الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ نجاسة أهل الكتاب
 قال المصنف : ( أو منتحلاً الإسلام جاحداً بعض ضرورياته )
 المعروف بين الأعلام أن إنكار بعض ضروريات الدين موجب للكفر كما عن المصنف في أكثر كتبه والشهيد الثاني في الروض والروضة وفي الجواهر قال: ( بل لا أجد فيه خلافا ) وعن جماعة من الأعلام أنه من المسلمات
 أقول: لا كلام عند أحد في أن إنكار بعض ضروريات الدين موجب للكفر، وإنَّما الكلام في أنَّ الإنكارَ المزبور موجبٌ للكفر في حدِّ نفسه ، أو أنَّه إنَّما يوجبه إذا استلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وآله ، وإنكار رسالته .
  المشهور بين الأعلام: الأوَّل ، وممَّا يؤيِّد أنَّ المشهور على الأوَّل : ما حكاه صاحب مفتاح الكرامة
 قال: ( وهنا كلام في أنَّ جحود الضروري كفرٌ في نفسه ، أو لأنَّه يكشف عن إنكاره النبوة مثلاً ، ظاهرهم : الأوَّل ، واحتمل الأستاذ : الثاني ، قال : (فعليه لوِ احتمل وقوع الشبهة عليه لم يُحكَم بكفره إلَّا أنَّ الخروج عن خلاف الأصحاب ممَّا لا ينبغي) )
  ويفهم من هذا الكلام أنَّ الشيخ جعفر كاشف العطاء ، أستاذه ، موافق للمشهور ، كما أنّ صاحب الجواهر موافق لهم في الجملة ، حيث قال: ( فلعلَّ وجهه أنَّ إنكارَ الضروري ممَّن لا ينبغي خفاء الضرورة عليه - كالمتولِّد في بلاد الإسلام حتّى شاب - إنكارٌ للشريعة والدين - إلى أن قال : - نعم لو كان المنكر بعيداً عن بلاد الإسلام ، بحيث يمكن في حقِّه خفاء الضرورة ،لم يُحكم بكفره بمجرد ذلك - إلى أن قال : - ومنه يظهر الفرق حينئذٍ بين الضروري ، وغيره ، من القطعي ، كالمجمع عليه ، ونحوه ، فإنَّه لا يثبت الكفر بالثاني ، إلَّا مع حصول العلم ، ثمَّ الإنكار بخلافه في الضروري فيثبت ، وإن لم يكن إنكاره كذلك ... ) .
  وذهب جماعة من الأعلام منهم السيد الحكيم في "المستمسك" ، والسيد الخوئي في "مستنده" : إلى أنَّه إنَّما يُوجِب الكفر إذا استلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وآله ، وإنكار رسالته .
  وقال المحقِّق الهمداني في "مصباحه" : ( أنَّ إنكار الضروري يوجب الكفر إن كان منافياً للاعتراف الإجمالي ، أو كان موجِباً لإنكار الرسالة في الجملة ، وإلا فلا ... )
 وهو قريب من كلام صاحب الجواهر .
  أقول: قدِ استُدل للمشهور - القائل بأن إنكار الضروري في حدِّ نفسه موجب للكفر - بعدِّة روايات :
 منها: صحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر ع ( قال سألته عن أدنى ما يكون به العبد مشركا ، قال : مَن قال : للنواة أنَّها حصاة ، وللحصاة أنَّها نواة ، ثم دان به ) [1] .
 وفيه: أنَّها لا تدلُّ على ما ذهب إليه المشهور ، لأنَّ الشرك له مراتب متعددة ، وليس جميعها مستلزِماً للكفر ، كالرياء مثلاً ، فإنَّه شرك ، كما في كثير من الأخبار ، مع أنَّ صاحبه ليس كافراً قطعاً .
  وبالجملة: فإنَّ الشرك الموجب للكفر هو الشرك في الأُلوهية ، كما لا يخفى .
  ومنها: رواية أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر ع قال: ( قيل لأمير المؤمنين ع من شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله كان مؤمناً ، قال : فأين فرائض الله - إلى أن قال : - ثمَّ قال : فما بال من جحد الفرائض كان كافراً ) [2]
  وفيه
 أوّلاً: أنَّها ضعيفة السند ، لأنَّ محمَّد بن الفُضيل ، الرواي عن أبي الصباح الكناني ، مرددٌ بين الأزدي الضعيف ، والنهدي البصري الثقة ، ولا مميِّز لأحدهما عن الآخر .
  وثانياً: أنَّها تدلُّ على الكفر مع الجحود ، الذي هو الإنكار مع العلم ، المستلزم لتكذيب النبي صلى الله عليه وآله وإنكار رسالته ، وهذا لا إشكال فيه ، بل لا اختصاص له بالضروري ، بل كلُّ حكم في الشريعة أدَّى إنكارُه إلى إنكار الرسالة فهو موجب للكفر ، وكلامنا في أنَّ إنكار الضروري بنفسه موجب للكفر ، أم لا .
 ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يرتكب الكبيرة فيموت ، هل يخرجه ذلك من الإسلام ، وإن عذِّب كان عذابه كعذاب المشركين ، أم له مدة ، وانقطاع ؟ ، فقال : مَنِ ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنَّها حلال أخرجه ذلك من الإسلام ، وعذِّب أشدَّ العذاب ، وإن كان معترفاً أنَّه ذنب ، ومات عليها ، أخرجه من الإيمان ، ولم يخرجه من الإسلام ، وكان عذابه أهون من عذاب الأذلّ ) [3] ومثلها رواية عبد الرحيم القصير المتقدِّمة عن أبي عبد الله ع ( ولا يخرجه إلى الكفر إلَّا الجمود ، والاستحلال ، أن يقول للحلال : هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك ، فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان ، وداخلاً في الكفر ... ) [4] .
  وفيه: - مضافاً لضعف الرواية الثانية بعدم وثاقة عبد الرحيم القصير - : أنَّهما مطلقتان ، تشملان الأحكام الضرورية ، وغيرها ، ولازمهما الحكم بكفر كلّ مَنِ ارتكب حراماً ، وزعم أنَّه حلال ، وهذا لا يمكن القبول به مطلقاً ، ولازمه أن يكفِّر كلُّ مجتهدٍ المجتهدَ الآخر ، فيما إذا اعتقد حليَّة ما يراه الآخر حراماً ، وارتكبه .
  وعليه ، يدور الأمر بين تقييدهما بالضروري ، أو تقييدهما بصورة العلم ، ولا مرجِّح في البين فتسقطان .
  اللهمَّ إلَّا أن يُقال : إنَّ التقييد بصورة العلم أولى ، بقرينة ما اشتمل منها على التعبير بالجمود ، المختصّ بالعلم .
  والخلاصة : أنَّه لا يمكن الاستدلال بهذه الروايات على كون إنكار الضروري بحدِّ نفسه موجبا للكفر .
 


[1] - الكافي باب الشرك من كتاب الإيمان والكفر ح1
[2] - الوسائل باب2 من أبواب مقدمة العبادات ح13
[3] - الوسائل باب2 من أبواب مقدّمة العبادات ح10
[4] - الوسائل باب10 من أبواب حدّ المرتد ح50