الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الاستبراء
 قال المصنف: ( واستبراء الحيوان )
 المشهور بين الأعلام : أنَّ استبراء الحيوان الجلَّال مطهِّر لبوله ، ورَوْثه .
 ويقع الكلام في أمرين :
 الأوَّل: في مفهوم الجلَل .
 الثاني: في بيان ما يحصل به الاستبراء من الجلَل .
 أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ المراد بالجلَّال هو الحيوان المأكول اللحم ، المعتاد بغذائه على عذرة الإنسان .
 وأمَّا الذي يتغذَّى من سائر الأعيان النجسة فلا يُقال له : جلَّال ، وكذا إذا كان غذاؤه مشترَكاً بين عَذِرَة الإنسان ، وغيرها من الأعيان النجسة فليس جلَّالًا .
 وقد يُستدلّ لذلك: برواية مُوسَى بْنِ أُكَيْلٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع ( فِي شَاةٍ شَرِبَتْ بَوْلاً ، ثُمَّ ذُبِحَتْ ، قَالَ : فَقَالَ : يُغْسَلُ مَا فِي جَوْفِهَا ، ثُمَّ لَا بَأْسَ بِه ، وكَذَلِكَ إِذَا اعْتَلَفَتِ الْعَذِرَةَ ، مَا لَمْ تَكُنْ جَلَّالَةً ، والْجَلَّالَةُ الَّتِي يَكُونُ ذَلِكَ غِذَاؤهَا ) [1] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .
 وأمَّا الإشكال عليها: بأنَّ المذكور فيها مطلق العذرة ، لا خصوص عذرة الإنسان ، فلا تدلّ على المطلوب .
 ففيه: أنَّ العذِرَة ، وإن أُطلقت في بعض الأخبار على عذِرَة غير الإنسان ، كالكلب ، والسنَّور ، إلَّا أنَّ المنصرف منها هو خصوص عذِرَة الإنسان ، كما يشهد بذلك تتبع موارد استعمالها في مقامات مختلفة .
 ومهما يكن ، فالرواية غير قابلة للاستدلال بها ، من حيث ضعف السند .
 وعليه ، فما الموجب للاقتصار على خصوص عذِرَة الإنسان ؟! .
 وفيه: أنَّ الموجب لذلك هو الأخذ بالقدر المتيقَّن في حال إجمال المفهوم ، الدائر بين الأقلّ والأكثر ، لأنَّ العذَرَة إمَّا أن تكون موضوعة لخصوص عذِرَة الإنسان ، أو للأعمِّ من
 ذلك ، وبما أنَّه لم يتضح معناها فالقاعدة تقتضي الرجوع إلى عموم ، أو إطلاق ، حليَّة الحيوان المحلَّل بالذات ، ونقتصر في الخروج عن هذا العموم ، أو الإطلاق ، في خصوص المورد الذي ثبت بدليل قويّ خروجه عن تحت العمومات ، أو الإطلاقات ، وهو الحيوان المحلَّل الأكل بالذات ، المتغذِّي بعذِرَة الإنسان ، لأنَّه القدر المتيقَّن من الأخبار .
 وهذه هي القاعدة فيما لو كان المخصِّص منفصلًا ، وكان مجملًا ، ودار أمره بين الأقل ، والأكثر ، فإنّ إجماله لا يسري إلى العام ، كما ذكرنا ذلك مفصَّلًا في علم الأصول ، فالذي يتغذَّى بغير عذِرَة الإنسان من الأعيان النجسة تشمله عمومات ، أو إطلاقات ، ما دلَّ على حليَّة أكل لحم المحلّل في ذاته ، وما دلَّ على طهارة بوله ورَوْثه ، وكذا الحال في الذي يكون غذاؤه مشتركاً بين عذرة الإنسان ، وغيرها .
 ثمَّ إنَّ الجلَل هل يحصل بالتغذِّي بالعَذِرَة يوم وليلة ، كما عن بعضهم ، أو بما يظهر النتن في لحمه وجلده ، كما عن بعض آخر ، وعن ثالث بأنَّه ما ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءاً منه .
 والإنصاف: أنَّ النصوص غير متعرضة لذلك .
 وعليه ، فالشبهة مفهوميَّة ، لعدم وضوح مفهومه ، وبما أنَّ المفهوم مجمل ، دار أمره بين الأقل والأكثر ، فيُؤخذ بالقدر المتيقَّن الذي يتحقَّق به الجلَل ، ويرجع في الباقي إلى عموم ، أو إطلاق ، ما دلَّ على طهارة بول ورَوْث الحيوان المحلَّل الأكل بالذات ، لما عرفت أنَّ إجمال المخصِّص المنفصل لا يسري إلى العام ، ويكون حال هذه المسألة كالمسألة السابقة التي شُكَّ فيها بكون المراد من العذَرِة خصوص عذَرِة الإنسان ، أو الأعمّ منها .
 هذا ، وذكر بعض الأعلام ، كالسيد محسن الحكيم ، أنَّ المرجع مع الشكّ هو استصحاب الحل .
 ولكنَّك عرفت أنَّ الاستصحاب لا يجري في الشبهة المفهوميَّة ، لا استصحاب الحكم للشكّ في بقاء موضوعه ، ولا استصحاب الموضوع ، لعدم الشكّ في شيء من الموجودات الخارجيّة .
 وقد ذكرنا تفصيل ذلك : في مبحث المشتقّ في علم الأصول .
 وعليه ، فالصحيح ما عرفته ، من الرجوع إلى إطلاق ، أو عموم ، ما دلَّ على حليَّة لحم الحيوان المأكول بالذات ، وطهارة بوله ، ورَوْثه .


[1] - الوسائل باب24 من أبواب الأطعمة والأشربة ح2