الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ اشتباه المطلق بالمغصوب\ حكمه
 المقام الثاني : ما لو اشتبه المطلق بالمغصوب .
 والإنصاف : أنّه يحرم كلّ منهما ، للعلم الإجمالي بحرمة استعمال المغصوب ، وهو منجّز ، كما لا يخفى ، ولو استعمل كل منهما في الوضوء
 فيما ذهب المحقق الخونساري في مشارق الشموس إلى حصول الطهارة وإن كان فعل حراما ، ثمّ أشكل على نفسه بأن استعمال كلّ منهما منهيّ عنه ، والنهي عن العبادة يوجب الفساد ، وأجاب بأن النهي عن العبادة لا يقتضي الفساد .
  وفيه : ما لا يخفى ، إذ يشترط في العبادة التقرب بها إلى المولى ، وهل يُعقل التقرّب بالمحرم ، وإن شئت قلت : إنّ شرط العبادة أن تكون راجحة ، ومع كون الفعل مرجوحًا للنهي عنه لا يمكن التقرب ، بل هو مبعّد عن ساحته المقدسة .
  ومن هنا كان الانصاف : هو فساد الطهارة لو توضّأ بكلّ منهما ، أو توضأّ بأحدهما فقط ، للملاك المزبور .
 قال المصنف : ( ويُمزج المطلق بالمضاف غير السالب وجوبًا عند عدم ماءٍ مطلق،ويتخيَّر بينهما عند وجودهما(
 ذهب جماعة من الأعلام منهم المصنّف إلى أنّ المكلّف إذا كان عنده من المطلق ما لا يكفيه لطهارته ، ولكن عنده من المضاف ما يمكن أن يُمزج به ، ولم يسلبه الإطلاق ، ويكفي لطهارته ، فيجب عليه المزج ، وإن وجد ماءً آخرَ يكفيه لطهارته تخيّر بين أن يمزج المضاف بالمطلق ، ويتطهر به ، وبين أن يتطهر من المطلق الصِرف .
  وخالف الشيخ في "المبسوط" ، وقال : ( وإذا كان معه مثلًا رِطلان من ماء ، واحتاج في طهارته إلى ثلاثة أرطال ، ومعه ماءُ ورد مقدار رطل ، فإن طرحه فيه لا يغلب عليه ، ولا يسلبه إطلاق اسم الماء ، ينبغي أن يجوز استعماله ؛ وإن سلَبه إطلاق اسم الماء لم يجزِ استعماله في رفع الأحداث ، إلّا أنّ هذا وإن كان جايزًا فإنّه لا يجب عليه ، بل يكون فرضه التيمم ، لأنّه ليس معه من الماء ما يكفيه لطهارته ).
  وظاهر عبارته أنّ المزج غير واجب ، لكن لو مزِج فلا شكّ في وجوب الطهارة به بعد المزج ، وذلك لأنّ الطهارة المائية مشروطة بوجود الماء ، وقبل المزج لا يوجد الماء .
 ويحتمل بعيدًا أن يكون مراده أنّ المزج غير واجب ولو مزج لا يجب التطهّر به ، بل يتخيّر بعد المزج أيضًا بين الطهارة به وبين التيمم ، وذلك لأنّ الاشتباه في الحسّ لا يستلزم اتحاد الحقيقة ، والوجوب تابع لاتحاد الحقيقة ، فلا يجب الطهارة به ، وأما جوازها فلصدق الاسم .
  ووجه البعد أنّه إذا جاز لصدق الاسم فيجب حينئذٍ لكونه واجدًا للماء ، ومع وجدان الماء ، ووجوب الطهارة به ، لا معنى للتخير بينه وبين التيمم .
  وعليه: فمراد الشيخ هو ما ذكرناه من عدم وجوب المزج ، ولكن إذا مزج وجب التطهّر به ، ورجّح صاحب الحدائق كلام الشيخ ، كما أنّ المحقق الهمداني في مبحث التيمم اختار عدم وجوب المزج معلّلا ذلك بأنّ العرف والعقلاء لا يعتنون بهذا النحو من القدرة الحاصلة بالمعالجات غير المتعارفة ، فإنّهم لا يرتابون في أنّ تكليف مَن لم يجدِ الماء بقدر الكفاية بالطهارة المائيّة تكليف بما لا يُطاق ، نظير ما لو أمر مَن لم يجد منًّا من الحنطة مثلًا بأن يتصدق بالمنّ من الحنطة على الفقير ، وأنّه قبيح عند العقلاء ، من دون فرق بين مَن لم يجد شيئًا منه ، أو وجد أقلّ من المنّ بمقدار لو مزجه بشيء من التراب ، ونحوه ، مزجًا لا يسلبه إطلاق الاسم لصار منًّا إلى آخر ما ذكره .
 
 والحمد لله رب العالمين