الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ النار
 كان الكلام في بعض الأمور التي اختلف فيها هل هي طاهرة أم لا إذا أحالتها النار شيئا آخر مثل الخزف
 أقول:
 أمَّا الإجماع : فالحقّ كما ذكره ، مضافاً إلى عدم حجِّيته .
 وأمَّا الاسصحاب: ففيه تفصيل ، لأنَّ الشكَّ في الاستحالة :
 إن كان ناشئاً من الشبهة الموضوعيَّة: كما إذا شككنا في استحالة الطين خزفاً ، أو آجُرّاً ، وعدم استحالته ، مع التسليم بأنَّه إذا صار خَزَفاً ، أو آجُرّاً ، يكون ذلك استحالة ، وتبديلًا في الصورة النوعيَّة ، وإنَّما الشك حينئذٍ متمحِّضاً بالشبهة الموضوعيَّة ، وفي هذه الصورة لا إشكال في جريان الاستحصاب ، لأنَّا نقول : هذا الطين كان متنجِّساً ، ونشكّ في تبدُّله إلى صورة آخرى ، مغايرة للأولى ، والأصل كما كان ، ولكنَّ هذه الصورة خارجة عن كلام الأعلام ، بلا إشكال .
 وأمَّا إذا كان منشأ الشكّ الشبهة المفهوميّة: كلفظ الطين مثلًا ، حيث نشكُّ بأنَّه موضوع للطين غير المحترق ، أو أنَّه موضوع للأعمّ من المحترق ، وغيره ، وقد عرفت سابقاً أنَّ الحاكم في الموضوع في الاستصحاب هو العرف ، لا الدليل .
 وعليه ، فعلى مبنانا ، من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليَّة ، فيكون مقتضى الأصل هو الطهارة
 وأمَّا على مبنى الجمهور - من جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية - فأيضاً لا يجري الاستصحاب هنا ، لا استصحاب الحكم ، ولا الموضوع .
 أمَّا عدم جريان استصحاب الحكم : فَلِعدم إحراز بقاء الموضوع .
 وأمَّا عدم جريان استصحاب الموضوع : فَلِعدم الشكّ فيه .
 وقد بينَّا بشكل مفصَّل كيفيَّة عدم جريان استصحاب الحكم ، والموضوع ، في مبحث المشتقّ ، في علم الأصول ، عند قول صاحب الكفاية ¬ : ©سادسها : أنَّه لا أصل في نفس هذه المسألة يعوَّل عليه ... ® ، فراجع ما ذكرناه ، فإنَّه مهمّ .
 والنتيجة حينئذٍ : هو القول بالطهارة .
 وممَّا ذكرنا يتضح لك حكم صيرورة الخشب المتنجِّس فحماً ، فإنَّه طاهر ، هذا هو الإنصاف في المسألة .
 نعم ، مَن يجزم بعدم صدق الاستحالة ، وأنَّ الصورة النوعيَّة باقية ، باعتيار أنَّ الطين والآجُرّ من حقيقة واحدة ، وكذا الخشب والفحم ، وأنَّ العرف لا يرى أيّ مغايرة بينهما ، وإنَّما الاختلاف بينهما هو في الأوصاف فقط ، فحينئذٍ لا يمكن الحكم بالطهارة ، بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام الكليَّة ، وأمَّا بناء على عدم جريانه - كما هو المختار -فتكون أصالة الطهارة محكَّمة ، والله العالم .
 بقي الكلام في العجين المعجون بماء نجس ، هل يطهر بخبزه ، أم لا ؟ :
 المشهور بين الأعلام: أنَّه لا يطهر بذلك ، وفي "الجواهر" : ( المشهور بين الأصحاب - نقلًا وتحصيلًا - على عدم طهر العجين ذاتاً ، أو عرَضاً ، بالخُبز ، شهرة كادت تكون إجماعاً ، كما اعترف به بعضهم ، بل هي كذلك ، إذ لم نعرف فيه خلافاً ، إلَّا من الشيخ في "نهايته" ، فلم يرَ بأساً بأكل الخُبز المعجون بماء نجس ، معلِّلًا له : بأنَّ النار قد طهَّرته ... ) .
 وحُكيَ عن الشيخ في "النهاية" ، في باب الأطعمة ، أنَّه قال : ( وإذا نجس الماء بحصول شيء من النجاسات فيه ، ثمَّ عُجِن به ، وخُبِز ، لم يجز أكل ذلك الخُبز ، وقد رُويت رُخْصة في جواز أكله ، وذلك أنَّ النار قد طهَّرته ، والأحوط ما قدّمناه ... ) .
 وذهب في "الاستبصار" إلى الطهارة ، وفي "التهذيب" إلى النجاسة ، ولم أرَ موافقاً صريحاً له في الطهارة .
 وقد يُستدلُّ لما ذهب إليه المشهور بدليلَيْن :
 الأوَّل : الأخبار .
 الثاني : الاستصحاب .