الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ التنجس بالبالوعة القريبة
 قال المصنف:

( ولا ينجس بالبالوعة القريبة إلّا أن يغب الظن بالاتصال فينجس عند من اعتبر الظن والأقوى العدم )

[1]

 المشهور بين الأعلام عدم نجاسة البئر بمجرد قربها من البالوعة ، نعم مع العلم بوصول ماء البالوعة إليها تنجس على القول بانفعال البئر بمجرد الملاقاة ، وأمّا بناء على ما اخترناه فلا تنجس إلّا بالتغيّر بأوصاف النجاسة الواصلة إليها ، ولا يكفي الظنّ بالاتصال أو الظنّ بالتغيّر لعدم الدليل عليه ، بل قد عرفت سابقًا أنّ كلّ ماء طاهر حتى نعم أنّه قذر ،
  وقد تقدّم أيضًا موثّق عمّار ( كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنّه قذر ، فإذا علمت فقد قذُر ، وما لم تعلم فليس عليك ) [2]
  ويدلّ عليه أيضًا محمد القاسم عن أبي الحسن ( في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمس أذرع ، أو أقل ، أو أكثر ، يتوضأ منها ؟ ، قال : ليس يُكره من قرب ولا بعد ، يُتوضأ منه ويغتسل ما لم يتغيّر الماء ) [3]
  ولكنّه ضعيف بجهالة كل من عبّاد بن سليمان ، ومحمد بن القاسم
 وقد استُدل أيضًا بخبر أبي بصير قال: (نزلنا في دار فيها بئر ، إلى جنبها بالوعة ، ليس بينهما إلّا نحو من ذراعين ، فامتنعوا من الوضوء منها ، فشقّ ذلك عليهم ، فدخلنا على أبي عبد الله فأخبرناه،فقال:توضؤا منها ، فإنّ لتلك البالوعة مجاري تصبّ في واحد،ينصبّ في البحر) [4] .
  وفيه :
  أوّلًا: أنّه ضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني الواقع في إسناد الصدوق إلى أبي بصير .
 وثانيًا: أنّه يحتمل احتمالًا قريبًا أن يكون أمره ع بالتوضؤ لعلمه ع بعدم وصول مائها إلى البئر ، كما يظهر ذلك من التعليل في ذيل الخبر ، فلا يدل حينئذٍ على أنّه في حال الظن أو الشك يجوز التوضؤ منها .
  والخلاصة أنّه لا إشكال في عدم نجاسة البئر بمجرد قربها من البالوعة ، إلّا مع العلم بالاتصال ، فتنجس بناء على القول بالانفعال بمجرد الملاقاة ، ولا ينافي ذلك ما ورد في حسنة الفُضلاء زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وأبي بصير ، كلّهم قالوا: ( قلنا له : بئر يُتوضأ منها ، يجري البول قريبا منها أينجسها ؟ ، قال : فقال : إن كانت البئر في أعلى الوادي ، والوادي يجري فيه البول من تحتها فكان بينهما قدر ثلاث أذرع ، أو أربعة أذرع ، لم ينجس ذلك شيء ، وإن كان أقلّ من ذلك نجّسها ، قال : وإن كانت البئر في أسفل الوادي ، ويمرّ الماء عليها ، وكان بين البئر وبينه تسعة (سبعة) أذرع لم ينجّسها ، وما كان أقلّ من ذلك فلا يُتوضأ منه .... ) [5]
  وقد عرفت أن مضمرات زرارة وابن مسلم مقبولة .
 وجه عدم المنافاة أنّ النجاسة هنا محمولة على الاستقذار العرفي ، كما أنّ النهي عن التوضؤ محمول على الكراهة جمعًا بين الأدلة .
  ثمّ اعلم أنّه لو تغيّرت البئر تغييرًا يصلح أن يكون مستند التغيّر هو البالوعة ، فهل نحكم بالطهارة أو النجاسة ؟ .
  والانصاف هو الحكم بالطهارة لأنّ مجرد الصلاحيّة لا يكفي في التنجيس ، ما لم يعلم بأنّ التغيّر كان بأوصاف النجاسة الواصلة إليها ، والله العالم .
 قال المصنف:

( ويستحب تباعدهما خمس أذرع مع فوقيّة البئر ، أو صلابة الأرض ، وإلّا فسبع ، وفي رواية ( إن كان الكنيف فوقها فاثنتا عشرة ذراعا

) [6]
 ما ذكره المصنف - رحمه الله - من الاكتفاء بالخمس مع صلابة الأرض ، أو فوقيّة البئر ، هو المشهور بين الأعلام .
  والمراد بفوقية البئر أن يكون قرارها أعلى من قرار البالوعة ، بأن تكون البالوعة أعمق منها ، وحُكي عن ابن الجنيد أنّه ( إن كانت الأرض رخوة ، والبئر تحت البالوعة ، فليكن بينهما اثنا عشر ذراعا ، وإن كانت الأرض صلبة ، أو كانت البئر فوق البالوعة ، فليكن بينهما سبع ) ، وحكي عنه غير ذلك .
  ومهما يكن فمستند المشهور هو الجمع بين رواية الحسن بن رباط عن أبي عبد الله ع قال: ( سألته عن البالوعة ، تكون فوق البئر ، قال : إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع ، وإذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع ، من كل ناحية ، وذلك كثير ) [7]
 ورواية قدامة ابن أبي زيد الجمّاز بعن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال: ( سألته كم أدنى ما يكون بين البئر - بئر الماء - والبالوعة ، فقال : إن كان سهلا فسبع أذرع ، وإن كان جبلا فخمس أذرع ... ) [8] .
  وجه الاستدلال أنّ في كلّ من الروايتين إطلاقًا من وجه ، وتقييدًا من وجه آخر ، فجُمع بينهما بحمل مطلقهما على مقيّدهما ، بمعنى أنّ السبعة ، التي في الرواية الأولى ، مقيّدة بالخمسة ، التي في الرواية الثانية ، والسبعة ، التي في الثانية ، مقيدة بمورد الخمسة في الرواية الأولى .
  وتكون عندنا ستة صور ، لأنّ الأرض إمّا سهلة أو صلبة ، وعلى كلٍ منهما فالبئر إمّا أعلى قرارًا من البالوعة ، أو بالعكس ، أو متساويان .
 


[1] - الدروس ج 1 ص 121
[2] - الوسائل باب 37 من أبواب الماء المطلق ح 4
[3] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 4
[4] - الوسائل باب 24 من أبواب الماء المطلق ح 4
[5] - الوسائل باب 24 من أبواب الماء المطلق ح 1
[6] - الدروس ج 1 ص 121
[7] - الوسائل باب 24 من أبواب الماء المطلق ح 3
[8] - الوسائل باب 24 من أبواب الماء المطلق ح 2