الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ الماء النجس\ استعماله في الطهارة\الصلاة به
 ثمّ لا يخفى أنّه قد ذكرنا سابقًا صحة الوضوء بهما مرتبًا في صورتين :
 الصورة الأولى: وهي ما لو توضّأ بأحد الإنائين ، وصلّى بعده ، ثمّ غسل مواضع الوضوء الذي أصابها الماء الأول بالماء الموجود في الإناء الثاني ، ثمّ توضّأ منه ، وصلّى مرة ثانية .
 الصورة الثانية: ما لو توضّأ بأحدهما ، ولم يصلّ بعده ، ثم غسل مواضع إصابة الماء الأول بالماء الثاني ، ثمّ توضّأ من الماء الثاني ، وصلّى بعده .
 فراجع ما ذكرناه هناك ، فإنا قد وسعنا البحث ، وهو مهم جدًّا ، وذكرنا هذا الكلام عند قول الماتن سابقا : ( بخلاف المشتبه بالنجس أو المغصوب ) ، والله العالم بحقائق أحكامه
 
 قال المصنف: ( النجاسات عشر : البول والغائط من غير المأكول )
 المعروف بين الأعلام ، منهم المصنّف هنا ، وفي "الذكرى" ، والمحقّق في "النافع" ، والعلّامة في "القواعد" : أنّ النجاسات عشرة أنواع :
 الأوّل والثاني: البول والغائط عرفا ، بحيث لا يصحّ سلب الاسم عنه حقيقة ، فمثل الدود ، والحب ، الخارج من المحل صحيحًا غير مستحيل خارج عن الموضوع ، وهو محكوم بالطهارة ، واشترط العلامة في "المنتهى" : بقاء صلابة الحب ، بحيث لو زرع لنبت ، دون ما لم يكن كذلك .
  ومهما يكن فالموضوع هو البول والغائط من كلّ ما لا يؤكل لحمه ، ممّا له نفس سائلة ، سواء كان إنسانا أم غيره ، سواء كان الإنسان معصومًا أم لا
 وروى من غير طرق الخاصة أنّ أُم أيمن شربت بول النبي صلى الله عليه وآله ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله: ) إذن لا تلج النار بطنك ) [1] .
 وفيه: أنها رواية عاميّة لم تثبت ، فلا يمكن الاستناد إليها في مقام الإفتاء ، ولعلّه لأجل هذه الرواية حُكي عن الشافعي القول بطهارة بول النبي صلى الله عليه وآله .
 ولكن الإنصاف: أنّ الأمر بإزالة البول عن الثوب مطلق ، ولم يقيّد بكونه بول غير المعصوم ، وكذلك النهي عن شربه مطلق غير مقيّد من أحد دون أحد .
  ثمّ إنّ المراد بالنفس السائلة: الدم الذي يجتمع في العروق ، ويخرج إذا قطع شيء منها بقوة ، ودفع ، ويقابله ما لا نفس له ، وهو الذي يخرج دمه ترشّحًا كالسمك .
  إذا عرفت ذلك فيقع الكلام في مقامين :
  الأول: في بولِ وغائطِ الذي لا يُؤكل لحمه ممّا له نفس سائلة .
  الثاني: في بولِ ورجيعِ الذي لا يُؤكل لحمه ممّا ليس له نفس سائلة .
  أمّا المقام الأوّل :
  فقد قال المحقق في "المعتبر" : ( أجمع علماء الإسلام على نجاسة البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه ، سواء كان ذلك من الإنسان أو غيره ، إذا كان ذا نفس سائلة ) .
  وقد استُثني من هذا الإجماع بول الرضيع فإنّ فيه خلاف ، وكذا خُرء الطير الذي لا يُؤكل ، فإن فيه خلافًا أيضا ، واستثنى العلّامة أيضًا من هذا الإجماع بعضًا شاذًّا من أهل الخلاف ، حيث حُكي عن هذا البعض القول بطهارة أبوال البهائم كلّها .
 ومهما يكن فالروايات الدالة على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه كثيرة ومستفيضة جدًّا ،
 منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما قال: ( سألته عن البول يصيب الثوب ، قال : اغسله مرتين ) [2] .
  ونحوه روايات كثيرة - فيها الصحيح والحسن
 منها: حسنة عبد الله بن سنان قال : ( قال أبو عبد الله: اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) [3]
 ومنها: روايته الأخرى عن أبي عبد الله قال: ( اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يُؤكل لحمه ) [4]
 ولكنّها ضعيفة ، لأنّ الكليني رواها عن علي بن محمد عن عبد الله بن سنان ، وعلي بن محمد الذي يروي عنه الكليني هو ابن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني وهو ثقة ، إلّا أنّ هناك واسطة أو أكثر بينه وبين عبد الله بن سنان ، وبما أنّها غير معروفة فتكون الرواية بحكم المرسلة ، ونكتفي بهذا العدد من الروايات .
 وأما غائطه فليس بتلك المنزلة: إذ لا يوجد رواية تشمل جميع غائط أو بول أو خرء ما لا يُؤكل لحمه ، وإنّما ورد بذلك عدّة من الروايات في موارد خاصة ، والعمدة عندهم هو القول بعدم الفصل بينه وبين البول ، إذ لم ينقل القول بالتفصيل عن أحد .
  وأمّا الروايات الواردة في بعض الموارد الخاصة فقد أشرنا إلى أنّها كثيرة يطول الكلام بذكرها ، نكتفي بذكر بعضها :
  منها: صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: ( سألت أبا عبد الله عن الرجل يصلي ، وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب ، أيعيد الصلاة ؟ ، قال : إن كان لم يعلم فلا يعيد ) [5]
  والاستدلال إنّما هو بمفهوم الشرط .
  ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: ( سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ، ثمّ تدخل في الماء يتوضّأ منه للصلاة ، قال : لا ، إلّا أن يكون الماء كثيرًا قدر كرّ من ماء ) [6] .
  ومنها: صحيح زرارة بن أعين قال: ( قلت لأبي جعفر: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أينقض ذلك وضوئه ، وهل يجب عليه غسلها ،فقال : لا يغسلها إلا أن يقذرها ، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ،ويصلي ) [7] .
  وأما المقام الثاني
  هل نجاسة البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه مختصة بما له نفس سائلة أم لا .
  المشهور بين الأعلام على الاختصاص ، بل ذكر المحقّق الخونساري في "مشارق الشموس" : أنّه لا ينقل خلاف في طهارتهما ممّا ليس له نفس سائلة لأحد من علمائنا على ما رأينا ، والعلّامة في "التذكرة" نسب الخلاف إلى الشافعي ، وفي "المنتهى" إلى الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ولم ينسبه إلى أحد من علمائنا فالظاهر أنه اتفاقي ...


[1] - شرح الشفاء للخفاجي 1/362 .
[2] - الوسائل باب1 من أبواب النجاسات ح1 .
[3] - الوسائل باب8 من أبواب النجاسات ح2
[4] - الوسائل باب8 من أبواب النجاسات ح3 .
[5] - الوسائل باب40 من أبواب النجاسات ح5 .
[6] - الوسائل باب8 من أبواب الماء المطلق ح13 .
[7] - الوسائل باب3 من أبواب النجاسات ح7