الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء المضاف\ كلام المحدث الكاشاني
 بقي الكلام: فيما ذهب إليه المحدّث الكاشاني حيث قال في كتاب "المفاتيح" : ( يشترط في الإزالة إطلاق الماء على المشهور خلافًا للسيّد والمفيد ، وجوّزا بالمضاف ، بل جوّز السيّد تطهير الأجسام الصقيلة بالمسح ، بحيث تزول العين لزوال العلة ، ولا يخلو من قوة ، إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات . أمّا وجوب غسلها بالماء عن كلّ جسم فلا ، فكلّ ما علم زوال النجاسة عنه قطعًا حكم بتطهيره ، إلّا ما خرج بدليل ، حيث اقتضى فيه اشتراط الماء ، كالثوب والبدن ، ومن هنا يظهر طهارة البواطن كلها بزوال العين مضافا إلى نفي الحرج ، ويدلّ عليه الموثّق ، وكذا أعضاء الحيوان المتنجّسة غير الآدمي كما يستفاد من الصحاح) .
  وفيه: أن ّكلامه لا يخلو من أحد أمرين :
  إمّا يريد أنّ مثل الأجسام الصقيلة لا تنجُس بملاقاة النجاسة ، ولو مع الرطوبة ، كما يظهر من تعليله .
  وإمّا أن يريد أنّها - أي الأجسام - تنجُس ولكن لا يجب الغسل ، لعدم الدليل ، وما دلّ على وجوب اجتناب أعيان النجاسة لا يقتضيه .
  فإن أراد الأوّل: فهو خلاف المتسالم عليه بين كلّ الأعلام قديمًا وحديثًا ، حتّى باقي المذاهب الإسلامية ، مضافًا إلى أنّه خلاف الروايات الواردة عن أهل البيت ﭺ ، وهي كثيرة جدًّا ، فيها الصحيح ، والموثق ، والضعيف ، نكتفي بذكر بعضها :
  منها: موثّقة عمّار الساباطي أنّه سأل أبا عبد الله عن رجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضّأ من ذلك الإناء مرارًا ، أو اغتسل منه ، أو غسل ثيابه ، وقد كانت الفأرة متسلّخة ، فقال: ( إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ، ثمّ يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ، ويُعيد الوضوء ، والصلاة ، وإن كان إنّما رآها بعدما فرغ من ذلك ، وفعله ، فلا يمسّ من ذلك الماء شيئًا ، وليس عليه شيء ، لأنّه لا يعلم متى سقطت فيه، ثمّ قال : لعلّه أن يكون إنّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها ) [1]
 ومنها: صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر قال: ( إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت ، فإن كان جامدًا فألقها ، وما يليها ، وكُلْ ما بقي ، وإن كان ذائبًا فلا تأكله ، واستصبح به ، والزيت مثل ذلك ) [2] .
 ومنها: خبر جابر عن أبي جعفر قال: ( أتاه رجل ، فقال : وقعت فأرة في خابية ، فيها سمن ، أو زيت ، فما ترى في أكله ؟ ، قال : فقال له أبو جعفر : لا تأكله ، فقال له الرجل : الفأرة أهون عليَّ من أن أترك طعامي من أجلها ! ، قال : فقال له أبو جعفر : إنك لم تستخف بالفأرة وإنما استخففت بدينك ، إن الله حرم الميتة من كل شيء ) [3]
 ولكنّه ضعيف بعَمرو بن شَمِر ، وكذا غيرها من موارد مختلفة ، والقول بأنّها خرجت بالدليل - فلا تُنافي القاعدة التي ذكرها - في غير محلّه ، بل مَن تتبع الأخبار الواردة في نجاسة ملاقي البول ، والخمر ، والمني ، والفأرة ، وسؤر الكلب ، ونحوها ، يقطع بأنّ القاعدة هي أنّ ملاقاة النجس برطوبة مُسرية سبب لتنجيس ملاقيه .
 وإن أراد الثاني: فالمستفاد من الأوامر الكثيرة الواردة بغسل ملاقي النجاسة بعد إزالة عينها عدمُ اختصاص ذلك بمورد دون مورد ، وذلك من باب تنقيح المناط ، وإلّا فلو اقتصر في حكم كلّ واحدة واحدة من النجاسات على متابعة النصّ الوارد فيها بالخصوص ، وعدم التخطي عن مورده بالنسبة إلى سائر النجاسات ، وسائر الأجسام الملاقية لها ، للزم القول بعدم نجاسة الثوب ، والبدن ، إلّا في المورد المسؤول عنه فقط ، لأنّ سائر النجاسات ما سئِل عنها جميعها في ملاقاتها للثوب ، ولا عنها جميعها بالنسبة للبدن ، بل بعضها في الثوب ، وبعضها في البدن ، وبعضها في غيرهما ، فكيف صحّ له إطلاق القول بنجاسة البدن ، والثوب ، واحتياجهما إلى التطهير بالماء ، هذا أوّلًا .
  وثانيًا: أنّ المستفاد من موثقة عمّار المتقدّمة : وجوب الغسل من ملاقي النجس ، بدون فرق في ذلك بين أفراده وموارده ، لقوله : ( ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء )، ولفظة كل للعموم .
  وثالثًا: أنّ ما ذكره ينافي ما اختاره في مسألة الأرض ، والبَواري ، ونحوها - إذا جففتها الشمس بعد زوال عين النجاسة - حيث اختار بقاءها على النجاسة بعد زوال العين .
  واستدل على ذلك بخبر ابن بزيع قال: ( سألته عن الأرض ، والسطح ، يصيبه البول ، وما أشبهه ، هل تُطهّر الشمس من غير ماء ؟ ، قال : كيف يَطهر من غير ماء ؟! ) [4] (2)
 ويظهر من الذيل أنّ التطهير مطلقًا لا يكون إلّا بالماء ، ولكنّ الرواية مضمرة ، اللهمّ إلّا أن يُقال : إنّا نطمئنّ بأنّ المسؤول هو الإمام
  والخلاصة: أنّ المستفاد من ضرورة المذهب ، والأخبار الكثيرة الواردة بغسل الثوب ، والبدن ، والآنية ، والفراش، وغيرها ، القطع بعدم الخصوصية في المسؤول عنه، والله والعالم بحقائق أحكامه .


[1] - الوسائل باب 4 من أبواب الماء المطلق ح 1
[2] - الوسائل باب 5 من أبواب الماء المطلق ح 1
[3] - الوسائل باب 5 من أبواب الماء المطلق ح 2
[4] - الوسائل باب 29 من أبواب أن الشمس إذا جففت ح 7