الفقه \ كتاب الطهارة \ الثعلب والأرنب والمسوخات\ حكمها
قال المصنف:
( والثعلب ، والأرنب )
اختلف الأعلام فيهما ، المشهور على طهارتهما ، وطهارة سؤرهما ، وحُكي عن الشيخ المفيد في "المقنعة" في باب لباس المصلي ، ومكانه نجاستهما ، وحُكي عن ابن زهرة القول بنجاستهما ، وحُكي العلّامة في "المختلف" عن أبي الصلاح أنّه أفتى بنجاستهما ، وحُكي أيضًا عن الشيخ في "النهاية" ، وابن حمزة في "الوسيلة" ، وعن "مصباح السيد" النجاسة في الأرنب ؛ وقد يُستدل للقول بالنجاسة بأمرين :
الأوّل: الإجماع المدّعى من ابن زهرة .
وفيه: ما تقدّم في أكثر من مناسبة .
الثاني: مرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله قال:
( سألته ، هل أنّ يمسّ الثعلب ، والأرنب ، أو شيئا من السباع ، حيًّا أو ميتا ، قال : لا يضرّه ، ولكن يغسل يده )
[1]
.
وفيها: أنّها ضعيفة بالإرسال ، ولا جابر لها ، فإنّ المشهور على خلافها ، بل لو عمل بها المشهور فإنّ عمله غير جابر ، كما تقدم .
والخلاصة: أنّه لا إشكال في طهارتهما ، وطهارة سؤرهما ، ويدلّ على الطهارة ما ذكرناه سابقا في طهارة ما لا يُؤكل لحمه ، فراجع .
وأمّا القول بكراهة سؤرهما فهو المعروف بينهم ، ودليلهم هو ما ذكروه في كراهة سؤر ما لا يُؤكل لحمه ، وقد عرفت أنّها غير تامّة ، فلا حاجة للإعادة ، والله العالم .
قال المصنف:
( والمسوخ ، ونجّسها الشيخ )
اختلف الأعلام في نجاسة المسوخات فيظهر من الشيخ القول بنجاستها ، قال في "الخلاف" في كتاب البيوع : يحرم بيع القرد ، لأنّه مسخ نجس ، ونسب العلّامة في المختلف القول بالنجاسة إلى سلّار وابن حمزة أيضًا ، وعن ابن الجنيد أنّه استثناها ممّا حكم بطهارة سؤره ، وقرنها في الاستثناء بالكلب ، والخنزير ، وحكى الفاضلان عن بعض الأصحاب القول بنجاسة لعابها .
والمشهور بين الأعلام شهرة كادت أن تكون إجماعًا على طهارة المسوخ ، ما عدا الكلب والخنزير منها ، عينًا وسؤرًا ولعابا ، بل لعلّ طهارة بعض المسوخات ضروريًّا كالزنبور ، وممّا لا نفس له سائلة منها ، ويدلّ على طهارة المسوخات - غير الكلب والخنزير - ما تقدّم في الثعلب ، والأرنب ، والفأرة ، والوزغة ، والعقرب ، فإنّها من المسوخات .
ويدلّ على ذلك أيضًا صحيحة البقباق المتقدّمة ، وهي كما تدلّ على طهارة العين ، لكون نجاستها منافية لطهارة السؤر ، كذلك تدلّ على طهارة اللعاب ، لعدم انفكاك السؤر عن ملاقاته .
واستدلّ أيضًا بأنّ الفيل من المسوخات ، ولو كان نجسا لكان نابه وعظمه نجسا ، كعظم الكلب ، والتالي باطل ، لما رواه الحسين بن الحسن بن عاصم عن أبيه قال: ( دخلت على أبي إبراهيم ، وفي يده مشط عاج يتمشّط به ، فقلت له : جعلت فداك ، إن عندنا بالعراق مَن يزعم أنّه لا يحلّ التمشّط بالعاج ، فقال : ولِمَ ؟! ، فقد كان لأبي منها مشط أو مشطان ، ثمّ قال : تمشّطوا بالعاج ، فإنّ العاج يذهب بالوبا )
[2]
ولكنّه ضعيف بجهالة الحسن بن عاصم ، وابنه ؛ والعاج : ناب الفيل ، ولا يسمّى غير نابه عاجا .
وروى القاسم بن الوليد قال: ( سألت أبا عبد الله عن عظام الفيل مداهنها ، وأمشاطها ، قال : لا بأس به )
[3]
ولكنّه ضعيف أيضًا بعدم وثاقة القاسم بن الوليد .
وروى عبد الحميد بن سعيد قال: ( سألت أبا إبراهيم عن عظام الفيل ، يحل بيعه وشراؤه - الذي يجعل منه الأمشاط - ؟ ، فقال : لا بأس ، قد كان لي منه مشط أو أمشاط )
[4]
وهو أيضًا ضعيف بعدم وثاقة عبد الحميد بن سعيد .
واحتجّ للقول بالنجاسة بأنّ بيعها حرام ، ولا مانع إلّا النجاسة ، وأمّا حرمة البيع فلِما رواه مسمَع عن أبي عبد الله قال: ( إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن القرد أن يُشتري ، وأن يباع )
[5]
والقرد من المسوخات .
وفيه:
أوّلًا: أنّه ضعيف السند بسهل بن زياد ، وبمحمد بن الحسن بن شمون ، وبالأصمّ ، وهو عبد الله بن عبد الرحمان الأصمّ .
وثانيًا: أنّه مخصوص بالقرد ، إلّا أن يتمسك بعدم الفصل ، وفيه ما فيه .
وثالثًا: أنّه لا دليل على انحصار المانع بالنجاسة .
وأمّا بالنسبة لكراهة سؤر المسوخ الطاهرة ، فلا دليل عليها إلّا ما تقدّم في سؤر ما لا يؤكل لحمه ، وقد عرفت ما فيه ، ثمّ إنّ المسوخات يقع الكلام فيها من جهتين :
الأولى: من جهة حرمتها .
والثانية: من ناحية تعدادها .
أمّا الجهة الأولى: فقد يُستدل للحرمة بموثّقة سُماعة بن مهران عن أبي عبد الله قال: ( وحرّم الله ورسوله المسوخ جميعا )
[6]
.
وأمّا الجهة الثانية: فقد أنهاها بعضهم إلى نيف وعشرين : الضبّ ، والفأرة ، والقرد ، والخنازير ، والفيل ، والذئب والأرنب ، والوطواط ، والجرّيث ، والعقرب ، والدبّ ، والوزغ ، والزنور ، والطاووس ، والخفاش ، والزمّير ، والمارماهي ، والوبر ، والورس ، والدعموص ، والعنكبوت ، والقنفذ ، وسُهيل والزهرة وهما دابّتان من دواب البحر .
ولكنّ الانصاف: أنّ أغلب الروايات الدّالة على تِعداد المسوخات ضعيفة السند ، والمعتبر منها روايتان :
الأولى: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله قال: ( سألته عن أكل الضبّ ، فقال : إنّ الضبّ ، والفأرة ، والقردة ، والخنازير ، مسوخ )
[7]
.
الثانية: صحيحة محمّد بن الحسن الأشعري عن أبي الحسن الرضا قال: ( الفيل مسخ كان ملكا زنّاء ، والذئب مسخ كان أعرابيًّا دَيوثا ، والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ، ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجرّيث ، والضبّ ، فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم فتاهوا فوقعت فرقة في البحر ، وفرقة في البر ، والفأرة وهي الفُويسقة ، والعقرب كان نمّاما ، والدبّ ، والوزغ ، والزنبور ، كان لحّاما يسرق في الميزان )
[8]
ولا يخفى أنّ محمّد بن الحسن الأشعري وإن لم يوثّق بالخصوص ، إلا أنّه وصي سعد بن سعد الأشعري ، وهذا يكشف عن أمانته ووثاقته .
ثمّ اعلم أنّ المراد بالمسوخ حيوانات على صورة المسوخ الأصليّة ، وإلّا فالمعروف بين الأعلام قديمًا ، وحديثًا ، أنّ المسوخات لم تبقَ أكثر من ثلاثة أيام ، ويؤيّده مرسلة الصدوق في الفقيه قال: ( رُوي أنّ المسوخ لم تبقَ أكثر من ثلاثة أيام ، وأنّ هذه مَثَل لها فنهى الله ¸ عن أكلها )
وهي ضعيفة بالإرسال ، والله العالم بحقائق أحكامه ، وإنّما أطلنا الكلام عن المسوخات ، وحكمها ، لأنّ المصنّف لم يذكرها في مبحث النجاسات الآتية إن شاء الله تعالى .
[1]
- الوسائل باب34 من أبواب النجاسات ح3
[2]
- الوسائل باب72 من أبواب آداب الحمام ح1
[3]
- الوسائل باب72 من أبواب آداب الحمام ح3
[4]
- الوسائل باب37 من أبواب آداب ما يكتسب به ح2
[5]
- الوسائل باب37 من أبواب آداب ما يكتسب به ح4
[6]
- الوسائل باب2 من أبواب الأطعمة المحرمة ح3
[7]
- الوسائل باب2 من أبواب الأطعمة والمحرمة ح1
[8]
- الوسائل باب2 من أبواب الأطعمة والمحرمة ح 7