الفقه \ كتاب الطهارة \ الفأرة\ أدلة كراهة سؤرها
وقد يُستدل على الكرهة ببعض الأخبار :
منها: حديث المناهي أنّ النبي صلى الله عليه وآله نهى عن أكل سؤر الفأر
[1]
، ولكنّه ضعيف كما تقدّم بجهالة الحسين بن زيد ، وشُعيب بن واقد ، كما أنّ إسناد الصدوق إلى شُعيب فيه حمزة بن محمد العلوي ، وهو مهمل ، وعبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري ، وهو مجهول .
أضف إلى ذلك أنّ النهي معلّق بالأكل فتعديته إلى الوضوء لا يخلو من بُعد ، وإن أمكن تعديته إلى الشرب بسهولة .
ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى قال:
( سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب أيصلّي فيها ، قال : اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم ترَه أنضحه بالماء )
[2]
.
وفيه: أنّ الأمر بالغسل محمول على الاستحباب جمعًا بين الأخبار ، ولا دلالة فيها على الكراهة ، إلّا أن يُقال : إنّ ترك الاستحباب مكروه ، وفيه ما لا يخفى .
ومنها: صحيحته الأخرى عن أخيه موسى بن جعفر قال:
( سألته عن الفأرة ، والكلب ، إذا أكلا من الخبز ، أو شمّاه ، أيُؤكل ؟ ، قال : يُطرح ما شمّاه ، ويُؤكل ما بقي )
[3]
وفيه: أنّ الأمر بالطرح محمول على الاستحباب ، جمعًا بين الأخبار ، ولا دلالة فيها على الكراهة ، إلا ما عرفته ممّا تقدم .
ومنها: رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله قال :
( سألته عن الفأرة ، والعقرب وأشباه ذلك ، يقع في الماء فيخرج حيًّا ، هل يشرب من ذلك الماء ، ويتوضّأ به (منه) ، قال : يسكب منه ثلاث مرات ، وقليله ، وكثيره ، بمنزلة واحدة ، ثمّ يشرب منه (وتوضأ منه) ، غير الوزغ فإنّه لا يُنتفع بما يقع فيه )
[4]
.
وفيها:
أوّلًا: أنّها ضعيفة ، لعدم وثاقة يزيد بن إسحاق ، وتوثيق بعض المتأخرين لا يفيد في المقام ، لأنّ توثيقات المتأخرين مبنيّة على الحدس ، فلا تشملها أدلة حجية خبر الواحد .
وثانيًا: أنّ الأمر بسكب الماء ثلاث مرات يدلّ على الاستحباب ، ولا دلالة فيه على الكراهة ، والله العالم .
قال المصنف:
( والوزغة )
دابة معروفة ، و"السام الأبرص" من أصنافه ، ذهب المشهور من الأعلام إلى كراهة سؤرها ، منهم المصنّف هنا ، وفي "الذكرى" ، وظاهر كلام الشيخ في "النهاية" ، و"المبسوط" ، الحكم بنجاسة سؤرها ، وكذا يظهر من الشيخ المفيد في "المقنعة" .
والإنصاف: أنّه لا إشكال في طهارة سؤرها ، ويُستفاد ذلك من الأخبار العامة ، والتي هي كثيرة ، وقد تقدّم بعضها ، ويدل عليها الأخبار الخاصة والتي منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر في حديث قال:
( سألته عن العظاية ، والحيّة ، والوزغ ، يقع في الماء ، فلا يموت ، أيُتوضّأ منه للصلاة ، قال : لا بأس به ... )
[5]
وهي واضحة الدلالة ، وفي مجمع البحرين: العظاء ممدود : دويبة أكبر من الوزغة ، الواحدة عظاءة وعظاية.
ثمّ إنّه قد استُدل للكراهة بما دلّ على كراهة ما لا يؤُكل لحمه ، ولكنّك عرفت ما فيه
وقد استُدل أيضًا ببعض الروايات :
منها: رواية هارون بن حمزة الغنوي المتقدّمة حيث ورد في ذيلها غير الوزغ ، فإنّه لا يُنتفع بما يقع فيه .
وفيها: -مضافًا لضعف السند كما عرفت - : أنّ عدم الانتفاع بما يقع فيه السمية ، ومن هنا قال العلّامة في "التذكرة" : إنّ الكراهة من حيث الطبّ ، لا لنجاسة الماء .
قال المصنف:
( والحية )
المشهور بين الأعلام كراهة سؤر الحيّة ، منهم المصنّف في كتبه الثلاثة ، والمنقول عن الشيخ أفضلية الاجتناب ، ويظهر من المحقّق في "المعتبر" ، والعلّامة في "المنتهى" ، عدم الكراهة ، وهو صريح "المدارك" ، وهو الإنصاف .
نعم يستحب إهراق الماء من سؤرها إذا وجد ماء غيره ، وذلك لصحيحة أبي بصير قال:
( سألت أبا عبد الله عن حيّة دخلت حُبّا فيه ماء، وخرجت منه ؟ ، قال : إذا وجد ماء غيره فليهرقه )
[6]
وهي صحيحة ، فإنّ وهيبا الموجود في السند هو ابن حفص أبو علي الجريري المعروف بالمنتوف ، وهو ثقة ، وهذه الصحيحة استدل بها المشهور على كراهة سؤرها بناء على أن ترك المستحب مكروه .
وفيه: ما قد عرفت ، وقد تقدّمت صحيحة علي بن جعفر(1) الدّالة على عدم البأس في الوضوء من الماء الذي دخلته الحيّة ، والله العالم .
[1]
- الوسائل باب9 من أبواب الأسآر ح7
[2]
- الوسائل باب33 من أبواب النجاسات ح2
[3]
- الوسائل باب36 من أبواب النجاسات ح1
[4]
- الوسائل باب9 من أبواب الأسآر ح4
[5]
- الوسائل باب9 من أبواب الأسآر ح1
[6]
- الوسائل باب9 من أبواب الأسآر ح1