الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء المضاف\ أدلة السيد المرتضى
ومنها: إطلاق الأمر بالغسل من النجاسة من غير تقييد ، وقد وقع ذلك في عدّة أخبار نذكر بعضها - إن شاء الله تعالى - في مبحث النجاسات ، ونقل عنه العلّامة في "المختلف" أنّه اعترض على نفسه هنا أيضًا بأنّ إطلاق الأمر بالغسل ينصرف إلى ما يغسل به في العادة ، ولم تقضِ العادة بالغسل بغير الماء ، ثمّ أجاب بالمنع من اختصاص الغسل بما يسمّى الغاسل به غاسلًا عادة ، إذ لو كان كذلك لوجب المنع من غسل الثوب بماء الكبريت ، والنفط ، وغيرهما ، مما لم تجرِ العادة بالغسل به ، ولمّا جاز ذلك - وإن لم يكن معتادًا - إجماعا علمنا عدم الاشتراط بالعادة ، وأنّ المراد بالغسل ما يتناوله اسمه حقيقة من غير اعتبار العادة .
والجواب عنه: يحتاج إلى توضيح أمر ، وحاصله أنّ الانصراف المضرّ بالإطلاق ما كانت الطبيعة مشكّكة في الصدق ، كالحيوان ، فإن صدقه على الإنسان لا يخلو من خفاء في نظر العرف .
ومن هنا إذا قلت لشخص : يا حيوان ، اعترض عليك بأنّك تشتمه ، وما ذلك إلّا للتشكيك في الصدق .
ومن هنا أيضًا لا تشمله الأدلّة الدالة على عدم جواز الصلاة فيما لا يُؤكل لحمه من الحيوانات ، وقد أفتى الفقهاء بجواز الصلاة في شعر الإنسان ولبنه مع كونه حيوانًا لا يؤكل لحمه .
وأمّا إذا كانت الطبيعة غير مشكّكة في الصدق ، بل تنطبق على أفرادها وإن كان بعض أفرادها نادر الوجود ، كالحيوان فإنه ينطبق على جميع أفراده غير الإنسان وإن كان بعضها نادر الوجود كالكركدن مثلًا .
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ المثال الذي ذكره السيد الرتضى من قبيل الثاني ، فإنّ الماء ينطبق على ماء الكبريت على حدّ انطباقه على غيره من الأفراد المتعارفة الوجود ، وليس هناك تشكيك في الصدق ، وكون ماء الكبريت نادر الوجود لا يضرّ في التمسك بإطلاق الغسل بالماء ، والانصراف إلى الأفراد الغالبة انصراف بدويّ لا قيمة له ، وهذا بخلاف الغسل بالمضاف والمايعات كماء الورد ، والخلّ ، ونحوهما ، فإنّ في صدق الغسل بهما نوعًا من الخفاء ، ليس على حدّ الغسل بالماء المطلق ، بل ذهب بعض الأعلام إلى أنّ الغسل لا يطلق حقيقة على الغسل بغير الماء .
وبالجملة:
أولا: أنّ الطبيعة مشكّكة في الصدق ، فالانصراف حينئذٍ يضرّ بالإطلاق ، فلا يتمّ ما ذكره السيد المرتضى .
وثانيًا: لو سلّمنا عدم الانصراف ، وأنّ الإطلاق محكم ، إلّا أنّك عرفت أنّه مقيّد بالنصوص المتقدّمة .
ومنها: أنّ الغرض من التطهير إزالة العين ، وهو حاصل بالمائعات، وقد استُدل لذلك بروايتين :
الرواية الأولى: صحيحة حكم بن حكيم بن أخي خلاد أنّه سأل أبا عبد الله فقال له :
( أبول فلا أصيب الماء ، وقد أصاب يدي شيء من البول ، فأمسحه بالحائط ، وبالتراب ، ثم تعرق يدي فأمسح (فأمسّ ) به وجهي ، أو بعض جسدي ، أو يصيب ثوبي ، قال : لا بأس به )
[1]
.
الرواية الثانية: موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي قال:
( لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق )
[2]
.
وفيه:
أمّا صحيحة حكم بن حكيم فلا تدلّ على المطلوب أصلًا ، لأنّ البول لا يزول عن الجسد بالتراب باتفاق منا ومن السيد المرتضى .
وبالجملة لا دلالة لها على طهارة اليد بإزالة البول بالمسح بالحائط والتراب ، والظاهر أنّ محطّ نظر السائل هو حكم الممسوح بعدما تعرق يده .
وجوابه - بنفي البأس - باعتبار عدم الاطمئنان بمباشرة الجُزء حال كونه مشتملًا على الرطوبة المسرية ، أو يحتمل أن يكون نفي البأس لأجل أنّ المسح لم يكن بالموضع الذي فيه العرق ، والذي أصابه البول من اليد ، بل كان من الموضع الطاهر ، وسيأتي الكلام عن هذه الصحيحة - إن شاء الله تعالى - عند البحث عن منجسيّة المتنجّس .
وأمّا موثّقة غياث فمحمولة على جواز الاستعانة في غسله بالبصاق لا ليطهر المحلّ به منفردا ، فإنّ جواز غسله به لا تقتضي طهارة محله ، ثمّ لو سلّم دلالتها على المطلوب فهي مختصة بالبصاق والدم ، ولو التزمنا بشمولها لغير الدم من باب تنقيح المناط فهي معارضة بموثقته الأخرى عن أبي عبد الله عن أبيه قال:
( لا يغسل بالبصاق غير الدم )
[3]
.
وبالجملة: فمع التسليم بدلالة الموثقة الأُولى على المطلوب ، إلّا أنّها أخصّ من المدّعى لأنّ السيد المرتضى ذهب إلى جواز الغسل بمطلق المضاف ، بل بكلّ مايع دون خصوص البصاق ، كما أنّه يرى أنّ المضاف ، بل كلّ مايع ، مطهّر من جميع النجاسات ، دون خصوص الدم .
[1]
- الوسائل باب 7 من أبواب النجاسات ح 1
[2]
- الوسائل باب 5 من أبواب المضاف ح 2
[3]
- الوسائل باب 5 من أبواب المضاف ح 1