الفقه \ كتاب الطهارة \ سؤر الدجاج \أدلة عدم الكراهة
كان الكلام في كراهة سؤر الدجاج وقلنا في الواقع لا دليل وذكرنا بعض الروايات وبقي البعض
منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله قال:
( فضل الحمامة ، والدجاج ، لا بأس به ، والطير )
[1]
ولكنّها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائني ، وبعدم وثاقة القاسم بن محمد الجوهري .
ومنها : مرسلة الفقيه قال :
( وسأل الصادق عن ماء شربت منه دجاجة ، فقال : إن كان في منقارها قذر لم تتوضّأ منه ، ولم تشرب ، وإن لم تعلم في منقارها قذر توضّأ منه ، واشرب ... )
[2]
ولكنّها ضعيفة بالإرسال .
والخلاصة: أنّه لا دليل على الكراهة ، والتعليل المذكور عليل ، لأنّ عدم انفكاك منقارها عن النجاسة غالبًا ، إن أوجب الاطمئنان ببقائها ، فيتنجّس الماء القليل بملاقاته لمنقارها وإن لم يوجب الاطمئنان ، فإن الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا ، والله العالم .
قال المصنف: ( وسؤر غير مأكول اللحم على الأقرب )
المشهور بين الأعلام طهارة سؤر كلّ حيوان طاهر ، ولكن استثنى الشيخ في "النهاية" سؤر ما أكل الجيف من الطير ، وذهب الشيخ في "المبسوط" إلى عدم جواز استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الإنسي سوى ما لا يمكن التحرز منه ، كالفأرة ، والحيّة ، والهرّة ، وجواز استعمال سؤر الطاهر من الحيوان الوحشي وسؤر الطير مطلقا ، ونسب العلّامة في "المختلف" إلى ابن إدريس أنّه حكم بنجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر من غير الطير ، ممّا يمكن التحرّز منه .
وقد يُستدل لمن ذهب إلى المنع من الاستعمال بعدة أخبار:
منها: موثّقة عمّار المتقدّمة عن أبي عبد الله قال:
( سئِل عمّا تشرب منه الحمامة ، فقال : كلّ ما أكِل لحمه فتوضأ من سؤره ، واشرب ؛ وعن ماء شرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب ، فقال : كلّ شيء من الطير يُتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت في منقاره دمًا فلا توضّأ منه ، ولا تشرب )
[3]
.
وفيه: ما ذكرناه سابقا من أنّ الاستدلال بها على كراهة سؤر الجلال حيث قلنا : إن الاستدلال متوقّف على ثبوت المفهوم للوصف ، وقد عرفت أنّه لا مفهوم له ، فلا يدلّ الانتفاء عند الانتفاء ، وممّا يؤيّد أنّ السائل لم يفهم الانتفاء عند الانتفاء هو أنّه يسأله بعد ذلك عن ماء شرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب فقال : ( كلّ شيء ... ) ، ولو كان الوصف دالًّا على المفهوم لحصل التنافي بينهما .
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال:
( لا بأس أن تتوضّأ ممّا شرب منه ما يُؤكل لحمه )
[4]
وفيه: أنّه متوقف على ثبوت المفهوم للوصف ، وقد عرفت أنّه لا مفهوم له .
ومنها: رواية سُماعة قال:
( سألته هل يُشرب سؤر شيء من الدواب ، ويتوضأ منه ؟ ، قال : أمّا الإبل ، والبقر ، والغنم ، فلا بأس )
[5]
وفيه:
أوَّلًا: أنّه ضعيف بالإرسال ، لأنّ أبا داود المسترِق الذي يروي عنه الكليني ¬ ولد سنة تسع وخمسين ومائة ، وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومأتين ، وتوفي الكليني سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وعليه فالكليني يروي عنه أحيانًا بواسطة ، وتارة أخرى يروي عنه بواسطتين ، فإذن هناك واسطة بين الكليني وبينه ، وهي غير معلومة .
وبعضهم ضعّف الرواية بالإضمار ، ولكنّك عرفت أنّ مضمرات سماعة مقبولة ، فالإشكال في هذه الرواية من حيث الإرسال فقط .
وثانيا: أنّه لا يمكن الأخذ بالحصر هنا ، لوجوب تخصّصه بكثير من الأفراد ، حيث وقع التصريح بنفي البأس عنها في عدة من الأخبار التي سنذكرها إن شاء الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين
[1]
- الوسائل باب 4 من أبواب الأسآر ح1 .
[2]
- من لا يحضره الفقيه : 1/10 ، ح18
[3]
- الوسائل باب 4 من أبواب الأسآر ح2
[4]
- الوسائل باب4 من أبواب الأسآر ح2
[5]
- الوسائل باب5 من أبواب الأسآر ح1