الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/02/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ موت الطير
 قال المصنف:

( وسبع لموت الطير )
 كما هو المشهور بين الأعلام ، قال المصنّف في "الذكرى" : ( وفُسّر - أي الطير - بالحمامة ، والنعامة ، وما بينهما ... ) ، وفي "السرائر" : استثناء العصفور ، وما في قدر جسمه .
  والإنصاف

أنّ الروايات مطلقة
  منها: رواية عليّ قال : ( سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الفأرة تقع في البئر ، قال : سبع دلاء ، قال : وسألته عن الطير ، والدجاجة، تقع في البئر، قال : سبع دلاء) [1]
  ولكنها ضعيفة كما تقدم بعلي بن أبي حمزة ، وبجهالة القاسم بن محمد الجوهري .
 ومنها موثقة سُماعة المتقدّمة أيضًا قال : ( سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الفأرة تقع في البئر ، أو الطير ، قال : إن أدركته قبل أن ينتن نَزحت منها سبع دلاء ) [2] .
  ومنها: صحيحة أبي أُسامة ، وأبي يوسف - يعقوب بن عيثم - عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال : ( إذا وقع في البئر الطير ، والدجاجة ، والفأرة ، فانزح منها سبع دلاء) [3] .
  هذه هي الروايات التي استُدل بها على مذهب المشهور
  وهناك بعض الأخبار معارضة لها
  منها: صحيحة أبي أسامة المتقدمة المتضمنة لخمس دلاء [4] ، قال المحقق في "المعتبر" : ( ولا أستبعد - هنا - العمل برواية أبي أسامة ، لرجحانها بسلامة السند ، لكنّي لم أرَ بها عاملًا ) ، وفي الجواهر : ( لم نعثر على عامل به - أي صحيح أبي أسامة المتضمن لنزح الخمس - ) .
  ومنها

: صحيحا الفضلاء [5] ، وعلي بن يقطين [6] ، المتضمّنتان لنزح الدلاء .

  ومنها

: معتبرة إسحاق بن عمار المتقدّمة أيضُا ، المتضمنة لنزح دلوين ، أو ثلاثة ، في الدجاجة [7] ، وفي الرواية الحسن بن موسى الخشّاب ، وهو ممدوح ، وغياث بن كلوب، وهو ثقة عندنا، ومن هنا عبّرنا عنها بالمعتبرة، خلافا لجماعةكثيرة من الأعلام حيث ضعّفوها .
  هذا

، وقد جمع الشيخ في "الاستبصار" بين رواية عليّ ، ورواية إسحاق ، بحمل رواية عليّ على الاستحباب أو على التفسّخ .
  أقول: رواية عليّ ضعيفة السند ، وأمّا رواية إسحاق فإنّه ، وإن اعتبرناها ، لكن ذكر صاحب الجواهر أنّه : ( لم يعمل بها أحد من الأصحاب ، فيما أعلم ) .
  وعليه

، فإعراض المشهور ، وإن لم يوجب الوهن ، إلّا أنّ إعراض الكل يوجب وهنها ، كما تقدم .
  والإنصاف: في مقام الجمع بين الأخبار هو العمل

بصحيحة أبي أسامة ، المتضمنة لنزح خمس دلاء ، وحمْل

روايات السبع على الاستحباب ، وحمْل

الروايات ، المتضمنة لنزح الدلاء ، على صحيحة أبي أسامة ، ورواية إسحاق ساقطة عن الاعتبار لما عرفت ، والله العالم .
 قال المصنف:

( واغتسال الجنب )
 أي من حيث كونه جُنبًا ، ولا يكون على بدنه نجاسة أخرى عينيّة ، وما ذكره المصنف - رحمه الله - هو المشهور بين الأعلام ، وعبّر جماعة من الأعلام بـ"ارتماس الجنب" ، كما في كتب الشيخين ، وسلّار ، وبني حمزة وإدريس ، وقال الأخير : ( لولا الإجماع على الارتماس لما كان عليه دليل ) [8] . وردّ عليه المحقق في "المعتبر" ( أنّ الْمُوردِين للفظ الارتماس ثلاثة ، أو أربعة ، فكيف يكون إجماعا ؟! ) [9] ، وهو في محلّه .
  أضف إلى ذلك أنّ الأخبار الواردة في المسألة خالية عن ذكر الارتماس ، فالإنصاف أنّ من خصّ الحكم بالارتماس فقد ابتعد كثيرًا ، ثمّ إنّه هل يختص الحكم أيضًا باغتساله كما ذهب إليه بعض الأعلام - وهو ظاهر المصنّف هنا -أم يعمّ مطلق مباشرة الجنب،كما عن آخَرِين-ومنهم المصنف في الذكرى- ؟.
  ولمعرفة الصحيح من غيره لا بدّ من الرجوع إلى الأخبار الواردة في المسألة ، وهي أربعة :
 الأخبار في المسألة
  منها: ما ورد بلفظ الوقوع ، لصحيح الحلبي المتقدّم ، حيث ورد في ذيله ( وإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء) [10] .
 ومنها: ما ورد بلفظ "النزول" ، لصحيح عبد الله بن سنان المتقدّم أيضًا ( إن سقط في البئر دابة صغيرة،أو نزل فيها جنب،نزح منها سبع دلاء) [11] .
  ومنها: ما ورد بلفظ "الدخول" ، كما في صحيح ابن مسلم عن أحدهما -عليهما السلام - ( قال إذا دخل الجنب البئر يُنزح منها سبعة دلاء ) [12] .
 ومنها: ما ورد بلفظ "الاغتسال"، كما في خبر أبي بصير المتقدّم أيضًا ( قال سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الجُنب يدخل البئر ، فيغتسل منها ، قال : يُنزح منها سبع دلاء ) [13]
 ولكنّه ضعيف بجهالة عبد الله بن بحر .
  إذا عرفت ذلك ، فقد يُقال : إنّ الحكم مختص بالاغتسال ، كما نصّ على ذلك الشهيد الثاني ، لأنّ الحكم معلّق على الاغتسال في خبر أبي بصير ، والمطلق يحمل على المقيد .
  وفيه:
  أولا: أنّ خبر أبي بصير ضعيف كما عرفت .
  وثانيا: أنّه لا منافاة ، حتى يحمل المطلق على المقيد ، إذ يجوز أن يكون نزح السبع للوقوع ، والاغتسال .
  إن قلت: إنّ إطلاق الوقوع ، والنزول ، والدخول ، في الأخبار المتقدمة منصرفة إلى الاغتسال لا سيّما بملاحظة صحيح ابن أبي يعفور المتقدم حيث ورد في ذيله ( ولا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءهم ) ، فإنّه ظاهر في إرادة الاغتسال من الوقوع ، إذ إفساد الماء إنما يكو ن بالاغتسال .
 قلت: أمّا دعوى الانصراف فهي بلا بيّنة ولا شاهد ، وأمّا صحيح ابن أبي يعفور ، فقد تقدّم سابقا ، وذكرنا فيه عدّة احتمالات ، ولا ينحصر الإفساد بالاغتسال ، إذ قد يكون الإفساد من ثوران الحمْأة التي نشأت من نزول الجنب إلى البئر ، وقد يكون بسبب موته فيها ، وغير ذلك مما تقدّم .
  والإنصاف

أنّ الحكم بنزح السبع يعمّ مطلق مباشرة الجُنب لماء البئر .
 
 
 


[1] - الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 3
[2] - الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 4
[3] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 12
[4] - الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 7
[5] - الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 5
[6] - الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 2
[7] - الوسائل باب 18 من أبواب الماء المطلق ح 3
[8] - السرائر ج 1 ص 79
[9] - المعتبر ج1 ص 71
[10] - الوسائل باب 15 من أبواب الماء المطلق ح 6
[11] - الوسائل باب 15 من أبواب الماء المطلق ح 1
[12] - الوسائل باب 22 من أبواب الماء المطلق ح 3
[13] - الوسائل باب 22 من أبواب الماء المطلق ح 4