الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ العصر في غير الكثير
 لا زال الكلام في الاستدلال على عدم اعتبار الورود في التطهير بالماء القليل وقلنا أنه بقي عندنا روايتين
 الأولى: صحيحة الحسن بن محبوب : ( قال : سألت أبا الحسن ع عن الجصّ ، يُوقَد عليه بالعذرة ، وعظام الموتى ، ثمَّ يجصّص به المسجد ، أيسجد عليه ؟ ، فكتب إليَّ بخطه : أنَّ الماء والنار قد طهراه ) [1]
 باعتبار أنَّ الغالب ورود الجصّ على الماء ، وأنَّ القول بعدم طهارة الجصّ المتنجِّس الذي يُبلّ بماء طاهر .
  ففيه : لا يخفى ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
 الثانية: صحيحة ابن مسلم قال : ( سألت أبا عبد الله ع عن الثوب يصيبه البول ، قال : اغسله في المِرْكَن مرتَيْن ، فإن غسلته في ماءٍ جارٍ فمرّة واحدة ) [2]
 المِرْكَن : هو الإجَّانة التي تُغسَل فيها الثياب ، والغَسْل فيه لا يكاد يتحقَّق معه الورود .
 وأمَّا القول: بأنَّه يمكن إرادة وضع الثوب في المركن ، ثمَّ إيراد الماء عليه ، فلا تكون حينئذٍ دليلًا في المقام .
  ففيه: أنَّ ذلك وإن كان ممكناً عقلًا إلَّا أنَّه بعيد عن سياق الحديث ، لأنَّ الغَسْل في المركن كالغَسْل في الجاري ، فكما أنَّ الغَسْل فيه إنَّما هو بإيراد المتنجِّس على الماء ، فكذلك الغَسْل في المركن يكون بإيراد المتنجِّس على الماء .
  وأمَّا احتمال حمل المركن على الكرّ فتخرج حينئذٍ عن محلّ الاستدلال ، لأنَّ الكلام في الغسل بالماء القليل فهو بعيد جدّاً ، كما لا يخفى .
  وربَّما تكلَّف بعضهم بحملها على إرادة التنظيف قبل التطهير فتخرج أيضاً عن موضع الاستدلال .
 ولكنّه خلاف الظاهر جدّاً ، فلا يُصَار إليه بلا قرينة
 والإنصاف: أنَّ هذه الصحيحة إن لم تكن نصّاً في المطلوب فهي ظاهرة جدّاً .
  وأصبحت النتيجة : أنَّ الأقوى عدم اشتراط الورود في التطهير بالماء القليل ، وإن كان ذلك أحوط .
 بقي شيء في المقام :
 هو أنَّه يظهر من عبارة المصنِّف في "الذكرى" والتي نقلناها سابقاً : أنَّ المراد باشتراط الورود بقاء الماء على صفة الوراديَّة إلى تمام زمان الغسل .
 ولذا خُصّ اعتباره بغير غسل الأواني ، ونحوها ، ممَّا أمكن فيه رعاية هذا الشرط ، ولكنَّه احتُمل في ذيل كلامه الاكتفاء بوروده في أوَّل زمان الملاقاة ، فلا يكون غسل الأواني مستثنى ممَّا اعتُبر فيه هذا الشرط .
  وعن بعضٍ : أنّه بعد أن حكى عبارة "الذكرى" ، وقوله فيها : (بالاكتفاء في الأواني وشبهها بأوَّل ورورده) ، قال : ( الحقَّ أنَّه لا يراد بالورورد أكثر من هذا ، وإلّا لم يتحقق الورود في شيء ممَّا يحتاج فصل الغُسَالة عنه إلى معونة شيء آخر ) .
  أقول: بناء على اشتراط الورود لا فرق بين الأواني وغيرها ، فيُعتبر في غسل الآنية صبّ الماء فيها ، وإدارته إلى أن يستوعبها الماء ، بحيث يكون الماء الواصل إلى كلّ جُزء جُزء من أجزائها وارداً عليه ، فلو وقف الماء في الآنية ، ووصل إليه أطرافها ، على وجهٍ صار الماء بالنسبة إليها موروداً ،لم يجز ، فالفرق بين الأواني وبين غيرها إنَّما هو في سرعةِ انفصال الغُسَالة عنه ، وعدمِ استقرارها معه ، وبطئِه ، والله العالم .
 قال المصنف: ( ولو لم يمكن نزع الماء عن المغسول لم يطهر إلَّا الماء ، وفي المائعات إذا اختلطت بالكثير وجه بالطهارة )
 يظهر من جماعة من الأعلام أنَّ غير الماء من المائعات ، وكلّ ما لم يمكن نزع الماء عن المغسول ، كالكاغد ، والطين ، ونحوهما ، لا تقبل التطهير ما دام باقياً على حقيقته ، وأمَّا الماء فلا إشكال في قَبوله التطهير ، كما تقدَّم سابقاً .
  هذا ، ويظهر من العلَّامة في "التذكرة" و"المنتهى" : قبول هذه الأمور للطهارة ، قال في "التذكرة": ( إنما يطهر بالغسل ما يمكن نزع الماء المغسول به عنه ، دون ما لا يمكن ، كالمائعات والكاغد والطين ، وإن أمكن إيصال الماء إلى أجزائها بالضرب ، ما لم تطرح في كرٍّ فما زاد ، أو في جارٍ ، بحيث يسري إلى جميع الماء أجزاء الدُهُن بأسرها ، طهر .. )
  وقال المصنِّف في "الذكرى" : ( ولا تطهر المائعات ، والقرطاس ، والطين ،، ولو ضربت بالماء ، إلَّا في الكثير ، وفي طهارة الدُهُن في الكثير : وجه ، اختاره الفاضل في "تذكرته" ... ) .
  ويظهر منه أنَّه وافق العلَّامة فيما ذكره من المائعات والكاغد والطين ، وتوقَّف في الدهن .
  والإنصاف -كما عليه أكثر الأعلام -: عدم قبولها للتطهير ، إلَّا مع ذهاب حقيقتها واستهلاكها ، لأنَّ المائعات إنَّما يمكن حصول الطهارة لها مع إصابة الماء لجميع أجزائها ، وذلك إنما يتحقق بشيوعها في الماء ، واستهلاكها فيه ، بحيث لا يبقى شيء من أجزائها ممتازاً ، إذ مع الامتياز يعلم عدم نفوذ الماء في ذلك الجُزء الممتاز .
  وإذا حصل الاستهلاك على الوجه المذكور يخرج المائع عن الحقيقة التي كان عليها ، ومثل هذا لا يسمَّى تطهيراً في الاصطلاح ، وأمَّا كيفيَّة تطهير الماء المتنجِّس فقد تقدَّمت سابقاً في مبحث المياه ، فراجع .
 


[1] - الوسائل باب81 من أبواب النجاسة ح1
[2] - الوسائل باب2 من أبواب النجاسة ح1