الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/12/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ كفر ونجاسة القائلون بوحدة الوجود
 وأمّا القائلون : بوحدة الوجود :
 فإن كان مرادهم: أنّ الوجود حقيقة مشكِّكة ، ذات مراتب مختلفة ، فلا إشكال فيه ، بل عليه أكثر الأعلام
 ومثَّلوا له : بحقيقة النور ، فإنّه حقيقة واحدة ذات مراتب مختلفة في الشدِّة والضعف ، فهناك نور : قوي ومتوسط وضعيف ، وليست المرتبة القوية نوراً وشيئاً زائداً على النُوريَّة ، ولا المرتبة الضعيفة تفقد من حقيقة النور شيئاً ، بل لا تزيد كلّ واحدة من مراتبه المختلفة على حقيقة النور المشتركة شيئاً ، ولا تفقد منها شيئاً ، وإنّما هي النور في مرتبة خاصّة ، بسيطة ، وتمتاز عن غيرها بنفس ذاتها التي هي النُوريَّة المشتركة ، فالنور حقيقة واحدة ، بسيطة ، متكثِّرة في عين وحدتها ، ومتوحِّدة في عين كثرتها .
 وكذلك الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب مختلفة بالشدة والضعف ، فالوجود الواجبي في أعلى مراتب القوة
 والتمام ، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف ، والنقصان ، وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة ، وأحدهما خالق للآخر ، وموجد له .
 وهذا في الحقيقة قول : بكثرة الوجود والموجود معاً ، نعم حقيقة الوجود واحدة .
 وإن كان مرادهم: من وحدة الوجود ما عند بعض الصوفيَّة ، من أنَّه ليس هناك إلّا موجود واحد ، ولكن له تطورات متكثِّرة ، واعتبارات مختلفة .
 وبالجملة: هذا البعض يقول : بوحدة الوجود والموجود جميعاً ، حتى حُكيَ عن بعضهم أنّه قال : ( ليس في جُبتي سوى الله ) ، فإن كان مرادهم ذلك فإنِ التزموا بلوازمه الفاسدة فلا إشكال في كفرههم حينئذٍ ، لأنّه إنكار للواجب ، حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق إلَّا بالاعتبار ، وإنكار أيضاً للنبي ص ، إذ لا امتياز بينه وبين غيره من المخلوقات الضعيفة .
 نعم إذا لم يلتزموا بهذه اللوازم ، والتزموا بأحكام الإسلام ، فالأقوى حينئذٍ : عدم نجاستهم .
 وهناك أقوال كثيرة في المقام ، لا يسع المجال لنقلها ، ومَن أرادها فلْيُراجِع المطوَّلات .
 وأمَّا المخالفون - كجاحِدي النصّ على أمير المؤمنين ع ، المنكرين للولاية - فالمشهور بين الأصحاب المتأخرين : أنّهم مسلمون ، وطاهرون .
  قال صاحب الحدائق: ( والمشهور في كلام أصحابنا المتقدِّمين هو الحكم بكفرهم ، ونصبهم ، ونجاستهم ، وهو المؤيَّد بالروايات الإماميَّة ، قال الشيخ ابن نوبخت قدس سره ، - وهو من متقدِمي أصحابنا - في كتاب "فَصَّ الياقوت" : دافعِو النصّ كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يفسِّقهم ... ، وقال العلَّامة : فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى تكفيرهم ، لأنَّ النصَّ معلوم بالتواتر من دين محمّد صلى الله عليه وآله ، فيكون ضروريّاً ، أي معلوماً من دينه ضرورة ، فجاحده يكون كافراً ، كمَن يجحد وجوب الصلاة ، وصوم شهر رمضان - إلى أن يقول صاحب الحدائق: - وقال ابن إدريس : بعد أنِ اختار مذهب المفيد ، في عدم جواز الصلاة على المخالف ، ما لفظه : وهو أظهر ، ويعضده القرآن ، وهو قوله تعالى : {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} ، يعني الكفار ، والمخالف لأهل الحقّ ، كافر ، بلا خلاف بيننا ، ومذهب المرتضى في ذلك مشهور في كتب الأصحاب ، إلّا أنّه لا يحضرني الآن شيء من كلامه في الباب ... ) .
 أقول: قدِ استُدل على كفرهم ، ونجاستهم ، بأربعة أدلّة ، كلّها غير تامّة :
 الدليل الأوَّل: الإجماع الذي حكاه ابن إدريس ¬ ، وغيره ، على كفرهم .
 وفيه
 أوَّلًا: أنّه لا يُعلم أنَّ مراد من عبَّر عنهم بالكفرة هو الكفر المقابل للإسلام ، بل لعلّ مراده - كما هو الأقرب - : الكفر ، المقابل للإيمان .
 وثانياً: أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجَّة ، لا سيّما أنّه مدركي ، أو يحتمل فيه المدركيَّة .
 الدليل الثاني: الروايات الكثيرة جدّاً ، الدّالة على كفرهم .
 وفيه: أنّ الظاهر من الكفر في هذه الروايات هو المقابل للإيمان ، لا الإسلام .
  وقد ذكرنا سابقاً بعض الأخبار الدّالة على أنّ الإسلام هو شهادة : "أن لَا إلَه إلَّا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله" ، وبها حُقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث .
 ويُحتمل أيضاً: أن يكون المراد من الكفر هو الكفر في الآخرة ، لا في الدنيا .
 الدليل الثالث: أنَّهم أنكروا ضرورة من ضروريات الدين ، وهي الولاية لأمير المؤمنين ع وأولاده المعصومين ع.
 وفيه: أنَّ الولاية بمعنى الخلافة ليست ضرورية ، بل هي خلافيَّة بين المسلمين ، نعم كونها بمعنى المحبّة هي من الضروريات .
 وبالجملة: فإنّ الجماعة معترفون بالولاية لأمير المؤمنين ع ، لكن يدّعون أنَّها بمعنى المحبّة ، لا الخلافة ، فلم ينكروا ضرورة من ضروريات الدين .
  نعم هي من ضروريات المذهب، فمَن أنكرها يكون خارجاً عن مذهب أهل البيت ع .