الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ ازالة النجاسة عن المسجد
الدليل الثالث: ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال: ( جنِّبوا مساجدكم النجاسة ) .
وفيه
أوَّلًا: أنها ضعيفة السند بالإرسال .
وثانيًا: أنّه يحتمل احتمالًا معتدًّا به أن يكون المراد بالمساجد هو مسجد الجبهة ، وإنَّما جِيء به جمعاً بملاحظة أفراد المصلّين .
وثالثًا: مع قطع النظر عن ضعف السند وعن هذا الاحتمال، فإنّ النجاسة في قوله صلى الله عليه وآله:( جنّبوا مساجدكم النجاسة ) ، تارة يراد بها : عين النجاسة ، كالبول والدم والغائط ونحو ذلك ، وأخرى يراد بها : المعنى المصدري ، أي التنجيس .
والاستدلال بها مبني على الاحتمال الأوّل ، أي جنّبوا مساجدكم أعيان النجاسة ، من البول والدم ونحو ذلك ، فتكون دالة على المطلب .
ولكنَّ هذا الاحتمال غير متعيّن ، بل من القريب كون المراد بالنجاسة في الحديث : المعنى المصدري ، أي جنّبوا مساجدكم تنجيسها
وسيأتي أنّه لا إشكال في حرمة التنجيس ، وهذا خارج عن محلِّ الكلام ، لأنَّ البحث في حرمة إدخال النجاسة ، ولو كانت غير متعديَّة .
ومهما يكن ، فإنَّ الاحتمال الثاني لو لم يكن أقرب فهو مساوٍ للاحتمال الأوَّل ، وبذلك تصبح الرواية مجملة لا يمكن الاستدلال بها .
وقد يُستدل أيضاً : بما ذكره صاحب الجواهر ¬ ، من وجود السيرة المستمرّة على إزالة أعيان النجاسات من المساجد ، وإن لم تكن ملوَّثة كالعَذِرَة اليابسة ، ونحوها .
وفيه : أنْ تثبت هذه السيرة فإنّما ذلك لأجل كون العذرة اليابسة ، ونحوها ، ممَّا توجب هتكاً لحرمة المسجد ، ولا إشكال حينئذٍ في إزالتها ، وأمَّا مع عدم الهتك فلم تثبت هذه السيرة .
والإنصاف : أنَّ ما ذكره المصنّف ¬ ، وجماعة من العامليين ، وغيرهم ، هو الصحيح ، وهو جواز إدخال النجاسة غير المتعدية .
ويدلّ على الجواز عدَّة أدلَّة :
منها : الأخبار الكثيرة الدالّة على جواز مرور الحائض والجنب ، مجتازَين ، في المساجد ، وكذا الأخبار الدالَّة على جواز دخولهما ، وأخذ شيء منه ، ومن المعلوم غلبة مصاحبتهما للنجاسة ، خصوصاً الحائض .
وأمَّا القول : بأنَّ إطلاق دليل جواز الاجتياز يُراد به : من حيث الحدث الحيضي والجنابة ، فهو في غير محلِّه ، بل هو شامل لِمَا نحن فيه .
ومنها : ما دلَّ على جواز دخول المستحاضة في المسجد ، كصحيحة عبد الرحمان عن أبي عبد الله ©قال : سألت أبا عبد الله عن المستحاضة أيطأها زوجها ، وهو يطوف بالبيت - إلى أن قال أبو عبد الله : - فإن ظهر ، أي الدم ، على الكُرْسُف فَلْتغتسل ، ثمَّ تضع كُرْسُفاً آخرَ ، ثمَّ تصلي ، فإذا كان دماً سائلًا فلتُؤخِّر الصلاة إلى الصلاة ، ثمَّ تصلِّي صلاتَين بغُسلٍ واحد ، وكلُّ شيء استحلت به الصلاة فَلْيأتها زوجها ، وَلْتطف بالبيت®(1) .
وهي تدلّ : على أنّ المستحاضة وإن كانت استحاضتها كبرى ، وكان دمها سائلًا ، يجوز لها أن تدخل المسجد ، وتطوف بالبيت ، سواء كان الطواف واجباً ، أو مستحباً .
ومنها : ما هو معلوم من حضور ذَوِي الجِراحات الدامية ، والقُروح السائلة ، والمسلوس بعد وضع الخريطة ، الجماعات والجمعة في المسجد ، بل يمكن دعوى العُسر والحرج في مطلق منع
_____________
(1) الوسائل باب91 من أبواب الطواف ح3
دخول النجاسة .
وأمَّا ما استُدلّ به على حرمة إدخال النجاسة المتعدية فسيأتي الكلام فيه قريباً عند التكلّم عن وجوب إزالة النجاسة عن المساجد .
والأكل والشرب
أمَّا وجوب إزالة النجاسة عن المأكول والمشروب ، مع الملاقاة برطوبة ، فلا إشكال فيه ، لتحريم النَجِس .
ويدلّ عليه أيضاً : ما يأتي من الأخبار الدالّة على الأمر بتطهير الأواني ، فإنَّه ليس ذلك إلَّا لأجل الأكل والشرب .
، وعن المصحف
لا إشكال في وجوب إزالة النجاسة عنه كما يحرم تلويثه ، ولا يختصّ الكلام به ، بل كلّ ما عُلِم من الشرع وجوب تعظيمه ، وحرمة إهانته وتحقيره ، كالتربة الحسينية المقدّسة ، والسُّبْحَة ، وما أُخِذ من طين القبر الشريف ، للاستشفاء والتبرُّك به .