الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/02/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ الأدلة
 كان الكلام في الاستدلال على نجاسة ماء البئر هل ينفعل بالملاقة بالأخبار الواردة
 ومنها: صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ( قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا - عليه السلام - عن البئر تكون في المنزل للوضوء ، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شيء من عذرة ، كالبعرة ، ونحوها ، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة فوقع - عليه السلام - بخطه في كتابي : ينزح دلاءً منها ) [1]
 تقريب الاستدلال
 حيث إن الإمام - عليه السلام - قرر اعتقاد السائل ، وبيّن له ما يطهره ، وهو النزح دلاءً يسيرة ، فكأنه قال - عليه السلام -: طهّرها ، بأن تنزح منها دلاء ، ليتطابق السؤال والجواب ، و " طهرها " يقتضي نجاستها قبله ، إذ لو كانت طاهرة ، فكيف تطهر مرة ثانية ؟! ، فيلزم تحصيل الحاصل .
 ويرد عليه:
 أولا:

أنه يمكن حمل الطهارة على مطلق النظافة والنزاهة ، أي المعنى اللُغوي لها ، وأيضا يمكن حملها على إرادة الطهارة فيما يكره استعماله ، باعتبار أن وقوع النجاسة في البئر ، وإن لم ينجسها إلّا أنّه مؤثّر في حدوث القذارة العرفية ، ويكره لأجلها الاستعمال إلّا بعد النزح دلاء .
 ثانيا: أن القائل بالنجاسة لا يمكنه العمل بهذه الصحيحة ، لأن هذه المذكورات الواردة في الصحيحة وردت في كلام السائل ، ولم ترد في جواب الإمام - عليه السلام - ، وليسم بالضرورة يجب تطابق الجواب مع السؤال ، إذ يحتمل أن يكون الإمام - عليه السلام - أضرب عن قول السائل: (يطهرها) ، وأمر بالنزح فقط ،
 ثالثا: إن الراوي لهذه الرواية هو ابن بزيع الذي روى الرواية السابقة الدالة على الطهارة بوضوح ، لا لبس فيه ، فيكون ذلك قرينة على أن المراد من هذه الرواية غير ظاهرها ، والله العالم .
 ومنها: صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى بن جعفر - عليه السلام ( قال : سألته عن البئر تقع فيها الحمامة والدجاجة أو الكلب أو الهرة ، فقال : يجزيك أن تنزح منها دلاءً، فإنَّ ذلك يطهرها ، إن شاء الله تعالى ) [2]
 ، وهي كالصحيحة السابقة من حيث الدلالة ، كما أن الجواب هو الجواب .
  نعم إن الطهارة في هذه الصحيحة وردت في جواب الإمام - عليه السلام - ، ولكن ذلك لا يغيِّر في حقيقة الجواب ، والوجوه المتقدمة .
  ومنها : صحيحة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله - عليه السلام - ( قال : إذا أتيت البئر وأنت جنب ، فلم تجد دلوًا ولا شيئًا تغرف به ، فتيمم بالصعيد ، فإن رب الماء رب الصعيد ، ولا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءهم ) [3]
 فإن جواز التيمم كما هو معروف مشروط بفقد الماء الطاهر ، وإذا اغتسل فيه الجنب فلا يكون الماء طاهرا ، مع أن الظاهر من لفظ الإفساد المنهي عنه هو النجاسة ، ولولا أنه يقبل النجاسة لم يفسد .
 ويرد عليه:
  أوّلًا: أنه لم يفرض وجود النجاسة على البدن كي ينجس الماء ،
 ثانيًا: أن الأمر بالتيمم لا يدل على فقد الماء الطاهر ، إذ لعل الأمر بالتيمم لأجل كون البئر مملوكة ، وصاحبها لم يأذن بالاغتسال منها ، وإن أذن باستعمالها من حيث الشرب والتوضؤ منها ، ونحو ذلك ، بل حتى لو كانت مشتركة فإنه يجوز له الاستعمال ما لم يلزم ضرر فيه على لا غير ، وإذا اغتسل فيها يكون ذلك موجبا للنفرة فلا يشربون منها ، ويتضررون بعدم استعمالها .
  ويحتمل أيضا أن يكون الأمر بالتيمم لكون الاغتسال فيها فيه حرج ومشقة من حيث النزول إليها ، وأما النهي عن الإفساد ، فلا يدل على النجاسة ، إذ لعل النهي عنه باعتبار أن البئر فيها أوساخ كامنة ، فالاغتسال فيها يهيجها ، فلا تصلح للاستعمال لاسيما الشراب منها ، فيكون أفسد على القوم ماءها .
  ولو كان المراد منه النجاسة لكان اللازم أن يقول : ولا تقع في البئر لئلا يفسد الماء فينجس الماء الجسد ، ولا يمكن الاغتسال منه حينئذٍ ، فالتعبير بـ ( لا تفسد على القوم ماءهم ) يؤيد ما قلناه .
  إن قلت: قد حملتم الفساد في صحيحة ابن بزيع المتقدمة ( ماء البئر واسع لا يفسده شيء ... إلخ ) على النجاسة ، فلِمَ تحملونه هنا على غيرها
 قلت: الفرق بين المقامين واضح ، فإن الاستثناء هناك يدل بوضوح على كون المراد منه النجاسة ، أضف إلى ذلك أن الإفساد هناك وقع نكرة في سياق النفي ، فيعم ، وأما هنا فلا عموم فيه .
  والخلاصة

، أنّ الأمر بالتيمم في هذه الصحيحة لا يدل على فقد الماء الطاهر ويؤيده صحيحة الحلبي ، ( أنه سأل أبا عبد الله - عليه السلام - عن الرجل يمر بالركية ، وليس معه دلو ، قال : ليس عليه أن يدخل الركية ، لأن ربّ الماء هو ربّ الأرض ، فليتمم ) [4] ، ونحوها [5] حسنة الحسين بن أبي العلاء ، فقد جوّز الإمام - عليه السلام - التيمم للرجل مع أنه ليس في الصحيحة أن جنب أو نجس


[1] الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح21
[2] المصدر السابق باب 17 من أبواب الماء المطلق ح2 .
[3] المصدر السابق باب 14 من أبواب الماء المطلق ح22 .
[4] المصدر السابق باب 3 من أبواب التيمم ح1
[5] المصدر السابق ح4 .