الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/02/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ عدد الغسلات بعد زوال العين
 كان الكلام في أن غسل الثوب والبدن من الجاري هل يكفي فيه المرة أم لا وقلنا أن هناك قولين الأول بكفاية المرة والثاني بالمرتين
 ثمَّ إنَّه من أدلَّة القول الأوَّل يُعلم حال بقيِّة الأقوال .
 وقد استُدل للقول الأوَّل المشهور بين الأعلام - القائل بكفاية المرَّة في الراكد الكثير والجاري - بعدَّة أدلَّة :
 الأوّل: إطلاق الأمر بالغسل الظاهر في كفاية المرَّة .
 وفيه: أنَّ هذا الإطلاق مقيَّد بما دلَّ على لزوم التعدد في غسل الثوب والبدن المتنجسَيْن بالبول ، وظاهر ما دلَّ على التعدُّد عدم الفرق فيه بين غسله بالماء القليل والكثير .
 ودعوى انصراف ما دلَّ على اعتبار التعدُّد إلى الغسل بالقليل - لا سيَّما مع اشتمال كثير منها على لفظ الصبّ ، الظاهر بالقليل - غير مسموعة ، إذ منشأها غلبة الوجود ، لأنَّ الغالب في ذاك الوقت الغسل بالماء القليل ، لِقلَّة الكثير ، ومن المعلوم أنَّ الانصراف إذا كان منشؤه غلبة الوجود لا يُعتدّ به .
 الثاني: مرسلة العلَّامة في "المختلف" عن أبي جعفر ع ، قال العلامة في "المختلف" : ذكَر بعض علماء الشيعة: ( أنَّه كان بالمدينة رجل يدخل على أبي جعفر محمَّد بن علي ع ، وكان في طريقه ماء ، فيه العذرة والجِيَف ، وكان يأمر الغلام : يَحمِل كوزاً من ماء ، يَغسِل به رجله إذا أصابه ، فأبصره يوماً أبو جعفر ع ، فقال : إنَّ هذا لا يصيب شيئا إلَّا طهره ، فلا تعدَّ لله منه غسلًا ) [1] .
 ولكنَّها ضعيفة بالإرسال كما تقدَّم ، وممَّا يزيد ضعفها أنَّها لا أثر لها في كتب الأخبار قبل العلَّامة ، فدعوى انجبارها بعمل المشهور في غير محلِّه ، إذ لو سلَّمنا الكبرى إلَّا أنّ الجابر هو عملُ مشهورِ المتقدِّمِيْن ، وقد عرفت أنّه لا أثر لها عندهم .
 الثالث: - وهو العمدة - : صحيح ابن مسلم المتقدِّم: قال: ( سألت أبا عبد الله عن الثوب يصيبه البول ، قال : اِغسله في المِرْكَن مرتين ، فإن غسلته في ماء جارٍ فمرّة واحدة ) [2] .
 وهي صريحة في كفاية المرّة في الغسل بالجاري .
 وأما بالنسبة للكثير غير الجاري فقد يُقال أيضاً : بدلالة الصحيحة على الاكتفاء فيه بالغسل بالمرّة الواحدة ، باعتبار الماء الموجود في المِرْكَن هو ماء قليل كما هو الظاهر ، إذ أنَّ هناك ملازمة عرفاً بين المركن وقلَّة الماء .
 وعليه ، فيكون المفهوم من قوله ع : ( اغسله في المركن مرتين ) ، أي : اِغسله بالماء القليل مرتين .
 ويستفاد منها عدم اعتبار التعدُّد فيما إذا غسل بغير القليل ، كما هو مقتضى المقابلة مع الشرطيَّة الثانية ، ويكون تعرّضه للغسل بالماء الجاري في الشرطيَّة الثانية ، دون الكثير الراكد ، لأجل قلّة وجود الماء الكثير الراكد في ذاك الوقت ، فلا خصوصيَّة حينئذٍ للجاري .
 لا يقال: بإمكاننا عكس القضية ، أي يُحتمل إرادة مطلق الراكد من المِرْكَن ، وإن كان كرّاً ، بقرينة المقابلة مع الجاري ، أي غير الجاري يجب الغسل فيه مرتين ، سواء كان الماء قليلًا أم كثيراً .
 فإنَّه يقال: إنَّ هذا الاحتمال وإن كان موجوداً ، إلَّا أنَّ الأوَّل مرجَّح عليه لعدَّة اعتبارات :
 الأوَّل: ما هو معلوم عند الأعلام من مساواة الكرِّ للجاري في أغلب الأحكام، أو كلِّها .
 الثاني: ما ورد من أنَّ ماء الحمام كالجاري ، كما في صحيحة داود بن سرحان: ( قال: قلت لأبي عبد الله ع: ما تقول في ماء الحمام ؟ قال : هو بمنزلة الماء الجاري ) [3] .
 وإنَّما جعلنا هذه من القرائن والمؤيِّدات - ولم نجعلها دليلًا على أنَّ حكم ماء الكثير كالجاري من جميع الوجوه - باعتبار أنَّ الظاهر منها أنَّ التشبيه إنَّما هو من حيث العاصميَّة ، لا من كلِّ الوجوه ، ومثلها رواية ابن أبي يعفور المتقدِّمة عن أبي عبد الله ع ، حيث ورد في ذيلها : ( أنَّ ماء الحمام كماء النهر يطهِّر بعضه بعضاً ) [4]
 
 لكنَّها ضعيفة بالإرسال ، وبابن أبي جمهور ، وبجهالة محمَّد بن القاسم .


[1] - مستدرك الوسائل باب9 من أبواب الماء المطلق ح8
[2] - الوسائل باب2 من أبواب النجاسات ح1
[3] - الوسائل باب7 من أبواب الماء المطلق ح1
[4] - الوسائل باب7 من أبواب الماء المطلق ح7