الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ موت الطير
قال المصنف:
( وسبع لموت الطير )
كما هو المشهور بين الأعلام ، قال المصنّف في "الذكرى" : ( وفُسّر - أي الطير - بالحمامة ، والنعامة ، وما بينهما ... ) ، وفي "السرائر" : استثناء العصفور ، وما في قدر جسمه .
والإنصاف
أنّ الروايات مطلقة
منها: رواية عليّ قال :
( سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الفأرة تقع في البئر ، قال : سبع دلاء ، قال : وسألته عن الطير ، والدجاجة، تقع في البئر، قال : سبع دلاء)
[1]
ولكنها ضعيفة كما تقدم بعلي بن أبي حمزة ، وبجهالة القاسم بن محمد الجوهري .
ومنها موثقة سُماعة المتقدّمة أيضًا قال :
( سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الفأرة تقع في البئر ، أو الطير ، قال : إن أدركته قبل أن ينتن نَزحت منها سبع دلاء )
[2]
.
ومنها: صحيحة أبي أُسامة ، وأبي يوسف - يعقوب بن عيثم - عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال :
( إذا وقع في البئر الطير ، والدجاجة ، والفأرة ، فانزح منها سبع دلاء)
[3]
.
هذه هي الروايات التي استُدل بها على مذهب المشهور
وهناك بعض الأخبار معارضة لها
منها: صحيحة أبي أسامة المتقدمة المتضمنة لخمس دلاء
[4]
، قال المحقق في "المعتبر" : ( ولا أستبعد - هنا - العمل برواية أبي أسامة ، لرجحانها بسلامة السند ، لكنّي لم أرَ بها عاملًا ) ، وفي الجواهر : ( لم نعثر على عامل به - أي صحيح أبي أسامة المتضمن لنزح الخمس - ) .
ومنها : صحيحا الفضلاء
[5]
، وعلي بن يقطين
[6]
، المتضمّنتان لنزح الدلاء .
ومنها : معتبرة إسحاق بن عمار المتقدّمة أيضُا ، المتضمنة لنزح دلوين ، أو ثلاثة ، في الدجاجة
[7]
، وفي الرواية الحسن بن موسى الخشّاب ، وهو ممدوح ، وغياث بن كلوب، وهو ثقة عندنا، ومن هنا عبّرنا عنها بالمعتبرة، خلافا لجماعةكثيرة من الأعلام حيث ضعّفوها .
هذا
، وقد جمع الشيخ في "الاستبصار" بين رواية عليّ ، ورواية إسحاق ، بحمل رواية عليّ على الاستحباب أو على التفسّخ .
أقول: رواية عليّ ضعيفة السند ، وأمّا رواية إسحاق فإنّه ، وإن اعتبرناها ، لكن ذكر صاحب الجواهر أنّه : ( لم يعمل بها أحد من الأصحاب ، فيما أعلم ) .
وعليه
، فإعراض المشهور ، وإن لم يوجب الوهن ، إلّا أنّ إعراض الكل يوجب وهنها ، كما تقدم .
والإنصاف: في مقام الجمع بين الأخبار هو العمل
بصحيحة أبي أسامة ، المتضمنة لنزح خمس دلاء ، وحمْل
روايات السبع على الاستحباب ، وحمْل
الروايات ، المتضمنة لنزح الدلاء ، على صحيحة أبي أسامة ، ورواية إسحاق ساقطة عن الاعتبار لما عرفت ، والله العالم .
قال المصنف:
( واغتسال الجنب )
أي من حيث كونه جُنبًا ، ولا يكون على بدنه نجاسة أخرى عينيّة ، وما ذكره المصنف - رحمه الله - هو المشهور بين الأعلام ، وعبّر جماعة من الأعلام بـ"ارتماس الجنب" ، كما في كتب الشيخين ، وسلّار ، وبني حمزة وإدريس ، وقال الأخير : ( لولا الإجماع على الارتماس لما كان عليه دليل )
[8]
. وردّ عليه المحقق في "المعتبر" ( أنّ الْمُوردِين للفظ الارتماس ثلاثة ، أو أربعة ، فكيف يكون إجماعا ؟! )
[9]
، وهو في محلّه .
أضف إلى ذلك أنّ الأخبار الواردة في المسألة خالية عن ذكر الارتماس ، فالإنصاف أنّ من خصّ الحكم بالارتماس فقد ابتعد كثيرًا ، ثمّ إنّه هل يختص الحكم أيضًا باغتساله كما ذهب إليه بعض الأعلام - وهو ظاهر المصنّف هنا -أم يعمّ مطلق مباشرة الجنب،كما عن آخَرِين-ومنهم المصنف في الذكرى- ؟.
ولمعرفة الصحيح من غيره لا بدّ من الرجوع إلى الأخبار الواردة في المسألة ، وهي أربعة :
الأخبار في المسألة
منها: ما ورد بلفظ الوقوع ، لصحيح الحلبي المتقدّم ، حيث ورد في ذيله
( وإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء)
[10]
.
ومنها: ما ورد بلفظ "النزول" ، لصحيح عبد الله بن سنان المتقدّم أيضًا
( إن سقط في البئر دابة صغيرة،أو نزل فيها جنب،نزح منها سبع دلاء)
[11]
.
ومنها: ما ورد بلفظ "الدخول" ، كما في صحيح ابن مسلم عن أحدهما -عليهما السلام -
( قال إذا دخل الجنب البئر يُنزح منها سبعة دلاء )
[12]
.
ومنها: ما ورد بلفظ "الاغتسال"، كما في خبر أبي بصير المتقدّم أيضًا
( قال سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الجُنب يدخل البئر ، فيغتسل منها ، قال : يُنزح منها سبع دلاء )
[13]
ولكنّه ضعيف بجهالة عبد الله بن بحر .
إذا عرفت ذلك ، فقد يُقال : إنّ الحكم مختص بالاغتسال ، كما نصّ على ذلك الشهيد الثاني ، لأنّ الحكم معلّق على الاغتسال في خبر أبي بصير ، والمطلق يحمل على المقيد .
وفيه:
أولا: أنّ خبر أبي بصير ضعيف كما عرفت .
وثانيا: أنّه لا منافاة ، حتى يحمل المطلق على المقيد ، إذ يجوز أن يكون نزح السبع للوقوع ، والاغتسال .
إن قلت: إنّ إطلاق الوقوع ، والنزول ، والدخول ، في الأخبار المتقدمة منصرفة إلى الاغتسال لا سيّما بملاحظة صحيح ابن أبي يعفور المتقدم حيث ورد في ذيله ( ولا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءهم ) ، فإنّه ظاهر في إرادة الاغتسال من الوقوع ، إذ إفساد الماء إنما يكو ن بالاغتسال .
قلت: أمّا دعوى الانصراف فهي بلا بيّنة ولا شاهد ، وأمّا صحيح ابن أبي يعفور ، فقد تقدّم سابقا ، وذكرنا فيه عدّة احتمالات ، ولا ينحصر الإفساد بالاغتسال ، إذ قد يكون الإفساد من ثوران الحمْأة التي نشأت من نزول الجنب إلى البئر ، وقد يكون بسبب موته فيها ، وغير ذلك مما تقدّم .
والإنصاف
أنّ الحكم بنزح السبع يعمّ مطلق مباشرة الجُنب لماء البئر .
[1]
- الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 3
[2]
- الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 4
[3]
- الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 12
[4]
- الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 7
[5]
- الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 5
[6]
- الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 2
[7]
- الوسائل باب 18 من أبواب الماء المطلق ح 3
[8]
- السرائر ج 1 ص 79
[9]
- المعتبر ج1 ص 71
[10]
- الوسائل باب 15 من أبواب الماء المطلق ح 6
[11]
- الوسائل باب 15 من أبواب الماء المطلق ح 1
[12]
- الوسائل باب 22 من أبواب الماء المطلق ح 3
[13]
- الوسائل باب 22 من أبواب الماء المطلق ح 4