الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
ثم إنه ينبغي التنبيه على بعض الأمور :
الأمر الأوَّل: المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجب إبدال الثوب ، وإن كان ذلك ميسوراً ، ولا تخفيف النجاسة ، ولا تعصيب موضع الدم ، بحيث يمنعه من الخروج .
نعم ، استقرب العلَّامة في "المنتهى" وجوب الإبدال مع الإمكان .
وقد يُستدلّ لوجوب التعصيب: بأنَّه المنصرف من النصوص
وفيه: أنَّ الإنصراف ممنوع والإنصراف المعتدّ به هو ما كان من حاقِّ اللفظ ، وهذا غير متحقِّق .
وقد يستدلّ أيضاً: بموثَّقة سماعة ، ورواية ابن مسلم في "مستطرفات السرائر" ، المتقدمتَيْن ، فإنَّ التعليل في موثَّق سماعة يدلّ على وجوب ربط الجُرْح والقَرْح ، وكذا مفهوم رواية ابن مسلم .
وفيه: ما ذكرناه من أنَّ التعليل في موثَّقة سماعة ليست تعليلًا حقيقيّاً ، وإنَّما هو حكمه ، فراجع ما ذكرناه .
أضف إلى ذلك: أنَّ ربط الجُرْح إنما وقع في كلام السائل ، ولم يكن في جواب الإمام ع .
وأمَّا رواية ابن مسلم: فقد عرفت أنَّها ضعيفة السند هذا أولا
وثانياً: أنَّ المفهوم فيها هو مفهوم الوصف ، وقد عرفت أنَّ الوصف لا مفهوم له .
وثالثاً: أنَّ ربط القُرْحة إنَّما وقع في كلام السائل ، لا في جواب الإمام .
والإنصاف: أنَّ مقتضى إطلاق الأخبار هو ما ذكرناه ، لأنَّ الأخبار المتقدِّمة ، دلَّت على أنَّ البرء غاية لغسل الثوب ، أو تبديله .
ومن المعلوم : أنَّ الغلب حصول التمكُّن من التبديل ، أو غسل الثوب ، قبل البرء ، ولو مرة واحدة .
وقد صرَّحت موثَّقة أبي بصير المتقدِّمة: ( بأنِّي لستُ أغسل ثوبي حتَّى تبرأ ) ، مع أنَّ الإمام ع كان متمكناً بحسب الظاهر من غسل ثوبه ، أو تبديله .
وممَّا يؤيَّد ما ذكرناه: ما حُكيَ عن الشيخ من دعوى الإجماع على عدم وجوب التعصيب ، وتقليل الدم ، بل يصلِّي كيف كان ، وإن سال وتفاحش إلى أن يبرأ .
الأمر الثاني: المشهور بين الأعلام أنَّه يستحب غسل الثوب في كلِّ يوم مرّة ، لموثَّقة سماعة ، ورواية ابن مسلم ، المتقدمتَيْن ومال صاحب الحدائق: إلى الوجوب ، عملًا بالظاهر .
وفيه:
أمَّا رواية ابن مسلم: فقد عرفت أنَّها ضعيفة .
وأمَّا موثَّقة سماعة: فهي ، وإن كانت ظاهرة في الوجوب ، إلَّا أنَّه لا بدَّ من حملها على الاستحباب ، إذ لا يمكن تقييد الأخبار المطلقة بهذه الموثَّقة ، لأنَّ بعض تلك الأخبار آبية عن التقييد .
أنظر: إلى قوله ع في موثَّقة أبي بصير المتقدِّمة: ( بأنَّي لستُ أغسل ثوبي حتَّى تبرأ ) ، فإنَّها كادت أن تكون صريحة في عدم وجوب غسل الثوب .
أضف إلى ذلك: أنَّه لم يذهب أحد من المتقدمين إلى وجوب الغسل صريحاً ، وهذا سبب آخر لعدم الأخذ بظاهر الموثَّقة .
الأمر الثالث: المعروف بين الأعلام أنَّه لا يختصّ العفو بما في محل الجُرْح ، أو القَرْح ، فلو تعدَّى عن البدن إلى اللباس ، أو إلى أطراف المحلّ ، كان معفوًّا ، خلافاً للعلَّامة في "المنتهى" ، حيث قال: ( لو تعدَّى الدم عن محلِّ الضرورة في الثوب أو البدن ، بأنَّ لمس بالسليم من بدنه دم الجرح ، أو بالطاهر من ثوبه ، فالأقرب : عدم الترخيص ... ) واستحسنه صاحب المعالم.
وفصَّل صاحب الحدائق بين ما إذا تعدَّى الدم بنفسه إلى سائر أجزاء البدن ، أو الثوب ، فالأقرب العفو ، وبين ما إذا عدَّاه المكلف بنفسه بأن وضع يده الطاهرة على دم الجُرْح ، أو طرف ثوبه الطاهر عليه ، فلا يعفى عنه
والإنصاف: أنَّ مقتضى إطلاق الأدلَّة هو العفو مع التعدِّي أيضاً إلى ما يتعارف من التعدِّي ، لا إلى غير ذلك ، كما لو أصاب دم الجرح الذي في رأسه رجله ، وما حولها ، فالأقرب في هذه الصورة عدم العفو .
وأمَّا رواية عمَّار المتقدِّمة عن أبي عبد الله ع ( سألته عن الدُمَّل يكون بالرجل ، فينفجر ، وهو الصلاة ، قال ع: يمسحه ، ويمسح يده بالحائط ، أو بالأرض ، ولا يقطع الصلاة ) ،
فيمكن حملها: على خروج القَيْح من الدمل ، دون الدم ، فإنَّه بعد نضجه متى انفجر ، فإنَّما يخرج منه القَيْح الأبيض خاصَّة ، وقد يخالطه لون الدم .
ويمكن حملها أيضاً: على إرادة المسح باليد إذا علم سيلانه إلى أعضائه ، وثيابه ، فيمسحه حينئذٍ إزالةً له .
ومهما يكن ، فالأمر سهل ، لا سيَّما أنَّها ضعيفة السند ، كما تقدَّم ، لعدم وثاقة علي بن خالد ، أنَّه لو أصاب دم الجروح ، والقروح ، مائع طاهر ، أو مطلق المجسم الطاهر ، فالأظهر سريان العفو إليه ، خصوصاً إذا كان ممَّا لا ينفكّ عن الجرح والقرح غالباً ، كالقيح والعرق ، والدواء الموضوع على الجرح ، وذلك لإطلاق الأدلة .
مضافا: إلى تصريح صحيح ليث المرادي المتقدم بها بالنسبة إلى خصوص القيح ، حيث ورد فيه: ( فجلده وثيابه مملوَّة دماً وقيحاً ...) .
وكذا صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال:
( قلت لأبي عبد الله ع: الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه ، فيسيل منه الدم ، والقيح ، فيصيب ثوبي ، فقال : دعه ، فلا يضرّك أن لا تغسله )
[1]
الأمر الخامس: يرجع في مسمَّى القروح والجروح إلى العرف ، حيث لم يرد تحديد شرعي لهما ، وبعد تحقّق الجرح ، أو القرح ، عرفاً ، لا فرق حينئذٍ بين الظاهر منهما ، والباطن .
وعليه ، فدم البواسير من القروح ، أو الجروح ، سواء كانت ظاهرة أو باطنة ، فلا ينبغي حينئذٍ الاستشكال في إلحاق دم البواسير بهما ، كما صدر عن بعض الأعلام ، والله العالم بحقائق أحكامه
[1]
- الوسائل باب22 من أبواب النجاسات ح6