الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 قال في السرائر - بعد أن أفتى بالعفو عمَّا دون الدرهم الوافي الذي هو المضروب من درهم ، وثلث -: ( وبعضهم يقولون : دون قدر الدرهم البغلي ، وهو إلى المدينة ، يقال لها بغل ، قريبة من بابل ، بينها وبينها قريب من فرسخ ، متصلة ببلدة الجامعين ، يجد فيها الحفرة والغسَّالون دراهم واسعة ، شاهدتُ درهماً من تلك الدراهم ، وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد ، تقرب سعته من سعة أخمص الراحة ، وقال بعض من عاصرته - ممَّن له علم بأخبار الناس والأنساب : إنَّ المدينة والدراهم منسوبة إلى ابن أبي البغل ، رجل من كبار أهل الكوفة ، اتخذ هذا الموضع قديماً ، وضرب هذا الدرهم الواسع ، تنسب إليه الدرهم البَغْلي ، وهذا غير صحيح ، لأنَّ الدراهم البغليَّة كانت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) قبل الكوفة ) .
  قال الشهيد الثاني بعد أن حكى ما شاهده ابن إدريس: ( وشهادته في قدره مسموعة ... ).
  أقول:
 أوَّلا: إنَّ ابن إدريس لم يصرح بأن ما رآه من الدرهم وقدره بالأخص كان هو الدرهم البغلي ، وإنَّما حكاه عن رجل ، له علم بالأخبار والأنساب ، وضعَّفه .
 وثانياً: أنَّ إخبار ابن إدريس بذلك إنَّما يقبل قوله في مثل المقام من باب الشهادة التي يعتبر فيها العدد ، فلا وجه للاعتماد على قوله منفرداً .
 وثالثاً: أنَّ ابن إدريس شهد على أنَّ سعة الدرهم البغلي قريبة من سعة أخمص الراحة ، لا أنّ سعته بمقدار سعتها ، وعليه فالتحديد غير واضح .
 ورابعاً: أنَّ الاعتماد على شهادته لا يخلو من إشكال ، لاختلافهم في وجه نسبة البغلي ، فحكى ابن إدريس قولًا : بأنَّه منسوب إلى رجل من كبار أهل الكوفة ، يسمَّى ابن أبي بغل ، وردَّه بأنَّ الدرهم البغلي كان موجوداً قبل الإسلام وقبل الكوفة .
 وفي الذكرى: ( أنَّه منسوب إلى رأس البغل ) ، وفي مجمع البحرين : ( أنه منسوب إلى ملك يسمى رأس البغل )
 ومع هذا الاختلاف كيف يحصل الوثوق بشهادته .
 وعليه ، يدور أمره بين السعة والضيق ، والتي أضيقها عقد السبابة ، ومقتضى القاعدة عند إجمال الخاص المنفصل المردَّد بين الأقل والأكثر هو الاقتصار على الأقل ، والرجوع في الباقي إلى عموم العام .
 وتطبيقه هنا: أنَّه قد ورد ما ظاهره العموم بوجوب الاجتناب عن الدم ، أو مطلق النجاسات ، ثمَّ خُصِّص هذا العموم بالمخصِّص المنفصل ، بما دلَّ على العفو عن الدم الأقل من الدرهم ، وبما أنَّ الخاص المنفصل مجمل ، مردَّد أمره بين الأقل والأكثر ، فيُقتصر على القدر المتيقَّن ، وهو الأقلّ ، ويرجع في الباقي إلى أصالة العموم .
 والنتيجة: أنَّ المعفوَّ عنه هو ما كان بسعة عقد السبابة ، والله العالم بحقائق أحكامه .
 قال المصنف: ( وطرَّد العفو عن هذا القدر في سائر النجاسات )
 قال المصنِّف في "الذكرى": ( وابن الجنيد قدَّر الدرهم بعقد الإبهام ، وطرَّد الحكم في جميع النجاسات بالعفوِّ عمَّا دونه ، إلَّا دم الحيض ، والمني ... ) .
  وفيه: أنَّه لا دليل على إلحاق غيره من النجاسات به ، بل الأصل عدم الإلحاق ، فيجب إزالة قليلها ، وكثيرها
  يبقى الكلام فيما تنجس بالدم من المائع الطاهر :
  فذهب المصنِّف في "البيان" ، وصاحب الحدائق ، وغيرهم أيضاً ، حيث ذهبوا إلى وجوب إزالته ، وإن قلَّ .
 وقد يُستدلّ للعفو بعدَّة أمور ذكرها صاحب الجواهر وهي: ( الأولويَّة المستفادة من عدم زيادة الفرع على الأصل ، ولأنَّ معنى نجاسة المتنجِّس بالملاقاة انتقال أحكام النجس إليه لا غيرها ، ولِمناسبة التخفيف المقتضي لمشروعيَّة الأصل ، وللشكِّ في تناول أدلَّة الإزالة لمثله ... ) .
 وفيه: أنَّ الأولويَّة غير ثابتة لعدم العلم بالملاكات .
 وأمَّا الثاني: فهو تخرُّص بالغيب .
 وأمَّا الأمر الثالث : فهو مجرد استحسان .
 وأمَّا الأمر الرابع : فلا شك في تناول أدلَّة الإزالة لمثله .
 والخلاصة: أنَّ الأقرب عدم العفوِّ ، والله العالم .