الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/06/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 كان الكلام بالنسبة للجاهل القاصر
 وأمَّا الجاهل القاصر:
 فنقول: إنَّه ببركة حديث " لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة " لا يجب عليه الإعادة ، ولا القضاء ، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفرع : ( أنَّه قال : لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقِبلة ، والركوع ، والسجود ، ثمَّ قال : القراءة سنَّة ، والتشهد سنَّة ، ولا تنقض السنَّةُ الفريضةَ ) [1]
 وحاصل الكلام: أنَّ هذا الحديث الشريف حاكم على أدلَّة الأجزاء والشرائط ، لأنَّه ناظر إليها ، ومبيِّن لمقدار دلالتها ، حيث دلَّ على أنَّ الإخلال بشيء منهما إذا لم يكن عن علم لا يقتضي البطلان ، وأُلحق بالعلم الجهل التقصيري .
 ولا يخفى أنَّ الحديث الشريف ، وإن كان بإطلاقه يشمل الجاهل المقصِّر أيضاً ، إلَّا أنَّه لا بدَّ من رفع اليد عنه ، إذ لو شمله لكان معنى ذلك أنَّه لا يعيد إلَّا في صورة العلم فقط ، وهو مورد نادر جدًّا ، فيلزم تخصيص الحديث بالفرد النادر ، لأنَّه من المعلوم أنَّ الإعادة في الحديث الشريف لا تشمل الناسي ، وكذا الجاهل القاصر على ما سنذكره - إن شاء الله تعالى - فلو كانت الإعادة أيضاً لا تشمل الجاهل المقصِّر فلم يبقَ تحتها إلَّا صورة العلم ، وهو فرد نادر ، بل لعلَّه غير متحقِّق ، إذ كيف يصلِّي مع علمه بالنجاسة ، ومع علمه بأنَّ ذلك تشريع محرَّم ؟! ، فكيف تتأتَّى منه قصد القربة ؟! .
 وبالجملة: فإنَّ الجاهل المقصِّر حكمه حكم العالم العامد ، وأمَّا الجاهل القاصر فالإنصاف أنَّه داخل في الإطلاق كالناسي ، فكما أنَّ الناسي لا تجب عليه الإعادة إلَّا من الخمس المستثناة ، فكذلك الجاهل القاصر
 ولا يرد ما أوردناه على الجاهل المقصِّر : من لزوم التخصيص بالفرد النادر على تقدير بقائه تحت الإطلاق ، إذ موارد العلم والجهل التقصيري كثيرة ، كما لا يخفى .
 نعم ، قد يقال: إنَّ الحديث الشريف لا يشمل بإطلاقه إلَّا الناسي ، وأمَّا الجاهل القاصر فهو كالمقصِّر والعالم يجب عليه الإعادة والقضاء وذلك لِمَا ذكره الميرزا النائيني ، واختاره ، وحاصله: أنَّ المستفاد من الحديث أنَّه في مقام بيان حكم مَنْ يصحّ الحكم عليه بالإعادة ، أو بعدمها .
  وهذا إنما يتصوَّر فيما إذا لم يكن مكلَّفًا بأصل الفعل ، حتَّى يتمحَّض الخطاب المتوجَّه إليه بالإعادة ، وليس ذاك إلَّا الناسي ، حيث إنَّه من أجل عجزه ، وعدم قدرته ، يستحيل توجيه الخطاب نحو الناسي ، بما هو كذلك ، فلا يحكم في حقِّه إلَّا بالإعادة ، أو بعدمها ، لا بنفس العمل ، فيشمله الحديث .
  وأمَّا الجاهل فهو محكوم بنفس العمل ، ومكلف بالصلاة ، مع طهارة البدن والثوب ، لِعدم سقوط الحكم الواقعي في ظرف الجهل ، كما هو ساقط في ظرف النسيان ، غايته أنَّه غير منجَّز في حقِّه ، والعقاب موضوع عنه .
  وأمَّا الحكم الواقعي: فهو باقٍ على حاله ، فهو مكلَّف بالصلاة مع الطهارة ، لا بالإعادة ، ولأجله كان الحديث منصرفاً عنه .
 والإنصاف: أنَّ الجاهل ، وإن كان مكلَّفاً بالصلاة مع الطهارة ، إلَّا أنَّه محدود بما أمكنه التدارك ، ولم يتجاوز عن محلِّه .
  وأمَّا التجاوز عن محلِّه فيُؤْمَر بالإعادة حينئذٍ ، مثلًا إذا كان بانيًا على عدم وجوب السورة في الصلاة ، ولكنَّه عَلِمَ بالوجوب ، وهو في الركوع ، فهو قبل الركوع مكلَّف بالسورة ، ولكنَّه حينما ركع سقط عنه التكليف ، لِتجاوزه المحلَّ ، فيقال له : أَعِدْ ، أو لا تُعِدْ ، فهو فِعلًا مكلَّف : إمَّا بالإعادة ، أو بعدمها ، وإن كان سابقاً مكلَّفاً بنفس العمل ، ولكن لا أثر له ، بعد سقوطه ، وتبدله بالتكليف بالإعادة .
 ثمَّ إنَّه قد يُقال - أيضاً -: إنَّه لا يمكن التمسُّك بالحديث الشريف لإثبات عدم الإعادة بالنسبة للجاهل القاصر وذلك لأنَّ الطهور المذكور في الحديث :
 إمَّا أن يكون المراد به: الأعمّ من الطهارة الحدثيَّة والخبثيَّة .
 وإمَّا أن يكون: مجملًا يدور أمره بين الأقل والأكثر ، أي : إنَّه إمَّا مختصّ بالطهارة الحدثيَّة ، أو يعمّ الطهارة من الخبث .
 وعليه ، فإن كان المراد منه الأعمّ: فيجب الإعادة حينئذٍ ، فيما لو صلَّى بالنجاسة ، لأنَّها من جملة الخمسة المستثناة من عدم الإعادة .
 وأمَّا إن كان مجملًا: ففي هذه الحالة ، بما أنَّ الخاصّ المجمل متصل ، فإجماله يسري إلى العام ، ولا يمكن التمسُّك بإطلاق : "لا تعاد الصلاة" .
 ومقتضى القاعدة: هو الرجوع إلى إطلاقِ مانعيةِ النجاسة في الثوب والبدن ، ومقتضاها بطلان الصلاة مع الجهل بحكم النجاسة ، ووجوب الإعادة .
  نعم ، لو كان المخصِّص المجمل الذي يدور أمره بين الأقل والأكثر منفصلًا لَمَا كان إجماله يسري إلى العام .
  ثمَّ إن الإنصاف في المقام : أنَّ المراد بالطهور في الحديث الشريف هو خصوص الطهارة من الحدث ، كما أشرنا إلى ذلك في بعض المباحث السابقة .
  وعليه ، فإذا صلَّى بالنجاسة مع الجهل القُصُوري بالحكم فيشمله إطلاق : "لا تعاد الصلاة" ، لأنَّه ليس من الخمس المستثناة ، والله العالم .


[1] - الوسائل باب10 من أبواب الركوع ح5