الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ملاقي الغسالة\ حكمه
 كان الكلام في الأمر الثاني وهو اختلف الأعلام في ملاقي الغسالة ، بناء على نجاستها على أقوال ثلاثة وذكرنا القول الأول
 القول الثاني: أن يكون حكمه حكم المحلّ قبل الغسل بمعنى أنّه إذا وجب غسله مرتين فيجب غسل ما أصابه هذا الماء أيضًا مرتين ، سواء أكان من الغسلة الأولى أم الثانية ، وحكم هذا القول عن العلّامة في "نهاية الأحكام" ، وظاهر "القواعد" ، و"الإرشاد" .
 القول الثالث: أن يكون حكمه حكم المحلّ قبل الغسلة ، فلو كان من الغسلة الأُولى يجب غسل ما أصابه مرّتين ، وإن كان من الثانية وجب غسله مرّة واحدة فيما إذا وجب غسل المحلّ مرتين ، وهو ظاهر المصنّف هنا ، وفي كثير من كتبه ، وذهب إليه أيضًا جماعة من المتأخرين .
  ووجه الفرق: بين الغسلتين هو أنّ المحلّ المغسول تضعف نجاسته بعد كلّ غسلة وإن لم يطهر ، ولهذا يكفيه من العدد بعدها ما لا يكفي قبلها ، فيكون حكم ماء الغسلة كذلك ، لأنّ نجاسته مسبّبة عنه فلا يزيد حكمه عليه ، لأنّ الفرع لا يزيد على الأصل .
  وفيه: أن هذا التفصيل بين الغسلتين لا دليل عليه من الأخبار ، وإنّما هو تحليل يناسبه الاعتبار فلا يمكن الركون إليه .
  وأمّا وجه القول الثاني: أنّ ماء الغسالة نجس لم يُعرف له مقدار من الشرع ، فنشكّ في طهارة الملاقي لماء الغسالة بعد غسله مرة واحدة ، فنرجع إلى استصحاب النجاسة حتى نتيقن بالطهارة ، ولا نتيقن بها إلا بالمرّة الثانية ، وأمّا احتمال الزيادة عن المرّتين فنقطع بعدمه ، لأنّ الفرع لا يزيد على الأصل .
  وفيه: ما قد عرفت من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة ، لأنّ استصحاب المجعول معارَض باستصحاب عدم الجعل ، كما تقدم .
  ومن هنا يتعيّن القول الأول ، وقد يُستدل له بعدّة أدلّة :
  منها: إطلاق ما دلّ على تطهير المتنجّس ، فإنّ مقتضى الإطلاق الاكتفاء بالمرّة الواحدة ، وهناك جملة من الأخبار دالّة بإطلاقها على كفاية المرّة الواحدة ، وهي مستفيضة ، ونكتفي هنا بذكر رواية واحدة ، وهي موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله ( أنّه سُئِل عن رجل ليس عليه إلّا ثوب ، ولا تحلّ الصلاة فيه ، وليس يجد ماء يغسله ، كيف يصنع ؟ ، قال يتيمم ، ويصلي ، فإذا أصاب ماء غسله ، وأعاد الصلاة ) [1]
  فإنّ مقتضى إطلاق قوله : ( غسله ) هو الاكتفاء بالمرة الواحدة .
  ومنها: خبر العِيص المتقدّم، ولكنّه ضعيف سندًا بالإرسال ، وبالإضمار ، ودلالة ، كما عرفت ، فراجع ؛ نعم مع قطع النظر عن ضعف السند ، والدلالة ، فإنّ إطلاق الأمر بالغسل يقتضي الاكتفاء بالمرّة ، لا سيّما أنّه مشتمل على البول ومع ذلك أطلق الأمر بالغسل .
  ومنها: أصالة البراءة من الزائد ، وهو في محلّه لو فرض عدم الدليل الاجتهادي .
 قال المصنف: ( والمضاف ما لا يتناوله إطلاق الماء ، كماء الورد ، والممزوج بما يسلبه الإطلاق )

 الماء المضاف هو الذي لا يصحّ إطلاق الماء عليه مفردًا ، وبلا إضافة ، بل يطلق اسم الماء عليه بعد إضافته إلى شيء آخر ، كماء الورد ، وماء الرمّان ، ومن أفراد الماء المضاف : الممزوج بما يسلبه الإطلاق ، كما في الزعفران ، إذا مزج بالماء المطلق ، بحيث لم يُطلق عليه في العرف اسم الماء بدون إضافة .
  وقد تبين لك أنّ إطلاق لفظ الماء عليه في هذه الموارد بدون إضافة مجازي ، ثمّ لا يخفى عليك أنّ المرجع في تحديد كون الماء مطلقًا ، أو مضافا ، هو العرف ، وإذا حصل الشكّ في بعض الأفراد هل هي من الماء المطلق ، أو المضاف - وكانت الشبهة موضوعية - ؟ ،كما لو شكّ في إضافة الماء باختلاطه بالمضاف ، أو شيء من الجوامد ، كالتراب ونحوه ، فيستصحب حينئذٍ حالته السابقة ، وهي الإطلاق ، أو شك في إطلاق المضاف لامتزاجه بالمطلق فيستصحب أيضًا حالته السابقة ، وهي الإضافة .
  هذا فيما إذا أمكن الاستصحاب ، وأمّا إذا لم يجرِ الاستصحاب ، للتعارض أو لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشك ، كما إذا علمنا بإطلاق الماء في زمان ، وإضافته في زمان آخر ، وشككنا في المتقدّم ، والمتأخر منهما ، فاستصحاب الموضوع لا يجري ، إمّا لأجل عدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشكّ ، كما ذهب إليه صاحب الكفاية ¬ ، وإمّا لأجل المعارضة بينهما كما اخترناه .
  والحاصل

أنّه مع عدم جريان استصحاب الموضوع يُرجع إلى الأصول الجارية في نفس الأحكام ، فلو غسل به ثوبًا نجسًا ، أو توضأ منه ، فيُستصحب بقاء النجاسة ، وعدم ارتفاع الحدث ، ولا يُحكم بنجاسته - إذا كان كثيرًا - بمجرد ملاقاته للنجس ، لقاعدة الطهارة .
 هذا كله في الشبهة الموضوعية ، وأمّا إذا كان الشكّ في الإطلاق والإضافة ، من حيث الشبهة المفهومية ، والتي مرجعها إلى الشبهة الحكميّة ، كما لو امتزج المطلق بشيء ، وشككنا في أنّه هل من مصاديق الماء المطلق عرفًا ، أو لا ؟ ، فقد عرفت في أكثر من مناسبة أنّ الاستصحاب لا يجري فيها ، لا استصحاب الحكم ، للشك في بقاء الموضوع ، ولا استصحاب الموضوع ، لعدم الشكّ .
  وعليه

فيتعيّن الرجوع إلى الأصول الأخرى ، وهي تقتضي بقاء النجاسة ، والحدث ، لو غسل به ثوبًا ، أو توضأ منه ، ولا يحكم عليه بالانفعال - إذا كان كثيرا - بمجرد ملاقاته للنجس ، لقاعدة الطهارة
 


[1] - الوسائل باب45 من أبواب الماء المضاف ح8 .