الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ الأرض
 لا زال الكلام في الاستدلال على طهارة الأرض لكي تطهر وذكرنا عدة أدلة
 ومنها: صحيحة الأحول المتقدِّمة الظاهرة في اشتراط الطهارة في المطهِّر ، لأنَّه لما سأله عن الرجل الذي يطأ الموضع الذي ليس بنظيف ، ثمَّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً ، قال ع : ( لَا بَأْسَ ، إِذَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً ) ، ففيه ظهور بأنَّ نفي البأس مخصوص بما إذا كان نظيفاً بالمقدار المذكور .
 وجه الظهور : أنَّ نفي البأس في كلامه ع معلَّق على ما إذا كان خمسة عشر ذراعاً ، والضمير في قوله ع: "كان" يرجع على المكان النظيف ، أي لا بأس بذلك المقدار ، وإذا كان المكان نظيفاً .
 وبذلك نقيِّد إطلاق النصِّ الذي استدلّ به الشهيد الثاني على عدم الاشتراط .
 هذا كلّه بناء على ثبوت الإطلاق للنصِّ ، ولم نقل : بأنَّه منصرف إلى خصوص الطاهر .
 والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأقوى هو اشتراط طهارة الأرض ، والله العالم .
 قال المصنف: ( والنار ما أحالته رماداً ، أو دخاناً ، او آجّراً ، أو خزفاً ، عند الشيخ )
 المعروف بين الأعلام : أنَّ النار تُطهِّر كلَّ ما أحالته دخاناً ، أو رماداً ، من الأعيان النجسة ذاتاً ، والمتنجِّسة بالعَرَض .
 وتردَّد في المسألة المحقِّق في كتاب الأطعمة ، والأشربة من "الشرائع" ، فقال : ( ودواخن الأعيان النجسة عندنا طاهرة ، وكذا ما أحالته النار ، فصيَّرته رماداً ، أو دُخاناً على تردُّد ...) .
 وقطع الشيخ في "الخلاف" ، وأكثر الأعلام ، بطهارة الأعيان النجسة بذلك ، بل في "الجواهر": ( على المشهور بين الأصحاب نقلًا ، وتحصيلًا ، بشهرة كادت تكون إجماعاً ، بل هي كذلك في "جامع المقاصد" ، وظاهر "التذكرة" .... ) .
 وذهب الشيخ في "المبسوط" إلى نجاسة الدُخان النجس ، معلِّلًا له بأنَّه لا بدَّ من أن يتصاعد من أجزائه ، قبل إحالة النار لها شيء بواسطة السخونة ، ولكنَّه ذهب في "الخلاف" إلى طهارة الأعيان النجسة بصيرورتها رماداً ، مدَّعياً الإجماع على ذلك .
 وظاهر المصنِّف في "الذكرى": أنَّ الناس مجمعون على عدم التوقِّي عن رماد الأعيان النجسة ، وكذا الدُخان .
 ثمَّ إنَّ بعض الأعلام فرَّق بين الأعيان النجسة ، والأعيان المتنجسة ، فتردَّد ، بل جزم بعدم طهارة ما استُحيل إليه المتنجِّس .
 وقبل تحقيق الحال وبيان ما هو الإنصاف في المقام :
 نقول: هل النار من المطهِّرات في حدِّ ذاتها ، كالشَّمس ، أم أنَّ المطهِّر في الحقيقة هي الاستحالة ، والنار سبب من أسبابها .
 قد يُقال: إنَّها في نفسها من المطهِّرات ، لذكرهم لها مستقلَّة ، حيث جعلوا من جملة المطهِّرات النار ، والاستحالة ، فجعلوا النار بعرض الاستحالة .
 أضف إلى ذلك: أنَّه يظهر من جملة من الأخبار أنَّها في حدِّ ذاتها من المطهِّرات .
 والإنصاف: أنَّها ليست في حدِّ ذاتها من المطهِّرات .
 وأمَّا ذكر الأعلام لها مستقلَّة فلعلَّه لوقوع التعرُّض لها في الأخبار .
 وأمَّا الأخبار المشتملة عليها فأغلبها ضعيف السند .
 مضافاً: إلى أنَّه لا يُستفاد منها كونها مطهِّرة تعبُّداً ، بل لكونها سبباً للاستحالة التي هي المطهِّرة حقيقة .
 والعمدة - في تلك الأخبار المشار إليها -: هي صحيحة الحسن بن محبوب قَالَ: ( سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنِ الْجِصِّ يُوقَدُ عَلَيْه بِالْعَذِرَةِ ، وعِظَامِ الْمَوْتَى ، ثُمَّ يُجَصَّصُ بِه الْمَسْجِدُ ، أيُسْجَدُ عَلَيْه ؟ فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّه : إِنَّ الْمَاءَ والنَّارَ قَدْ طَهَّرَاه ) [1]
 
 وهنا عدَّة احتمالات في هذه الصحيحة :
 الأُولى: ما عن المحقِّق في "المعتبر" ، والعلَّامة في "المنتهى" ، من أنَّ هذه الصحيحة لا تدلّ لا على مطهِّريَّة الماء ، ولا النار أمَّا الأوَّل : فَلِعدم مدخليَّة الماء الذي مازج الجصَّ ، ويَحِيل به ، في التطهير إجماعاً .
 أضف إلى ذلك: عدم نجاسة الجصّ بالدخان ، ونحوه ، حتَّى يحتاج إلى التطهير ، وأمَّا النار فلأنَّها لم تصيِّره رماداً ، حتَّى يطهر بها ، بعد فرض نجاسته .
 الاحتمال الثاني: أن يكون كلّ من الماء ، والنار ، مطهِّرة للجصّ حقيقة ، بأن يراد تطهير الجصّ من نجاسته بالماء ، بإيقاد العَذِرَة ، وعظام الموتى ، عليه ، بسبب ما فيهما من الدُسُومة ، ونحوها .
 وأمَّا النار : فإنَّها تطهِّر تلك الأجزاء النجسة ، بإحالتها رماداً .
 وقد ذكرنا هذه الصحيحة سابقاً ، مع هذا الاحتمال فقط ، وهو مطهِّريَّة الماء القليل الوارد عليه المتنجس .
 وقلنا هناك : إنَّه سيأتي التعرّض لها بالتفصيل ، وما هو الأقوى من محتملاتها .
 الاحتمال الثالث: أن يكون المطهّر هو الماء فقط ، وأمَّا النار فهي مقدِّمة لحصول الطهارة بالماء ، حيث إنَّها تجفِّف الجصّ تجفيفاً ينفذ فيه الماء .
 الاحتمال الرابع: كون النار مطهِّرةً فقط . ذهب إليه صاحب المدارك ، وصاحب الحدائق


[1] - الوسائل باب81 من أبواب النجاسات ح1