الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 بالموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ مع اليبوسة لا تنجس
 أمَّا الأخبار الدَّالة على عدم التعدِّي فكثيرة:
 منها: موثَّقة عبد الله بن بُكير قلت لأبي عبد الله ع: ( الرجل يبول ، ولا يكون عنده الماء ، فيمسح ذكره بالحائط ، قال : كلُّ شيء يابس ذكي ) [1]
 وهذا عامّ يشمل جميع أنواع النجاسات فهي مع اليُبُوسة لا تنجّس .
 ومنها: حسنة محمَّد بن مسلم - في حديث ( أنَّ أبا جعفر ع وَطِئ على عَذِرة يابسة فأصاب ثوبه ، فلمَّا أخبره ، قال : أليس هي يابسة ؟ فقال : بلى ، فقال : لا بأس ) [2]
 فقوله ع: " أليس هي يابسة " كالصريح في أنَّ مناط عدم التعدِّي فيها هي اليبوسة ، لا خصوص يُبُوسة العذرة .
 وأمَّا الأخبار الواردة في موارد مخصوصة: كالخنزير ، والكلب ، والمني ، والبول ، والحمار ، فهي كثيرة ، نكتفي منها بذكر رواية واحدة ، وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال: ( سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت ، هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله ؟ قال : ليس عليه غسله ، ولْيصلِّ فيه ، ولا بأس ) [3]
 وبالجملة ، فإنَّ المرتكز العرفي في مثل هذه الأخبار الواردة في موارد مخصوصة هو عدم تعدي النجاسة مع اليُبُوسة .
 وأمَّا الأخبار التي يُستفاد منها التعدِّي ، ولو مع اليبوسة ، فكثيرة :
 منها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله ع - في حديث - قال: ( سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت ، فقال : يغسل ما أصاب الثوب ) [4] ومثلها رواية إبراهيم بن ميمون [5]
 
 وفيهما: - مضافاً إلى ضعف الرواية الثانية لعدم وثاقة إبراهيم بن ميمون -: أنَّهما ظاهران في الأمر بغسل الثوب من الرطوبات التي تكون على الميت ، لا مع اليُبُوسة .
 ومنها: التوقيع المروي في الاحتجاج في جواب الحِمْيَري ، حيث كتب إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه ( رُوي لنا عن العالم ع أنَّه سُئِل عن إمامِ قومٍ صلَّى بهم بعض صلاتهم ، وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال : يؤخَّر ، ويتقدَّم بعضهم ، ويتمّ صلاتهم ، ويغتسل من مسَّه ، التوقيع : ليس على مَن مسَّه إلَّا غسل اليد ... ) [6]
 ومنها: التوقيع الآخر ، حيث ورد في الذيل التوقيع: ( إذا مسَّه على هذه الحال لم يكن عليه إلَّا غسل يده ) [7]
 والإنصاف: أنَّ هاتَيْن الروايتَيْن مطلقتان ، فيُستفاد منهما غسل اليد ، سواء مع الرطوبة ، أو اليُبُوسة .
 ولكن الذي يهوِّن الخطب : أنَّهما ضعيفتان بالإرسال .
 أضف إلى ذلك: أنَّهما منزلتان على ما هو المتركز في أذهان العرف ، وهو التعدِّي مع الرطوبة ، لا مع اليُبُوسة .
 هذا ، واستدلَّ بعضهم على التعدِّي مع اليُبُوسة في ميتة غير الآدمي بمرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال: ( سألته هل يحلّ أن يُمسّ الثعلب والأرنب ، أو شيئاً من السِباع ، حيّاً أو ميِّتاً ، قال : لا يضرّه ، ولكن يغسل يده ) [8]
 وفيها
 أوَّلًا: أنَّها ضعيفة بالإرسال .
 وثانياً: أنَّها مشتملة على الأمر بغسل اليد في الحياة والموت ، مع أنَّ هذه الحيوانات طاهرة حال الحياة .
 وعليه ، فيُحمل الأمر على الندب .
 ثمَّ إنَّه لو قطعنا النظر عن ضعف السند والدلالة ، فنقول : إنَّ هذه الروايات متعارضة مع الأخبار المتقدِّمة الدَّالة على عدم التعدِّي مع اليُبُوسة ، والنسبة بينهما ، وإن كانت هي العموم من وجه ، لدلالة الأُولى على عدم التعدِّي مع اليُبُوسة ، وسواء كانت النجاسة من نوع الميتة أم لا ، ودلالة الثانية على التعدِّي في الميتة ، سواء كانت مع الرطوبة أم اليُبُوسة ، إلَّا أنَّ الأخبار الدَّالة على عدم التعدِّي مقدمة على تلك ، من وجوه عدَّة
 والخلاصة إلى هنا: أنَّ القول : بعدم التعدي مع اليبوسة ، هو الأقوى .
 ويؤيِّده: تَرْك التعرُّض لغسل اليد في بعض الأخبار ، المسؤول فيها : عن إصابة الميت في حال الحرارة ، لا سيِّما المشتمل منها على تقبيل الصادق ع ولده إسماعيل ، مع سؤالهم إياه عن ذلك ، ففي صحيحة إسماعيل بن جابر قال: ( دخلت على أبي عبد الله ع حين مات ابنه إسماعيل الأكبر ، فجعل يقبله ، وهو ميِّت ، فقلت : جعلت فداك ! أليس لا ينبغي أن يُمسّ الميت بعدما يموت ، ومَن مسَّه فعليه الغسل ؟ فقال : أما بحرارته فلا بأس ، إنَّما ذاك إذا برد ) [9]
 ومن المعلوم: أنَّ وجوب الغسل بالمس معلَّق على البرد ، وأمَّا النجاسة فهي معلَّقة على الموت ، فترْك التعرُّض لغسل العضو الملاقي للميِّت يُشعِر بعدم نجاسته مع اليُبُوسة .
  ثمَّ إنَّه على القول : بالتعدي مع اليُبُوسة ، فذكر بعض الأعلام ، وهو العلَّامة في "النهاية" ، وكذا غيره : أنَّ النجاسة مع اليبوسة حكميَّة ، فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للخبيث رطباً لم يؤثر في تنجيسه ...
 
 
 


[1] - الوسائل باب31 من أبواب الخلوة ح5 .
[2] - الوسائل باب26 من أبواب النجاسات ح14
[3] - الوسائل باب26 من أبواب النجاسات ح5
[4] - الوسائل باب34 من أبواب النجاسات ح2
[5] - الوسائل باب34 من أبواب النجاسات ح1 .
[6] - الوسائل باب3 من أبواب غسل المس ح4
[7] - الوسائل باب3 من أبواب غسل المس ح5
[8] - الوسائل باب34 من أبواب النجاسات ح3
[9] - الوسائل باب1 من أبواب غسل المس ح2