الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ وقوع الفقاع والمني في البئر\ تطهيره
كان الكلام بالنسة للنزح بالنسبة للمسكر
ثم إن كثيرا من الأعلام ألحقوا كل مسكر مايع بالأصالة بالخمر ، واحتجّوا عليه بإطلاق "الخمر" في كثير من الأخبار على كل مسكر ، فيلحقه حكمه .
والذي عثرت عليه في ذلك ثلاث روايات :
الرواية الأولى: ما في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي الجارود عن أبي جعفر - عليه السلام
- (في قوله تعالى : " إنما الخمر والميسر - الآية - " ، أمّا الخمر فكل مسكر من الشراب إذا أخمَر فهو خمر ... إلخ )
[1]
.
ويرد عليه:
أوّلًا:
أنها ضعيفة بـ "كثير بن عياش القطان"
ثانيا: ما ذكرناه في الرواية الأولى من أن الإطلاق أعم من الحقيقة والمجاز ، فلا يفيد .
الرواية الثانية: رواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر ع قال:
( قال رسول الله ص كل مسكر حرام وكل مسكر خمر )
[2]
أولا: هي ضعيفة بجهالة عبد الرحمان بن زيد بن اسلم وابيه وعطاء بن يسار
ثانيا: الاستعمال اعم من الحقيقة والمجاز
الرواية الثالثة: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن ابن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن أبيه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي - عليه السلام -
( قال الله عز وجل - : لم يحرم الخمر لاسمها ، ولكن حرمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر )
[3]
.
والمظنون قويًّا ، بل من المطمئن به ، أن الحديث الثاني هو الأول بعينه ، وهناك اختلاف يسير في السند ، والألفاظ .
وعليه
، بما أن الحديثين حديث واحد ، وقد اشتبه الحجة باللّاحجّة ، حيث إن الثاني ضعيف بسهل ، فيسقطان عن الاعتبار ، أضف إلى ذلك أن الإطلاق أعم من الحقيقة والمجاز ، كما عرفت ، ومقتضى الصناعة العلمية دخول المسكرات فيما لا نصّ فيه ، والأحوط نزح الجميع لها .
هذا كله بناء على نجاسة المسكر المايع بالأصالة ، كما هو مذهب المشهور ، وأما على القول بالطهارة ، فيختلف الحال ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - تحقيق الحال في نجاسة المسكر المايع بالأصالة ، أو طهارته عند الكلام عن النجاسات العشر .
قال المصنف: ( والفقاع والمني، وأحد الدماء الثلاثة )
أما الفقاع
قال في مجمع البحرين
: ( الفُقَّاع كـ رُمَّان : شيء يشرب ، يتخذ من ماء الشعير فقط )
[4]
وقال في القاموس: ( الفقاع كـ رمان : هذا الذي يشرب ، سمّي بذلك لما يرتفع في رأسه من الزبد )
[5]
وقال في كشف الغطاء: ( الفقاع كـ رمان ، وهو شراب مخصوص غير مسكر يتخذ من الشعير غالبا ، وأدنى منه في الغلبة ما يكون من الحنطة .. إلخ )
[6]
.
واعلم أن "الفقاع" متخذ على نحو خاص من العمل ، لا مجرد غليان الشعير ، كما في ماء الشعير ،
قال في "المدارك" : (وهذا ، أعني نزح الجميع للفقاع ذكره الشيخ - رحمه الله - ، ومن تأخر عنه ... إلخ )
[7]
وعن "الغنية" الإجماع عليه .
ويرد عليه:
ما عرفت من حال الإجماع المنقول بخبر الواحد ، لاسيما إجماعات الغنية
وقد يستدل على نزح الجميع للفقاع بما ورد في الروايات الكثيرة بأنه خمر .
ففي موثقة عمار بن موسى
( قال سألت أبا عبد الله -عليه السلام - عن الفقاع ، فقال : خمر )
[8]
وفي خبر هشام بن الحكم
( أنه سأل أبا عبد الله - عليه السلام - عن الفقاع ، فقال: لا تشربه ، فإنه خمر مجهول ، وإذا أصاب ثوبك فاغسله )
[9]
ولكنه ضعيف بالإرسال ، وبأبي جميلة ، وكذا غيرها من الروايات ، والمتبادِر من تشبيهه بالخمر هو الحرمة ، وأما كونه خمرًا على وجه الحقيقة فلا يثبت بالاستعمال ، لما عرفت ، ومقتضى القاعدة دخوله فيما لا نص فيه ، والاحتياط يقتضي نزح الجميع له ، وسيأتي الكلام عنه بالتفصيل - إن شاء الله تعالى - عند الكلام عن نجاسته
وأما المني
و"المني" بإطلاقه يشمل مني الإنسان ، وغيره ، مما له نفس سائلة ، وقيل : باختصاصه بالإنسان
لكونه المتبادِر منه ، وهذا الحكم ذكره الشيخ ، وجماعة من الأعلام ، واعترف أكثر الأعلام بعدم العثور فيه على نص ، وقال المصنف في "الذكرى" :
( والمني - في المشهور - ولا نصّ فيه ، قاله الشيخ أبو علي في شرح نهاية والده - رحمه الله - ، ولكنّ القطع بالطهارة يتوقف عليه )
[10]
وقد يستدل لذلك بالإجماع المنقول في السرائر ، وعن الغنية ، ولكنك عرفت حال الإجماع المنقول بخبر الواحد وعليه ، فمقتضى الصناعة العلمية دخول المسألة فيما لا نصّ فيه .
وأما الدماء الثلاثة
"الحيض" و "النفاس" و "الاستحاضة" على المشهور بين الأعلام ، وعن "السرائر" و "الغنية" دعوى الإجماع عليه ، وقال المحقق في "المعتبر" - بعد أن عزى ذلك إلى الشيخ وأتباعه ، واعترف بعدم الوقوف على نصٍّ في ذلك - : ( ولعل الشيخ نظر إلى اختصاص دم الحيض بوجوب إزالة قليله ، وكثيره عن الثوب ، فغلط حكمه في البئر ، وألحق به الدمين الأخيرين ، لكن هذا التعلق ضعيف فالأصل أن حكمه حكم بقيّة الدماء ، عملًا بالأحاديث المطلقة )
[11]
.
أقول : ما ذكره من ضعف التعليل قوي ، ولكن ربّما يناقش في وجود أخبار مطلقة ، ولكن الإنصاف أن هنا ثلاث روايات قد تكون مطلقة ، وأما باقي الأخبار فهي واردة في موارد خاصة ، لا إطلاق فيها .
وأما الروايات الثلاث :
الرواية الأولى: رواية زرارة المتقدمة
( قال : قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر قال : الدم والخمر ... إلخ )
[12]
ولكنها ضعيفة ، كما تقدم
الرواية الثانية: رواية "كردويه" المتقدمة أيضا
( قال : سألت أبا الحسن - عليه السلام - عن البئر يقع فيها قطرة دم ...إلخ )
[13]
وهي أيضا ضعيفة ، كما عرفت ، وقد ادعى بعض الأعلام أن هذه الرواية ، والتي قبلها يمكن دعوى الانصراف فيهما إلى ما عدا الدماء الثلاثة .
ولكنّ الانصاف
أنّ دعوى الانصراف عهدتها على مدّعيها ، ولولا ضعف السند لتمَّ الاستدلال بهما على أن حكم الدماء الثلاثة حكم بقية الدماء .
أما الرواية الثالثة تأتي
[1]
- الوسائل باب 1 من أبواب الأشربة المحرمة ح 5
[2]
- الوسائل باب 15 من أبواب الأشربة المحرمة ح 5
[3]
-الوسائل باب 19 من أبواب الأشربة المحرمة ح 2
[4]
- مجمع البحرين ج 3 ص 42
[5]
- القاموس المحيط ج3 ص 64
[6]
- كشف الغطاء ج 1 ص 172
[7]
- مدارك الأحكام ج 1 ص 64
[8]
- الوسائل باب 19 من أبواب الأشربة المحرمة ح8
[9]
- الوسائل باب 38 من أبواب نجاسة الخمر ح 5
[10]
- ذكرى الشيعة ج 1 ص 93
[11]
- المعتبر ج 1 ص 59
[12]
- الوسائل باب15 من أبواب الأشربة المحرمة ح3 .
[13]
- الوسائل باب15 من أبواب الأشربة المحرمة ح2 .