذلك ، كظاهر إقرار الشيخ ، واستدلاله بها في "التهذيب" .
 وقد يُستَدل لهذا القول ببعض الأخبار :
 منها: خبر مَيْمُون الصَّيْقَلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: ( قُلْتُ لَه : رَجُلٌ أَصَابَتْه جَنَابَةٌ بِاللَّيْلِ ،فَاغْتَسَلَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَظَرَ ، فَإِذَا فِي ثَوْبِه جَنَابَةٌ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي لَمْ يَدَعْ شَيْئاً إِلَّا ولَه حَدٌّ ، إِنْ كَانَ حِينَ قَامَ نَظَرَ ، فَلَمْ يَرَ شَيْئاً ، فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْه ، وإِنْ كَانَ حِينَ قَامَ لَمْ يَنْظُرْ ، فَعَلَيْه الإِعَادَةُ ) [1]
 ودلالتها ، وإن كانت تامَّة ، إلَّا أنَّها ضعيفة بجهالة ميمون الصيقل ، وفي هامش الوسائل عن الكافي : منصور الصيقل ، بدلًا عن ميمون الصيقل وفيه أنَّ منصور الصيقل أيضاً هو مجهول الحال ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة .
 ومنها: حَسَنَة مُيَسِّرٍ قَالَ: ( قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه ع: آمُرُ الْجَارِيَةَ ، فَتَغْسِلُ ثَوْبِي مِنَ الْمَنِيِّ ، فَلَا تُبَالِغُ في غَسْلِه ، فَأُصَلِّي فِيه ، فَإِذَا هُوَ يَابِسٌ ، قَالَ : أَعِدْ صَلَاتَكَ ، أَمَّا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ غَسَلْتَ أَنْتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ ) [2]
 و"ميسِّر" إذا أطلق يكون المراد منه بن عبد العزيز النخعي المدائني بيَّاع الزُّطِّيِّ ، وهو ثقة .
 هذه الرواية : ذكرها المصنِّف في "الذكرى" ، واستدلَّ بها على هذا التفصيل .
 ولكن الإنصاف: أنَّه لا دلالة لها على المطلب ، بل الالتزام بمضمونها ينافي حمل فعل المسلم على الصحَّة ، إلَّا أن يُقال : إنَّ أصالة الصحَّة مراعًى بعدم انكشاف الخلاف .
 ومهما يكن ، فلو فرضنا عدم العمل بأصالة الصحَّة لكانت الوظيفة حينئذٍ هي استصحاب النجاسة ، قبل الدخول بالعمل ، وتكون حينئذٍ خارجة عن محلِّ البحث ، لأنَّ محلَّ الكلام في الجاهل بالنجاسة قبل العمل ، ومعِ استصحاب النجاسة يكون عالِماً بها تعبُّداً .
 ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال: ( ذَكَر المنيَّ فشدَّده ، فجعله أشدّ من البول ، ثمَّ قال : إن رأيت المنيَّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة ، فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، ثمَّ صلَّيت فيه ، ثمَّ رأيته بعد ، فلا إعادة عليك ، فكذلك البول ) [3]
 وقدِ استُدل بها على ثبوت الإعادة مع انتفاء الشرط ، وهو النظر في الثبوب .
 وفيه: أنَّ الشرطيَّة الثانية لا مفهوم لها ، لأنَّ ذِكْر الشرط في هذه الفقرة إنَّما جرى مجرى الغالب ، حيث إنَّ المتردِّد في إصابة الجنابةِ ثوبَه غالباً ينظر إليه لدفع الوسوسة عن نفسه .
 وعليه ، فالمقصود بهذه الفقرة على ما يشهد به سَوْق العبارة هو أنَّ المناط في الإعادة إنَّما هو رؤية النجاسة قبل الصلاة ، أو بعدما دخل فيها ، فكأنَّه قال : إن رأيت المنيَّ قبل الصلاة ، أو بعدما تدخل فيها - أي : في أثنائها - فأعد ، وإن رأيت بعد الصلاة فلا تُعِد .
 ثمَّ إنَّه مع قطع النظر عمَّا ذكرناه - من ضعف هذه الروايات ، من حيث السند تارةً ، ومن حيث الدَّلالة أخرى ، أو من الجهتَيْن - فنقول : إنَّ الأنسب حمل هذه الروايات على استحباب الإعادة ، ولا يمكن أن تقيَّد هذه الرواياتُ الأخبارَ المتقدِّمة الدَّالة على عدم الإعادة مطلقاً ، وذلك لإباء بعضها عن التقييد .
 أُنظر إلى صحيحة زرارة المتقدِّمة ، فإنَّه بعدما صرَّح: بعدم وجوب الإعادة ، قال - في ذيلها -: ( قلت : فهل عليَّ إنَّ شككت في أنَّه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : لا ، ولكنَّك إنَّما تريد أن تُذهِب الشكَّ الذي وقع في نفسك ...) ، حيث يظهر منها انحصار ثمرة الفحص بذهاب الشكِّ ، الموجب للوسوسة وتشويش البال ، فلو كان عدم الإعادة عند انكشاف الخلاف ثمرة له - كما هو المدَّعى - لم تكن الثمرة منحصرة في ذهاب الشكِّ ، وكان التنبيه على هذه الفائدة أَولى .
  وأيضاً التعليل المذكور في هذه الصحيحة يأبى عن التقييد ، حيث ورد فيها: ( لأنَّك كنت على يقين من طهارتك ، ثمَّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكِّ أبداً ) ، حيث علَّل ع عدم وجوب الإعادة بالاستصحاب الذي مرجعه إلى أنَّ شرط الصلاة أعمّ من الطهارة الواقعيَّة والظاهريَّة ، فلا فرق حينئذٍ بين الفحص والنظر قبل الصلاة ، وعدمهما ، وكذا غيرها من الروايات الآبية عن التقييد ، وقد تقدَّم بعضها ، والله العالم .
 قال المصنف: ( ولو نَسِيَ فالأقوى الإعادة مطلقاً )
 المعروف بين الأعلام : أنَّ ناسيَ النجاسة يُعِيد في الوقت ، وخارجه ، وفي "الجواهر": ( وفاقاً للمشهور بين الأصحاب ، قديماً وحديثاً ، نقلًا وتحصيلًا ... ) ، وفي "المدارك": ( ونُقِل عن ابن إدريس أنَّه ادَّعى الإجماع على ذلك ، واعترف بأنَّه لولا الإجماع لَمَا صار إليه ) وفي "الحدائق" - تعليقاً على كلام صاحب المدارك -: ( وما ذكره عنه ، من قوله : لولا الإجماع لَمَا صار إليه ، ليس له أثر في الموضع المذكور ، واحتمال نقل صاحب المدارك عنه من غير السرائر ، أو منه ، في غير موضع المسألة ، بعيد ، كما لا يخفى ، فينبغي النتبيه لأمثال ذلك ... ) .
 وحكى العلَّامة في "التذكرة" عن الشيخ - في بعض أقواله -: عدم الإعادة مطلقاً ، وظاهر "المعتبر" : الميل إليه ، وفي "المدارك" : الجزم به ، وتبعه عليه بعض الأعلام .
 والإنصاف: أنَّه لم يثبت عن الشيخ عدم الإعادة مطلقاً .
 ومن هنا قال صاحب الجواهر: ( فما عن الشيخ في بعض الأقواله ، من القول : بعدم الإعادة مطلقاً ، ضعيف جدًّا ، مع أنَّه غير ثابت عنه ، بل الثابت خلافه ...) .
  وفصَّل الشيخ في "الاستبصار": بين الوقت فيُعِيد ، وبين خارجه فلا يُعِيد ، وتبعه عليه جماعة من الأعلام ، بل في "الحدائق": وصار المشهور بينهم - أي : المتأخرين - هذا القول ... .


[1] - الوسائل باب41 من أبواب النجاسة ح3
[2] - الوسائل باب18 من أبواب النجاسة ح3
[3] - الوسائل باب41 من أبواب النجاسة ح2