الفقه \ كتاب الطهارة \الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر\ الأدلة
كان الكلام في الاستدلال في رواية ابن مسكان
ووجه الاستدلال: في الرواية مبني على أنّ السائل مركوز في ذهنه عدم صحة الغسل بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، وعلى أنّ الإمام ع أقرّه على ذلك ، وبيّن له طريقًا لعدم رجوع الغسالة إلى الماء الذي يغتسل منه ، وهذا الطريق هو النضح المذكور في الرواية .
وفيه: أنّه لا يظهر منها أنّ الإمام ع أقرّه على ذلك ، كما أنّ النضح المذكور ليس علامًا وطريقًا لعدم وصول الغسالة إلى الماء .
وتوضيحه: أنّ النضح بالكفّ إمّا على الأرض ، أو البدن ، وعلى كلّ تقدير لا يكون مانعًا من وصول الغسالة إلى الماء .
أمّا إذا كان على الأرض
فقد قيل
: إنّ وجه الحكمة فيه اجتماع أجزاء الأرض فيمتنع سرعة انحدار ما ينفصل عن البدن إلى الماء .
ولكنّ الإنصاف
خلاف ذلك ، إذ رشّ في الأرض الصلبة موجب لسرعة نزول الغسالة إلى الماء ، نعم في الأرض الرخوة يوجب بطء نزول الغسالة إلى الماء .
وبالجملة
فإنّ الحكمة المذكورة ليست مطّردة .
وأمّا إذا كان النضح على البدن
فقد قيل
: إنّ وجه الحكمة فيه هو ابتلاله بالماء ، ليجري ماء الغسل على البدن بسرعة ، ويكمل الغسل قبل وصول الغسالة إلى الماء .
وفيه: أنّ ما ذكر لا يتمّ على إطلاقه ، بل جريان ماء الغسل على البدن مقتضٍ لسرعة تلاحق أجزاء الغسالة ، وتواصلها ، وهو يُعِين على سرعة وصول الغسالة إلى الماء ، وإن رجع إليه ماء الغسل ، ويكون هذا رادعًا عمّا ارتكز في ذهن السائل .
ولو كان رجوع الغسالة إلى الماء مانعًا عن استعماله في رفع الحدث ، وأراد الإمام ع أن يبيّن له طريقًا لعدم رجوعه إليه لأمره بوضع حائل من تراب ، ونحوه ، أو أمره بالاقتصار في غسل البدن على الماء القليل ، وعدم الإكثار منه ، بحيث يتحقّق مسمّى الغسل ، ولا تجري الغسالة من البدن إلى الماء الذي يغتسل منه .
إن قلت: إذا لم تكن الحكمة في نضح الماء بالكفّ على الجوانب الأربعة هي المنع من وصول الغسالة إلى الماء فما هي الحكمة حينئذٍ ؟! .
قلت: لعلّ الحكمة هي رفع كرهة استعمال مثل هذه المياه التي تردها السباع ، وغيرها ، ويكون الأمر بالنضح مستحب في حدّ ذاته ، كما ورد الأمر بذلك في الوضوء من الماء القليل
ففي حسنة الكاهلي قال:
( سمعت أبا عبد الله يقول : إذا أتيت ماء ، وفيه قلّة ، فانضح عن يمينك ، وعن يسارك ، وبين يديك ، وتوضأ )
[1]
ولا يحتمل أن يكون النضح هنا للمنع من وصول الغسالة إلى الماء ، لما عرفت سابقًا من الاتفاق بين الأعلام على جواز استعمال الماء المستعمل في رفع الأصغر في رفع الحدث به ، ومن هنا قلنا : إنّ الأمر بالنضح للاستحباب ، والله العالم .
وقد يُستدل أيضًا للقائل بالمنع
بأصالة الاحتياط: باعتبار أنّ الماء المستعمل في غسل الجنابة مشكوك فيه ، لا يحصل باستعماله القطع بفراغ الذمّة .
وفيه: بعد قطع النظر عن الدليل الاجتهادي على الجواز - : أنّ المورد من موارد أصالة البراءة لا الاحتياط ، لأنّ الشكّ إنّما هو في اشتراط كون الماء غير مستعمل في رفع الحدث الأكبر ، والأصل عدمه ؛ هذا تمام الكلام بالنسبة لأدلة المانعين .
وأمّا المجوّزون فقد استُدل لهم بعد أدلّة ، أهمّها اثنان :
الأوَّل: إطلاق الأدلة من الكتاب العزير ، والسنّة النبوية الشريفة ، الدالة على استعمال الماء المطلق في رفع الحدث ، وهذا الماء مطلق ، وهو متين
.
الثاني: صحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن الأول قال:
( سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية ، أو مستنقع ، أيغتسل منه للجنابة ، أو يتوضأ منه للصلاة ، إذا كان لا يجد غيره ، والماء لا يبلغ صاعًا للجنابة ، ولا مدًّا للوضوء ، وهو متفرق ؟ ، فكيف يصنع ، وهو يتخوّف أن تكون السباع قد شربت منه ؟ ، فقال : إن كانت يده نظيفة فليأخذ كفًّا من الماء بيد واحدة ، فلينضحه خلفه ، وكفًّا أمامه ، وكفًّا عن يمينه ، وكفًّا عن شماله ، فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ، ثمّ مسح جلده بيده ، فإنّ ذلك يجزيه ، وإن كان الوضوء غسل وجهه ، ومسح يده على ذراعيه ، ورأسه ، ورجليه ، وإن كان الماء متفرقًا فقدر أن يجمعه ، وإلَّا اغتسل من هذا ، ومن هذا ، وإن كان في مكان واحد ، وهو قليل ، لا يكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ، ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه )
[2]
[1]
- الوسائل باب 10 من أبواب الماء المضاف ح 3
[2]
- الوسائل باب 10 من أبواب الماء المضاف ح 1