الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/05/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \البواطن بزوال العين
 كان الكلام فيما لو أصابت البواطن نجاسة خارجيَّة ،كباطن الفم ، والأنف ، والعين ، والأذن .
 والإنصاف فيها أيضاً: عدم تنجّس الباطن الملاقي للنجاسة الخارجيَّة ، لا أنَّه ينجس ، ويطهر بالزوال .
 والسر فيه: أنَّ ما دلَّ على نجاسة ملاقي النجس ، أو المتنجِّس ، قاصر الشمول لهذه الصورة ، لأنَّ مستند الحكم بالنجاسة إما التسالم ، أو النصّ :
 والتسالم: دليل لبِّي يُقتصر فيه على القدر المتيقن ، وهو غير هذا المورد .
 وأمَّا النصّ: فمورده الثوب ، والبدن ، والأواني ، وما أشبهها ، فلا يُتعدّى عن مورده .
 وأمَّا ما ذكره السيد أبو القاسم الخوئي ، من أنَّ موثَّقة عمَّار تقتضي تنجّس بواطن ما فوق الحلق بملاقاة النجاسة الخارجية ، ولم يرد أي مخصِّص للعموم المستفاد منها .
 أقول: هذه الموثَّقة التي أشار إليها هي موثَّقة عمَّار بن موسى الساباطي ( أنَّه سأل أبا عبد الله ع عن رجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضَّأ من ذلك الإناء مراراً ، أوِ اغتسل فيه ، أو غسل ثيابه - إلى أن قال ع : - فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ... ) [1]
 
 وفيه: أنَّ هذه الموثَّقة ، وإن عمَّمناها سابقاً ، وقلنا : إنَّ الموضوع فيها هو مطلق الجسم ، إلَّا أنَّها منصرفة عن البواطن ، كما لا يخفى .
 والخلاصة: أنَّه لا يوجد في أدلَّة النجاسات عموم ، أو إطلاق ، يشمل نجاسة البواطن بها .
 ويترتب على ما ذكرنا: أنَّه إذا وصلت نجاسة إلى الفم ، فإنَّه على القول : بتنجس الباطن ، فيتنجَّس به الفم ، وبه ينجس الريق الموجود فيه ، فإذا أصاب شيئاً نجَّسه .
 وهذا بخلاف ما إذا قلنا: بعدم تنجُّس الباطن - كما هو الإنصاف - فإنَّ الريق والفم طاهران ، فإذا أصاب الريق شيئاً فلا يحكم عليه بالنجاسة ، والله العالم .
 وممَّا ذكرنا يتضح حكم جسد الحيوان ، فإنَّ مقتضى الإنصاف : عدم تنجّسه بالملاقاة ، لعدم ما يدلُّ على ذلك ، لا أنَّه ينجس ، ولكنَّه يطهر بزوال العين .
 قال المصنف: ( ولا يطهر الدم بالبُصاق ، خلافاً لابن الجنيد ، والرواية ضعيفة )
 قد ذكرنا سابقاً: أنَّ الماء المضاف ، والمائعات ، لا تطهر الدم ، ولا غيره .
 نعم ، حُكِيَ عن ابن الجنيد: أنَّ البُصاق يطهِّر الدم ، لبعض الروايات :
 منها: موثَّقة غياث عن أبي عبد الله ع عن أبيه ع قال: ( لا يُغسَل بالبُصاق غير الدم ) [2]
 ومنها: موثَّقته الأخرى عن أبي عبد الله ع عن أبيه عن علي ع قال: ( لا بأس أن يُغسل الدم بالبُصاق )
 ومنها: مرسلة الكليني قال: ( روي أنَّه لا يُغسل بالريق شيء ، إلَّا الدم )
 ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .
 وحملت هذه الأخبار : على جواز إزالة الدم بالريق ، وإن احتاج بعده إلى التطهير بالماء وحُمل أيضاً - الدم - فيها على أنَّه دم طاهر .
 ولا بأس بهذه المحامل ، ونحوها ، لأنَّ هذه الأخبار مخالفة للقاعدة المتفق عليها ، قال المصنِّف في "الذكرى": ( نعم ، لو جعل الماء في فِيه ، وغسل به جاز ، للخبر عن الكاظم ع ...)
 وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ع قال: ( سألته عن الرجل ، يصلح له أن يصبَّ الماء من فِيه ، يغسل به الشيء ، يكون في ثوبه ؟ قال : لا بأس )
 ولا بأس بالعمل بهذه الصحيحة طالما بقي الماء على إطلاقه .
 ذكر الشيخ في "الخلاف": ( أنَّ في أصحابنا مَن قال : بأنَّ الجسم الصقيل ، كالسيف ، والمرآة ، والقوارير ، إذا أصابته نجاسة كفى في طهارته مسح النجاسة ، وعزى إلى المرتضى اختياره ، ثمَّ قال : ولست أعرف به أثراً ... ).
 ويظهر من كلام الشيخ: أنَّ القول : بذلك ، لا ينحصر بالسيد المرتضى ثمَّ إنَّ ممَّن وافق السيد المرتضى: المحدِّث الكاشاني
 ونحن قد ذكرنا هذه المسألة سابقاً - في الدرس الثامن عشر - عند قول الماتن بالنسبة للمضاف : ( ولا يزيل الخبيث ، خلافاً للمرتضى ) ، حيث ذكرنا في ذيل هذه المسألة مقالة الكاشاني بالنسبة للجسم الصقيل ، وغيره ، فراجع ، فإنَّه مهم .
 قال المصنف: ( ولا الجسم الصقيل ، كالسيف ، بالمسح ، خلافاً للمرتضى )
 قال المصنف: ( ولا يتعدّى النجاسة مع اليُبُوسة ، وفي الميت : رواية ، يفهم منها النجاسة مطلقاً ، ويعارضها غيرها )
 المعروف بين الأعلام : عدم تعدِّي النجاسة مع اليُبُوسة ، بل ادَّعى جماعة من الأعلام: الإجماع على ذلك ، بل في "المدارك": ( فينبغي القطع بعدم تعدِّي نجاسة الميتة مع اليُبُوسة ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ...)
 أقول : وقع الخلاف بين الأعلام بالنسبة إلى الميتة :
 أمَّا ميتة الآدمي: فعلى قولَيْن :
 الأوَّل: كون نجاستها عينيَّة محضة مطلقاً ، أي تنجُس مع الرطوبة ، واليُبُوسة فعلى هذا ، ينجس ما يلاقي الميت برطوبة كان ، أو يَبوسة .
 وقد ذهب إلى ذلك: جماعة من الأعلام ، كالعلَّامة في "النهاية" ، و"التذكرة" ، و"المنتهى" ، والمصنِّف في "الذكرى" ، والشهيد الثاني في "الروض" ، والمحقِّق الحلي.
 الثاني: كونها عينيَّة محضة ، لا تنجس إلَّا مع الرطوبة خاصَّة ، كغيرها من النجاسات ، وأمَّا مع اليُبُوسة فلا تتعدَّى نجاستها .
 ذهب إليه : المحقِّق الكركي ، وأغلب الأعلام ، بعد صاحب المدارك إلى يومنا هذا .
 وأمَّا بالنسبة إلى ميتة غير الآدمي من ذوات النفس السائلة ، ففيها أيضاً قولان :
 أحدهما: الاقتصار في تعدِّي نجاستها على حال الرطوبة ، فلا تتعدّى مع اليبوسة .
 ذهب إليه : أغلب الأعلام ، منهم العلَّامة في "التذكرة" ، والمحقِّق الكركي ، والمصنِّف في "الذكرى"
 الثاني: التعدِّي مع اليبوسة أيضاً ذهب إليه: العلَّامة في "المنتهى" .
 إذا عرفت ذلك ، فَلْنذكر أوَّلًا الأخبار الدَّالة على عدم تعدّي النجاسة مطلقاً ، مع اليَبوسة سواء كانت النجاسة العينيَّة ، ميتة أم لا ، وسواء كانت الميتة ميتة الآدمي ، أم ميتة غيره .
 ثمَّ نذكر الأدلَّة الدَّالَّة على تعدِّي نجاسة الميتة مع الرطوبة ، أو اليبوسة .


[1] - الوسائل باب4 من أبواب الماء المطلق ح1 .
[2] - الوسائل باب4 من أبواب الماء المطلق ح1 .