الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ المستعمل في رفع الحدث الأكبر\ استعماله مرة ثانية
 كان الكلام فيما سبق في الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر هل يجوز استعماله مرة ثانية أم لا قلنا هو على قسمين مرة يكون كثيرا وقلنا لا إشكال في ذلك
 وأمَّا لو كان قليلًا ففيه خلاف بين الأعلام فالمشهور بين المتأخرين أنّه رافع للحدث أيضًا ، منهم العلّامة في جملة من كتبه ، والمصنّف هنا وفي "الذكرى" ، وابن إدريس في "السرائر" ، وصاحب "المدارك" ، والمحقق الهمداني وصاحب "الجواهر" ، والسيد الحكيم في "المستمسك" ، وذهب إليه أيضًا بعض المتقدمين كالسيد المرتضى ، وسلّار الديلمي رحمهم الله جميعًا .
  وعن جماعة من الأعلام أنّه غير رافع ، منهم الشيخان في المقنعة ، بل في "الخلاف" أنّ ( المستعمل في غُسل الجنابة ، أكثر أصحابنا قالوا : لا يجوز استعماله في رفع الحدث ) ، ومنهم الصدوقان ، وابنا حمزة ، والبراج ، رحمهم الله .
  ولا بدّ من ذكر أدلّة الطرفَين حتى يتضح الحال ، أمّا من ذهب إلى المنع فقد استدل بعدة أدلّة :
  الدليل الأول: معتبرة عبد الله بن سنان المتقدّمة عن أبي عبد الله قال: ( لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل ؟ ، فقال : الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل به الرجل من الجنابة ، لا يجوز أن يُتوضأ منه ، وأشباهه ، وأمَّا الذي يتوضأ الرجل به ، فيغسل به وجهه ، ويده ، في شيء نظيف ، فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به ) [1]
 وقد أشكل أغلب الأعلام على هذه الرواية بأنّها ضعيفة السند بأحمد بن هلال العبرتائي ، الذي روي اللعن عليه من الإمام العسكري ع ، وذكر سعد بن عبد الله الأشعري أنّه رجع عن التشيع إلى النصب .
 وذكر الشيخ رحمه الله في الفهرست أنه كان ( غاليًا متّهمًا في دينه ) ، وقال الشيخ مرتضى الأنصاري رحمه الله في طهارته : ( وبُعد ما بين المذهبين لعلّه يشهد بأنه لم يكن له مذهب رأسًا ) ثمّ ذكر الشيخ الأنصاري أنّه يمكن تصحيح الرواية باعتبار أنّ الرواي عن أحمد بن هلال الحسن بن علي بن فضال ، فتدخل في قول العسكري ( خذوا ما رووا ، وذروا ما رأوا ) [2] ، حين سئِل عن كتب بني فضال .
 وفيه:
 أوَّلًا: أنّه ضعيف بجهالة عبد الله الكوفي ، خادم الشيخ الحسين بن روح رحمه الله .
 وثانيَا: أنَّ الرواي عن أحمد بن هلال هو الحسن بن علي ، ولم يُعلم كونه ابن فضال ، بل قد يُطمأن أنّه غيره ، لأنّ ابن فضال أعلى طبقة من أحمد بن هلال .
 وثالثًا: مع غضِّ النظر عن كلّ ما ذكرناه فإنّه ليس معنى قوله : ( خذوا ما رووا ) هو قبول رواياتهم وإن كانت عن الضعاف ، بل المراد - والله العالم - أنّ مجرد الخروج عن المذهب لا يضرّ بصحة الرواية إذا كانوا ثقات ، وكان باقي الرواة أيضًا ثقات ، فحالهم كغيرهم من الرواية الثقات .
  والإنصاف في المقام أنّ أحمد بن هلال موثّق ، وبيّنا حاله بالتفصيل في بعض مسائل الحج ، فراجع ؛ ومن هنا قلنا : إنّ الرواية معتبرة .
  ثمّ إنّ وجه الاستدلال بهذه المعتبرة أنّها دلّت على عدم جواز الوضوء ، والغسل بالماء المستعمل في رفع الحدث مطلقًا ، سواء أكان الحدث جنابة أم حيضًا أم غيرهما ، بناء على أنّ قوله ع وأشباهه معطوف على الضمير المجرور ، خلافًا لجمهور النحاة حيث جعلوا إعادة الخافض - إذا عطف على ضمير الخفض - لازما ، نعم جوّز ذلك ابن مالك في ألفيته ، حيث قال :
  وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازمًا قد جُعلا
  وليس عندي لازمًا إذ قد أتى في النثر والنظم الصحيح مثبتا
  ومهما يكن فقد استُشكل في دلالة المعتبرة أيضًا باحتمال كون المنع من جهة نجاسة بدن الجُنب لغلبة اشتمال بدن الجُنب على النجاسة ، فإنّ العادة هو أن يغسل الإنسان فَرْجه في مكان الاغتسال ، لا أنّه يزيل النجاسة في مكان ، ويغتسل في مكان آخر .
 ويشهد لما ذكرناه الروايات الواردة في كيفية غسل الجنابة بذلك ، ففي صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: ( سألته عن غسل الجنابة ، فقال : تبدأ بكفيك فتغسلهما ، ثمّ تغسل فرجك ، ثمّ تصبّ على رأسك ثلاثًا ... ) [3] (1)
 وفي حسنة زرارة قال: ( قلت : كيف يغتسل الجنب ، فقال : إن لم يكن أصاب كفّه شيء غمسها في الماء ، ثمّ بدأ بفرجه فأَنْقَاه بثلاث غرف ، ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ ... ) [4] .
  وعليه

فهذه الأخبار قرينة على احتمال أن يكون المراد من الجنب في معتبرة عبد الله بن سنان هو الذي في بدنه نجاسة .
 هذا ، واحتمل بعضهم إرادة إزالة الوسخ من غسل الثوب ، لا النجاسة ، فيتعيّن حينئذٍ حمل النهي على مطلق المرجوحية المجامعة للكراهة .
  وهذا الاحتمال لا بأس به ، اللهم إلّا أن يُقال : إنّ المتبادر من غسل الثوب في الروايات هو الغسل لإزالة النجاسة .
  والخلاصة إلى هنا أنّه مع وجود هذه الاحتمالات لا يبقى ظهور في الرواية في المنع عن استعمال الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، لاسيّما مع التصريح في صدرها بعدم البأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل ، وكأنّه ردّ على من زعم من العامّة نجاسة ما يُستعمل في الوضوء ، والله العالم .
 
 
 

 
 
 
 
 
 


[1] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف ح 13
[2] - الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 13
[3] - الوسائل باب 26 من أبواب الجنابة ح 1
[4] - الوسائل باب 26 من أبواب الجنابة ح2