الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ العصر في غير الكثير
 الأمر الثالث: المشهور بين الأعلام اعتبار ورود الماء على المتنجّس في التطهير بالماء القليل ، وفي "الجواهر": ( وفاقاً للمعظم نقلًا وتحصيلًا ، إذ هو المستفاد من ناصريات السيد ، وسرائر الحلي ، ومنتهى الفاضل وقواعده ، بل عن سائر كتبه ، ودروس الشهيد وبيانه لكن مع التقييد في أولهما بالإمكان - إلى أن قال : - بل قد يظهر من السرائر : الإجماع عليه ، بل لم أعرف من جزم بخلافه مطلقاً ) .
 وقال المصنِّف في "الدروس" فيما يأتي إن شاء الله تعالى: ( ويُشترط الورود ، حيث يمكن ) ، وقال في "البيان" : ( ويُشترط ورود الماء على النجاسة ، فلو عكس نجس الماء القليل ، ولم يطهّره إلّا في نحو الإناء ، فإنَّه يكفي الملاقاة ، ثمَّ الانفصال ) ، وقال في "الذكرى" : ( الظاهر اشتراط ورود الماء على النجاسة لقوته بالعمل ، إذ الوارد عامل ، وللنهي عن إدخال اليد في الإناء ، فلو عكس نجس الماء ولم يطهُر ، وهذا ممكن في غير الأواني وشبهها ممَّا لا يمكن فيه الورود ، إلَّا أنْ يُكتفى بأوَّل وروده ) .
  ثمَّ قال : ( مع أنَّ عدم اعتباره مطلقاً متوجّه ، لأنَّ امتزاج الماء بالنجاسة حاصل على كلِّ تقدير والورود لا يخرجه عن كونه ملاقياً للنجاسة ) .
  ويظهر من قوله : ( مع أنَّ عدم اعتباره مطلقاً متوجِّه) عدم اشتراط الورود ، بل عن "شرح الإرشاد" ، و"المفاتيح" : حكاية الشهرة على عدمه .
  وتردَّد في المسألة صاحب المدارك ، ويظهر من بعض الأعلام : عدم تعرض الأكثر لبيان هذا الشرط ، ومال صاحب كشف اللثام: إلى عدم الاشتراط .
 ومهما يكن ، فقدِ استُدل للقول بالاشتراط بعدَّة أدلّة :
 منها: الأصل ، أي استصحاب بقاء المتنجّس على نجاسته حتّى يُقطع بزوال النجاسة ، ولا يقطع بزوالها إلّا إذا ورد الماء على المتنجس .
 وفيه
 أوَّلًا: أنّه من استصحاب الحكم الكلي ، وقد عرفت ما فيه .
 وثانياً: أنَّه مقطوع بإطلاقات أوامر الغسل الواردة في مقام بيان التطهير ، ولم يُشتَرط فيها ورود الماء على المتنجِّس .
 لا يقال: إنَّ الإطلاقات منصرفة إلى ما هو المتعارف عند الناس من الغسل بنحو الورود .
 فإنَّه يُقال: إنَّ هذا التعارف عند الناس لا يوجب الانصراف المانع من هذا الإطلاق ، لأنَّ الانصراف المعتبر ما كان ناشئاً من حاقِّ اللفظ .
  وأمَّا الانصراف الخارجي ، والذي منشؤه غلبة وجوده عند الناس ، فإنَّه لا يضرّ بالإطلاق .
 ومنها: أوامر الصبّ في الأخبار المستفيضة الواردة في نجاسة الجسد ونحوه ، وهي ظاهرة ، إن لم تكن صريحة في ورود المطهّر ، فيكون - مع إتمامه بعدم القول بالفصل بين موارده وغيرها - مقيِّداً للإطلاق .
 وفيه
 أوَّلًا: أنَّ ظاهر أكثر الأعلام أنَّ الأمر بالصبّ أعمّ من الأمر بالغسل ، كما تقدّم في مسألة اعتبار العصر وعدمه .
 وثانياً: مع قطع النظر عن ذلك أنَّ الأمر بصبّ الماء على البول يراد منه التوسعة والتسهيل في إزالة البول الذي هو ماء عند إصابته للجسد الذي لا يرسب فيه البول ، لا سيّما أنّ مواضع الجسد ممَّا يصعب إيراده على الماء القليل ، كما إذا تنجّس بطن الإنسان ، أو موضع من ظهره .
 وعليه ، فالصبّ إنّما هو للتسهيل ، ولم ترد أوامر الصبّ للتقييد .
 ومنها: ما ذكره صاحب الجواهر ، وتبعه بعض الأعلام ، من دعوى السيرة المستمرّة المأخوذة يداً عن يد على كيفيَّة غسل النجاسات كذلك .
 وفيه: أنَّه لم يتضح لنا أنَّ هذه السيرة كانت في عصر الأئمة ع ، ولعلها نشأت متأخراً ، كما لا يبعد لا سيّما أنَّ التطهير بإيراد المتنجّس على الماء القليل كان موجوداً ، وإن لم يكن بمثابة ورود الماء على المتنجس .
 وأمَّا من ذهب إلى عدم الاشتراط فقد استُدل لهم بعدَّة أدلَّة :
 منها: إطلاقات أدلَّة التطهير ، وقد تقدم أنَّها سالمة عن دعوى الانصراف .
 منها: ما ذكرناه سابقاً ، من عدم الدليل على نجاسة ماء القليل بملاقاته للمتنجِّس .
 وعليه: فإذا لم يتنجَّس فلا فرق حينئذٍ بين ورود الماء على المتنجّس ، أو ورود المتنجّس عليه ، بعد صدق الغسل على كلٍّ منهما .
 ولا يخفى أنَّ هذا الدليل مختصّ بمَن ذهب إلى عدم انفعال الماء القليل بملاقاته للمتنجّس ، كما اخترناه سابقاً ، وفاقاً لبعض الأعلام .