الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\النجاسة التي لا نص فيها
كان الكلام في النجاسة التي لا يوجد فيها نص بالخصوص وقلنا عندنا ثلاثة أقوال وتحدثنا عن القول الأول
وأمّا القول الثاني: فقد يستدل له بما ذكره الشيخ في المبسوط بأنه روي عنهم - عليه السلام - أنهم قالوا :
(ينزح منها أربعون دلوا وإن كانت مبخرة )
[1]
، وعن الشهيد في الشرح أنه وجد بخط الشيخ في" الاستبصار" مُبْخِرة : بضم الميم ، وسكون الباء ، وكسر الخاء ، ومعناه الْمُنتنة ، ويُروى بفتح الميم ، والخاء ، ومعناه النتن .
ويرد عبيها
أولا: إنّها ضعيفة بالإرسال
ثانيا: ودعوى أنّ "الشيخ" لا يرُسل إلّا عن ثقة ، دعوى فاسدة ، لما لا يخفى
ثالثا: فيها خلل من جهة الدلالة أيضًا ، إذ لم يُذكر فيها متعلّق نزْح الأربعين ، ويُؤيد كلّ ذلك إعراض الأصحاب عنها .
وبالجملة
فلا دليل معتدّ لقول الأربعين .
القول الثالث : فقد يُستدل له برواية "كردويه" المتقدمة عن أبي الحسن - عليه السلام -
( في بئر يدخلها ماء المطر ، فيه البول والعذرة ، وأبوال الدواب ، وأرواثها ، وخرؤ الكلاب ، قال : يُنزح منها ثلاثون دلوًا ، وإن كانت مُبخِرة )
[2]
.
ويرد عليها أوَّلا: أنها ضعيفة بجهالة "كردويه "، وما يُقال
: إنَّ جهالته غير مضرّة ، لأنّ "ابن أبي عمير" هو الرواي عنه ، وهو من أصحاب الإجماع ، وأصحاب الإجماع إذا صحت الرواية إلى واحد منهم لا يناقش فيما بعدهم ، فهو
في غير محلّه لما عرفتَ من تفسير المراد بأصحاب الإجماع ، فلا نُعيد .
ثانيا: أنهاٌ ضعيفة أيضًا من جهة الدلالة ، إذ لا دلالة لها على المتنازع فيه بوجه ، فإنَّ موردها نجاسات مخصوصة ، والكلام في غير المنصوص .
والخلاصة
إلى هنا أنّه لا يجب نزح الزائد عن القدر المتيقن ، لأنّ أصالة البراءة من وجوب نزْح الجميع محكمة ، والله العالم .
قال المصنف ( ولعَرق الجنب حرامًا عَرق الإبل الجلّالة والفِيل عند "ابن البراج" ، والروث ، وبول غير المأكول عند "أبي الصلاح" ؛ وكرّ للدابة ، والبغل ، والحمار ، والبقرة )
أما عرق الجنب من حرام وعرق الإبل الجلالة والفيل والروث وبول غير المأكول لا دليل على وجوب نزْح الجميع لهذه الأمور ، بل لم يذكره المشهور من الأعلام ، وإنّما ذكرها بعض الأعلام مجردًا عن الدليل .
مضافًا لما سيأتي - إن شاء الله تعالى - من عدم الدليل على نجاسة عَرق الجُنب حرامًا ، وسيأتي الكلام أيضًا في نجاسة عَرق الإبل الجلّالة .
وعليه
، فحُكم هذه الأمور حكم ما لا نصّ فيه ، فلا حاجة للإطالة .
وأما البغل والحمار والبقرة فالمعروف بين الأعلام وجوب نزح كرّ لموت الدابة ، أو الحمار ، أو البقرة ، وزاد في "الوسيلة" و"الإصباح" ( وما أشبهها في الجسم ) ، وفي "المبسوط" ( للحمار والبقرة ، وما أشبهها في الجسم ) ، وفي "الجامع" ( للخيل ، والبغال ، والحمير ، والبقر ) ، وفي "الذكرى" للمصنّف - رحمه الله - ( الحمار ، والبغل والفرس ، والبقرة ، وشبهها ) ، وفي "الغُنية" ( للخيل وشبهها ) ، وحكي الإجماع عليه ، وفي "السرائر" ( للخيل ، والبغال ، والحمير ، أهليّة ووحشيّة ، والبقر كذلك ، وما أشبهها في الجسم ) ، واقتصر الشيخ "الصدوق" على الحمار ، وقال "العلامة" في "المنتهى" : ( إن نزح الكر في الحمار مذهب أكثر أصحابنا ) .
أقول: أمّا بالنسبة للحمار فقد ورد نزْح الكرّ في خبر عَمرو بن سعيد بن هلال ،
( قال : سألت أبا جعفر- عليه السلام - عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة ، والسِنّور إلى الشاة ، فقال : كل ذلك نقول : سبع دلاء ، قال : حتى بلغت الحمار ، والجمل ؟ ، فقال: كرّ من ماء ، قال : وأقل ما يقع في البئر عصفور ينزح منها دلو واحد )
[3]
.
قال "العلامة" في "المعتبر": (إني لم أعرف من الأصحاب رادًّا لها في الحكم).
وفيه :
أوَّلا: أنّه ضعيف بعمرو بن سعيد بن هلال ، فإنّه غير موثّق .
وثانيا: أنّه سوَّى في الحكم بين الجمل ، والحمار ، مع أنّ حكم الجمل نزْح الجميع .
وأجاب الشيخ - رحمه الله - بأنّه من المحتمل أن يكون الجواب لحكم الحمار فقط .
وفيه
، من البُعد ما لا يخفى .
وأمّا البغل ، فقد اشتمل عليه خبر عمرو بن سعيد في بعض نسخ التهذيب ، مع أنّه في الاستبصار ، وكذا بعض نسخ التهذيب ، خالٍ عنه .
وعليه
، فلم تثبت الزيادة .
[1]
- الوسائل باب 10 من أبواب الماء المطلق ح4 .
[2]
- الوسائل باب16 من أبواب الماء المطلق ح 3
[3]
- الوسائل باب15 من أبواب الماء المطلق ح5 .