الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ زوال العين
 قال المصنف: ( والواجب زوال العين ولا عبرة بالرائحة واللون إذا شق زواله )
 المعروف بين الأعلام: أنّ العِبرةَ في غسل النجاسات والمتنجّسات بها زوالُ العين ، بحيث لا يبقى منها أجزاء على المحلّ ، ولو كانت صغيرة ، ولا يُعتبر زوال الألوان والروائح من الأعراض التي لا تستتبع أجزاء النجاسة .
 وعن العلامة في "المنتهى": وجوب إزالة اللون ، دون الرائحة ، وعن "نهايته" : وجوب إزالة الرائحة ، وعدم وجوب إزالة اللون إذا كان عَسُر الزوال ، ويظهر من "القواعد" : وجوب إزالتهما مع عدم العُسْر فيها .
 والإنصاف: أنّه لا يُعتبر في التطهير زوالُ اللون والرائحة ، وذلك لعدِّة أدلِّة :
 منها: الإجماع المدَّعى في "المعتبر" ، حيث ادَّعى إجماع العلماء على عدم وجوب إزالة اللون والرائحة ، وفي "الجواهر" : يشهد له التتبع .
 وفيه: أنّ هذا الإجماع إن وصل إلى مرتبة التسالم فلا كلام ، وإلَّا فقد عرفت حاله .
 ومنها: إطلاق أدلِّة التطهير ، لأنَّ الأخبار الواردة في المقام أمرت بالغسل ، وهو بحسب المفهوم العرفي إزالة العين ، وأمَّا إزالة غيرها من اللون والرائحة فشيء خارج عن مفهوم الغسل ، يحتاج إلى دليل .
 وبالجملة: يصدق غسل النجاسة شرعاً وعرفاً إذا أُزِيلت العين ، وإن بقي اللون والرائحة .
 ومنها: السِيرة المستمرّة على الاكتفاء بزوال العين فقط ، قال في "الجواهر" : ( سيَّما في مثل الأصباغ المتنجّسة ، ولو بالعرض ، من مباشرة الكفار وغيرهم ، حيث يُكتفي سائر المسلمين بغسلها إذا أُريد تطهيرها من ذلك )
 ويدلُّ على ذلك - مضافاً لِمَا تقدَّم - بعض الروايات :
 منها: حسنة ابن المغيرة عن أبي الحسن ع: ( قَالَ : قُلْتُ لَه : لِلِاسْتِنْجَاءِ حَدٌّ ؟ قَالَ لَا ، حَتَّى يُنَقَّى مَا ثَمَّةَ ، قُلْتُ : فَإِنَّه يُنَقَّى مَا ثَمَّةَ ويَبْقَى الرِّيحُ ، قَالَ : الرِّيحُ لَا يُنْظَرُ إِلَيْهَا ) [1] .
 ومنها: خبر علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح ع: ( قَالَ : سَأَلَتْه أُمُّ وَلَدٍ لأَبِيه ، فَقَالَتْ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ وأَنَا أَسْتَحْيِي مِنْه ، قَالَ سَلِي ولَا تَسْتَحْيِي ، قَالَتْ : أَصَابَ ثَوْبِي دَمُ الْحَيْضِ ، فَغَسَلْتُه ، فَلَمْ يَذْهَبْ أَثَرُه ، فَقَالَ اصْبَغِيه بِمِشْقٍ حَتَّى يَخْتَلِطَ ، ويَذْهَبَ أَثَرُه ) [2] .
 ومنها: خبر عيسى بن أبي منصور : قال: ( قلت لأبي عبد الله : امرأة أصاب ثوبها من دم الحيض ، فغسَلَتْه ، فيبقى أثر الدم في ثوبها ، قال : قل لها : تصبغه بمشقٍّ حتّى يختلط ) [3] .
  وجه الاستدلال بهما: أنَّه لو كان بقاء اللون كاشفاً عن وجود العين ، المانع من تحقُّق الإزالة المعتبرة في التطهير ، لم يكن صبغه بمشقٍّ مُجدياً ، فالأمر به ليس إلَّا للاستحباب ، دفعاً للنُفرة ، الحاصلة من بقاء اللون ، الغير المنافي لطهارة الثوب .
 ولكنّهما ضعيفا السند :
 أمَّا الأوَّل: بعلي بن أبي حمزة البطائني ، وبجهالة القاسم بن محمد الجوهري .
 وأمَّا الثاني: فبجهالة محمّد بن السندي .
 ومنها: مرسلة الصدوق: قال: ( سُئِل الرضا ع عن الرجل يطأ في الحمام ، وفي رجله الشقاق ، فيطأ البول والنورة ، فيدخل الشقاق أثر أسود ممَّا وُطِئ من القذر ، وقد غسله ، كيف يصنع به ، وبرجليه التي وطئ بهما ؟ أيجزيه الغسل ، أم يخلل أظفاره ، ويستنجي فيجد الريح من أظفاره ، ولا يرى شيئاً ؟ فقال : لا شيء عليه من الريح والشقاق بعد غسله ) [4] .
 وهي صريحة في بقاء الريح وظاهرة جدّاً في بقاء اللون ، بناء على إرادته من الأثر الأسود ، إلَّا أنَّها ضعيفة بالإرسال .
 إن قلت: إنّ بقاء الأثر من اللون والراحة يدلّ على بقاء عين النجاسة ، لاستحالة انتقال العرض بدون معروضه ، إذ المقولات العرضيَّة إنَّما توجد في الخارج بوجود موضوعاتها .
 ولذا قيل : إنَّ وجودها في نفسها عين وجودها لموضوعها ، يعني أنَّه غير قائم بذاته ، بل متقوّم بموضوع محقّق في الخارج وصفة له .
 قلت: إنَّ الأحكام الشرعيَّة تدور مدار عناوين موضوعاتها العرفيَّة ، فما يصدق عليه عند العرف أنّه ميتة أو بول أو دم أو غيرها ، من عناوين النجاسات ، يتبعه حكمه ، وإلَّا فلا ، ولا عِبرة بالأجزاء الصغيرة العقليَّة المستكشفة بالدقَّة الفلسفيَّة .
 
 
 
 


[1] - الوسائل باب25 من أبواب النجاسات ح2
[2] - الوسائل باب25 من أبواب النجاسات ح1
[3] - الوسائل باب25 من أبواب النجاسات ح3
[4] - الوسائل باب25 من أبواب النجاسات ح6