الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الاستبراء
الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّ الاستبراء يتحقَّق بمنعه من ذلك ، وباغتذائه بالعلف الطاهر حتَّى يزول عنه اسم الجلَل ، باعتبار أنَّ الموضوع للحرمة ، والنجاسة ، هو عنوان الجلَل ، فإذا زال العنوان زال الحكم ، لتبعيَّة الحكم لموضوعه حدوثاً وبقاءاً .
أضف إلى ذلك: أنَّه بزوال العنوان يكون مشمولًا لإطلاقات ، أو عمومات ، حلّ الحيوان المأكول اللحم ، وطهارة بوله ، ورَوْثه .
والإنصاف: أنَّ هذا الكلام في حدِّ نفسه لا إشكال فيه ، بل هو في غاية الصحة ، والمتانة .
ولكن وردت عدَّة روايات نصَّت على مقدار مُدَّة الاستبراء ، ومن هنا ذهب المشهور إلى كون المدار في الحلِّ ، والطهارة ، على انقضاء مُدَّة الاستبراء ، فيحرم وينجس قبلها ، وإن انتفى عنه اسم الجلَل ، ويحل، ويطهر ، بعدها ، وإن بقيَ اسم الجلَل ، أخذاً بإطلاق نصوص المدَّة .
وعن الشهيد الثاني ، وجماعة من الأعلام ، اعتبار أكثر الأمرَيْن ، من المقدار ، وما يزول به اسم الجلَل .
وعن صاحب الجواهر: ( الأخذ بالمقدار المنصوص عليه إلَّا مع العلم ببقاء صِدق الجلَل ، فيحرم ، وينجس بوله وروثه ، ولو مع انقضاء المدَّة ، لانصراف نصوص التقدير إلى ما هو المعتاد من زوال الاسم بذلك ، لا ما علم بقاء وصف الجلل فيه ) .
أقول :
اِعلم أنَّ أكثر الأعلام ذكروا أنَّ نصوص التقدير كلَّها ضعيفة ، منهم السيد أبو القاسم الخوئي.
وبناء عليه: فالقاعدة حينئذٍ هي دوران الحكم مدار بقاء العنوان ، فإذا زال زال الحكم معه .
ولكن الإنصاف: أنَّ هناك رواية واحدة معتبرة ، وهي معتبرة السكوني الآتية .
وعليه ، فيكون العمل عليها ، ولا يحلّ الحيوان ، ولا يطهر بوله ، ورَوْثه ، إلَّا بانقضاء المدَّة المنصوصة ، وإن زال العنوان قبلها ، لأنَّ ما ورد فيها أمر تعبدي يجب العمل عليه .
نعم ، إذا انقضت المدَّة ، وبقي اسم الجلَل لا يحلّ ، ولا يطهر بوله ، لأنّ المنصرف من تلك النصوص المحدَّدة هي كونها في مقام بيان الحليَّة عند انقضاء المدَّة في حال العلم بزوال العنوان ، أو الجهل ، وأمَّا العلم ببقائه فلا يكون مشمولًا للنصوص .
إذا عرفت ذلك فنقول: أمَّا الرواية المعتبرة فهي رواية السكوني عن أبي عبد الله ع قال:
( قال أمير المؤمنين ع : الدجاجة الجلَّالة لا يُؤكل لحمها حتَّى تتغذَّى ثلاثة أيام ، والبطّة الجلَّالة بخمسة أيام ، والشاة الجلَّالة عشرة أيام ، والبقرة الجلَّالة عشرين يوماً ، والناقة الجلَّالة أربعين يوماً )
[1]
والرواية معتبرة فإنَّ السكوني موثَّق ، كما أنَّ النوفلي من المعاريف ، الكاشف ذلك عن حُسْنه ، ووثاقته .
والغريب أنَّ هذه الرواية على مبنى السيد الخوئي تكون معتبرة ، ومع ذلك ذكر أنَّ كلَّ روايات التقدير ضعيفة .
ومن جملة الروايات التي نصَّت على الأربعين في الإبل خبر مِسْمَعٍ كِرْدِينٍ
[2]
عن أبي عبد الله ع، ولكنَّها ضعيفة جدَّا بسهل بن زياد ، وبمحمد بن الحسن بن شمون ، وبعبد الله بن عبد الرحمان الأصمّ ، وخبر بسَّام الصَيْرفي
[3]
عن أبي جعفر ع ، ولكنَّه أيضاً ضعيف بعدم وثاقة بسَّام ، وخبر يعقوب بن يزيد
[4]
ولكنَّه أيضاً ضعيف بالرفع ، وبسهل بن زياد .
هذا بالنسبة للإبل الجلالة .
وأمَّا البقر الجلَّالة: فقد عرفت أنَّ موثَّقة السكوني حدَّدت مدَّة استبرائها بعشرين يوماً ، ولكنَّ خبر مِسْمع على رواية الكافي حدَّدها بثلاثين يوماً ، ولكنَّه ضعيف ، كما عرفت ، كما أنَّ خبر يونس
[5]
عن الرضا ع حدَّد مدَّة استبرائها بثلاثين يوماً ، ولكنَّه ضعيف
بأحمد بن محمد بن أبي سيَّار ، وأحمد بن الفضل ، فإنَّه ضعيف ، أو مجهول ، وحدَّدها بعشرين يوماً خبر مِسْمَعٍ كِردِينٍ على رواية "التهذيب" ، وقد عرفت ضعفه .
وحدَّدها بعشرين أيضاً خبر القاسم بن محمَّد الجوهري ، ولكنَّه ضعيف بجهالة الجوهري ، وعدم ذكر الشيخ الصدوق طريقه إلى القاسم بن محمَّد الجوهري ، فيكون بحكم المرسلة ، كما أنَّ الجوهري لم يُسْندها للإمام ع ، فلم يُعلَم المروي عنه مَن هو فهي مضمرة ، أو مقطوعة أيضاً .
وفي خبر مسمع على رواية الاستبصار تحديد مدَّة الاستبراء للبقرة بأربعين يوماً .
وأمَّا بالنسبة للغنم: فقد حدَّدته معتبرة السكوني بعشرة أيام ، وكذا خبر مسمع ، ويعقوب والقاسم بن محمَّد .
وعن "المبسوط": تحديدها بسبعة أيام ، ولكن لا دليل له ، إلَّا ما في "كشف اللثام" من أنَّه مرويّ في بعض الكتب عن أمير المؤمنين ع .
وفيه: أنَّه على تقدير ذلك فتكون الرواية مرسلة ، وعن الشيخ الصدوق تحديدها بعشرين يوماً ، ولكن لا دليل له .
وعن الأسكافي تحديدها بأربعة عشر يوماً ، لخبر يونس ، ولكنَّك عرفت أنَّه ضعيف السند .
وأمَّا بالنسبة للبَطَّة الجلَّالة: فقد عرفت أنَّ موثَّقة السكوني حدَّدت مدَّة استبرائها بخمسة أيام ، وكذا خبر مسمع ، وإلى ذلك ذهب المشهور .
ولكنَّ الشيخ في "الخلاف" : التحديد بسبعة أيام ، بخبر يونس .
وأمَّا الدجاجة: فحدّدتها موثَّقة السكوني بثلاثة أيام ، وكذا خبر مسمع ، ويونس ، والقاسم بن محمَّد ، وإلى ذلك ذهب المشهور .
وذكر الصدوق في "المقنع": ( أنَّها تُربَط ثلاثة أيام ، وروي يوماً إلى الليل ... ).
وعليه ، فالتحديد باليوم إلى الليل يدلّ عليه رواية مرسلة ، كما أشار بذلك الصدوق ، ولكن ظاهره عدم العمل بذلك ، فهو موافق للمشهور .
[1]
- الوسائل باب28 من أبواب الأطعمة والأشربة ح1
[2]
- الوسائل باب28 من أبواب الأطعمة والأشربة ح2
[3]
- الوسائل باب28 من أبواب الأطعمة والأشربة ح3
[4]
- الوسائل باب28 من أبواب الأطعمة والأشربة ح4
[5]
- الوسائل باب28 من أبواب الأطعمة والأشربة ح5