الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ الخنزير
 قال المصنف: ( ولا في الخنزير ، خلافاً للخلاف ، والأقرب السبع فيه بالماء ، وفي الفأرة ، والخمر )
 أمَّا بالنسبة للخنزير فقد ألحقه الشيخ بالكلب في "الخلاف" و"المبسوط" و"المصباح" و"مختصره" .
 واستدلّ عليه في "الخلاف": بأنَّه يسمَّى كلباً ، ولأنَّ سائر النجاسات يجب غسل الإناء منها ثلاثاً .
 وفيه: ما لا يخفى :
  أمَّا الأوَّل: فالخنزير ليس كلباً ، ولو أطلق عليه الكلب أحياناً ، إلَّا أنَّه لا إشكال أنَّ هذا الإطلاق مجازي ، واللفظ - مع عدم القرينة - يحمل على الحقيقة .
 وأمَّا استدلاله الآخر فيرد عليه: بمنع وجوب غسل الإناء من جميع النجاسات ثلاثاً .
  ثمَّ إنَّ الكلام في مساواته للكلب ، من حيث اعتبار التراب في التطهير من ولوغه ، وليس الكلام في العدد .
 ومع ذلك فالإنصاف: أنَّه يجب غسل الإناء من وُلُوغ الخنزير سبعاً ، وذلك لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ع ( قَالَ سَأَلْتُه عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ ثَوْبَه خِنْزِيرٌ فَلَمْ يَغْسِلْه فَذَكَرَ ذَلِكَ - وهُوَ فِي صَلَاتِه - كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ قَالَ إِنْ كَانَ دَخَلَ فِي صَلَاتِه فَلْيَمْضِ ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي صَلَاتِه فَلْيَنْضِحْ مَا أَصَابَ مِنْ ثَوْبِه ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيه أَثَرٌ فَيَغْسِلُه، قال : وسألته عن خِنزير يشرب من إناء ، كيف يصنع به ؟ قال : سبع مرات ) [1]
  ولا معارض لهذه الصحيحة ، ومع ذلك فقد حملها المحقِّق في "المعتبر" على الاستحباب ، لإعراض مشهور القدماء عنها .
 ولعلَّ السرَّ في إعراضهم عنها هو استبعاد وجوب الغسل سبع مرات ، لنجاسة حكميَّة ، وكفاية مطلق الغسل ، لإزالة الفضلات العينيَّة المنتقلة من الخنزير إلى الثوب الذي إزالة الأثر عنه أصعب مراتب من إزالته من الإناء .
 وفيه: أنَّ الاستبعاد في غير محلِّه ، لأنَّ الأحكام الشرعيَّة التعبديَّة ليست مبنيَّة على الاستحسانات العقليَّة .
 أضف إلى ذلك: أنَّه يحتمل قريباً أن يكون للإناء الذي شرب منه الخنزير خصوصية ، ليست موجودة في غيره ، ومن هنا ، افترق الحكم فيه عن غيره .
 وأمَّا الفأرة: وقد عنونه المصنِّف في "الذكرى" بـ الجُرَذ ، وهو الصحيح كما عنونه بذلك أغلب الأعلام ، وورد ذلك أيضاً في الأخبار ، والكلام في موت الجُرَذ في الإناء .
  والمعروف: أنَّ الجُرَذ بضم الميم ، وفتح الراء ، كعُمَر ، ورُطَب : الذَكَر من الفأر ، كما في "المصباح المنير" عن ابن الأنباري والأَزهري ، وعن الصِحاح ، والمغرب: أنَّه ضَرْب من الفأر ، نعم عن ابن سيده: أنَّه ضَرْب منها ، أعظم من اليربوع ، أكدر ، في ذنبه سواد .
 وعن الجاحظ: ( أنَّ الفرق بين الجُرَذ والفأر ، كفرق ما بين الجاموس والبقر ، والبُخَاتي والعُرَاب ) وفي "المصباح" : ( عن بعضهم أنَّه الضخم من الفيران ، يكون في الفلوات ، ولا يَأْلَف البيوت ) .
 أقول: الجُرَذ في عرفنا اليوم معروف ، يسكن البيوت أحياناً .
 ومهما يكن ، فقد أوجب الشيخ لموته في الإناء الغسل سبع مرات ، ووافقه أكثر الأعلام ، وعن المحقِّق في "الشرائع" ، و"مختصر النافع" : الاكتفاء بالثلاث، وكذا العلَّامة في جمله من كتبه .
 وذهب المحقِّق في "المعتبر" إلى الاكتفاء بالمرَّة ، وكذا العلَّامة في بعض كتبه ، وكذلك صاحب المدارك .
 ويظهر من المصنِّف في "اللمعة": الاكتفاء بالمرتين.
 والصحيح: ما ذهب إليه الشيخ من وجوب السبع ، وذلك لموثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله ع ، حيث ورد في ذيله : ( اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً سبع مرات ) [2]
 وردَّها المحقِّق في "المعتبر": بأنَّها ضعيفة ، لانفراد الفَطَحيَّة بها.
 وفيه: أنَّها من نوع الموثَّق ، فلا وجه لردِّها .
 وأمَّا القول بالثلاث: فلا وجه له ، إلَّا ما ورد في صدر الموثَّقة ، من كفاية الثلاث لمطلق النجاسة .
 وفيه: أنَّ هذا الإطلاق مقيَّد بما في الذَيْل .
 وأمَّا اعتبار المرتَيْن فلا دليل له أصلًا .
 وأمَّا الاكتفاء بالمرَّة فلعلَّه لِمَا دلَّ على كفاية الغسل في سائر النجاسات ، إلَّا أنَّ ضعفه واضح ، لأنَّ هذه الموثَّقة الدَّالة على اعتبار السبع تكون مقَّيدة لِمَّا دلَّ على كفاية الغسل في سائر النجاسات ، إلَّا أن ضعفه واضح لأنَّ هذه الموثَّقة الدَّالة على اعتبار السبع تكون مقيِّدة لِمَا دلَّ على كفاية الغسل في سائر النجاسات .
 وأمَّا القول بأنَّ الكلب أعظم منه ، ومع ذلك يجب الغسل من ولوغه ثلاث مرات فقط ، وأنَّ الجُرَذ الميت الملاقي للثوب مع الرطوبة يُكتفى بغسله مرَّة واحدة ، فكيف يجب السبع بموته في الإناء ؟! .
  ففيه: أنَّ الاستحسان ليس من مذهبنا ، والاستبعادات العقليَّة لا يُعتنى بها في الأحكام الشرعيَّة التعبديَّة .


[1] - الوسائل باب13 من أبواب الماء النجاسات ح1
[2] - الوسائل باب53 من أبواب الماء النجاسات ح1