الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ المستعمل في الاستنجاء\ رواية العيص
 كان الكلام في رواية العيص بن قاسم والقول أنها ضعيفة بالإرسال والإضمار وذكرنا الجواب على الإرسال ودفعه
 وأُجِيب عن الإضمار أيضًا بأنّه غير قادح لأنّه ناشئ من تقطيع الأخبار ، وتبويبها .
  وفيه: أيضًا أنّه لا بدّ من الاطمئنان بأنّ العيص رواها عن الإمام ، وإلا فمجرد تقطيع الأخبار ، وتبويبها ، لا يكفي في صحة إسنادها إلى الإمام ، كما أنّ جلالة الراوي لا تكفي ما لم يُعلم أنّه لا يروي إلّا عن المعصوم ، كزرارة ، ومحمد بن مسلم ، وأضرابههما .
  وثانيًا: أنّه مطلق يشمل ماء الاستنجاء ، وغيره ، فيقيّد بالروايات المتقدمة .
  والخلاصة إلى هنا أنّ الروايات المتقدّمة لا يُستفاد منها طهارة ماء الاستنجاء ، فهل هناك دليل آخر على طهارته أم لا بد من الحكم بنجاسته لعموم ما دلّ على انفعال الماء القليل بالملاقاة للنجس ، بناء على ثبوت العموم ، أو الإطلاق الأحوالي ، وإلا فقد عرفت ما فيه ، والفرض أنّه ماء قليل لاقى النجس ، وهو الغائط أو البول .
  وقد يُستدل على الطهارة بأمرين :
  الأمر الأوَّل: التمسك بأصالة عدم التخصيص .
  وتوضيحه: أنّه إذا ورد أكرم العلماء ، وعُلِم بعدم وجوب إكرام زيد ، وشُكّ في أنّه من العلماء ، أم لا ، فيُرجع إلى أصالة عدم التخصيص ، فيثبت حينئذٍ أنّه جاهل ، لأنه على تقدير كونه عالمًا يلزم تخصيص أكرم العلماء ، لأنّه منهم ، ولا يجب إكرامه .
  وعليه

فبأصالة عدم التخصيص يدلّ على أنّه ليس من أفراد العام ، ويكون خارجًا تخصصّا ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّا علمنا بأنّ الملاقي لماء الاستنجاء طاهر ، ولكن لا ندري هل أنّ طهارته تخصيصًا لعموم ما دل ّعلى منجّسيّة الماء المتنجّس ، أي إنّ كلّ ماء قليل لاقى نجسًا يتنجس ، وينجّس إلّا ماء الاستنجاء ، فإنه نجس ، ولكنّه لا ينجس ، أم أنّ طهارته لعدم المقتضي لتنجّسه ، حيث إنّ ماء الاستنجاء طاهر ، ولم ينفعل بملاقاته للنجاسة ، فإذا تمسكنا بأصالة عدم التخصيص فيكون خروج الملاقي لماء الاستنجاء بالتخصّص ، لا بالتخصيص ، وعليه فيكون ماء الاستنجاء طاهرًا ؟ .
  ولكنّ ا

لإنصاف أنّه لم تثبت أصالة عدم التخصيص ، وذلك لأنّ مرجع أصالة عدم التخصيص إلى أصالة العموم في العام ، ومن المعلوم أنّ العام إنّما يدلذ على ثبوت حكمه لكل واحد من أفراده ، فإذا شكّ في ثبوت حكمه لفرده كان العام نافيًا لذلك الشكّ ، فإذا شككنا في وجوب إكرام زيد العالم ، فنتمسك بعموم إكرام العلماء ، وننفي الشكّ ، أمّا إذا عُلِم الحكم ، وشكّ في أنّ موضوعه من أفراد العام ، أو لا ، فلا يدلّ العموم على نفي ذلك الشكّ ، لأنّ المشكوك خارج عن مدلوله .
 

إن قلت: إنّ عكس النقيض من لوازم القضية ، بحيث يلزم من صدقها صدقه ، فقولنا : كلّ عالم يجب إكرامه ، ينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : كلّ ما لا يجب إكرامه ليس بعالم ، فإذا ثبت أنّ زيدًا لا يجب إكرامه وجب الحكم عليه بأنّه ليس بعالم ، كما يقتضيه عموم العكس .
  ومثله ما نحن فيه فقولنا : كلّ ماء متنجّس فهو ينجس ، ينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : كلّ ما لا ينجّس فهو ليس بمتنجّس ، وبما أنّ ماء الاستنجاء ليس منجّسا لملاقيه فهو إذن ليس بمتنجّس .
  وحيث إنّ الظهور من الأمارات فهو حجّة في المدلول الالتزامي ، كما هو حجّة في المدلول المطابقي ، فيكون العموم دائمًا دالًّا بالالتزام على أنّ كلّ ما لا يكون محكومًا بحكمه فهو ليس من أفراده .
  قلت: وإن ثبت في علم الأصول أنّ مثبتات الأمارة حجّة ، بمعنى أنّ الأمارة تكون حجّة في المدلول الالتزامي ، إلّا أنّه ليس على إطلاقه ، بل يختلف ذلك باختلاف مقدار دلالة دليل الحجّية ، فإذا كان مطلقًا كان مقتضيًا للحجّية على اللازم مطلقًا ، وإن كان مهملًا ، أو دليلًا لبيًّا ، اقتُصر على القدر المتيقن ، وحيث إنّ دليل حجّية الظهور بناء العقلاء ، الذي هو من الأدلّة اللبيَّة ، كان اللازم الاقتصار على المتيقن ، ولم يثبت بناء العقلاء على حجّية الظهور بالإضافة إلى عكس النقيض ، فلا يُحكم بحجّيته فيه ، بل يُرجع إلى أصالة عدم الحجّية .
  والخلاصة أنّه لا يصحّ التمسك بأصالة عدم التخصيص لإثبات طهارة ماء الاستنجاء .