الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ أدلة النجاسة
 ومنها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله - عليه السلام - ( قال : سمعته يقول : لا يغسل ، ولا تعاد الصلاة ممَّا وقع في البئر ، إلّا أن ينتن ، فإنّ أنتن غُسل الثوب ، وأعاد الصلاة ، ونزحتِ البئر ) [1]
 وأشكَل "المحقق" في "المعتبر" على هذه الصحيحة بإشكالين:
 الأول من حيث السند ، والآخر من حيث الدلالة .
 أمَّا الإشكال من حيث الدلالة فلأنّ لفظ البئر يقع على النابعة ، والغدير ، فيُحتمل أن يكون السؤال عن بئر ماؤها محقون .
  وفيه: أما الإشكال السندي فغير وارد ، لأن حمّادًا الواقع في السند هو ابن عيسى الثقة ، والذي هو من أصحاب الإجماع ، وممّا يدل على كونه ابن عيسى رواية الحسين بن سعيد عنه ، وروايته عن معاوية بن عمار ، وهذا السند متكرر في كتب الأحاديث .
 أضف إلى ذلك أنّ "صاحب الوسائل" صرّح بكونه ابن عيسى فلا إشكال ، ثمَّ لو سلمنا عدم ظهوره في كونه ابن عيسى ، إلّا أنّه مردّد بينه ، وبين ابن عثمان الثقة فلا إشكال أيضًا .
  وأمَّا الإشكال من حيث الدلالة فإنّ البئر حقيقة في النابعة ، وحملها على الغدير مجاز لا يصار إليه بلا قرينة .
  ومنها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار عن أبي عبد الله - عليه السلام - ( في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ، ويصلي ، وهو لا يعلم أيُعيد الصلاة ، ويغسل ثوبه ، فقال : لا يعيد الصلاة ، ولا يفسد ثوبه ) [2]
  والظاهر أنّ المراد بالفأرة : الميتة ، إذ لا موجب لتوهم انفعال ماء البئر بخروجها حيّة ، وهي ظاهرة أيضا في أنّ الاستعمال إنّما حصل بعد وقوعها ، وذلك لعطف الوضوء بالفاء المفيد للترتيب ، فلا وجه لحمل عدم الإعادة ، وعدم غسل الثوب ، على عدم العلم بتقدم النجاسة .
  ومنها: موثقة أبان بن عثمان ، أو صحيحة عن أبي عبد الله - عليه السلام - ( قال سُئل عن الفأرة تقع في البئر ، لا يعلم بها ، إلّا بعد ما يتوضأ منها أيُعاد الوضوء ، فقال : لا ) [3]
  وهي ظاهرة أيضًا في كون التوضُؤ بعد وقوع الفأرة فيه .
  ومنها: موثقة أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - ( بئر يُستقى منها ، ويتوضأ به ، وغسل منه الثياب ، ويعجن به ، ثمّ عٌلم أنّه كان فيها ميّت ، قال : لا بأس ، ولا يغسل منه الثوب ، ولا تعاد منه الصلاة ) [4]
 ومنها: مرسلة الفقيه ، قال : ( وقال الصادق - عليه السلام - : كانت في المدينة بئر ، وسط مزبلة ، فكانت الريح تهبّ وتُلقي فيها القذر ، وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يتوضأ منها ) [5]
 ولكنها ضعيفة بالإرسال ، وأمَّا احتمال حمل القذر على غير النجاسة فبعيد ، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة - وقد تقدم بعضها أيضًا في مبحث نجاسة الماء القليل - وهذا الروايات الدالة على عدم نجاسة ماء البئر مطلقة ، حيث لم يُفرَّق فيها بين كون الماء كثيرا أو قليلًا .
 أدلة القول بالنجاسة
  وأمَّا القائلون بالنجاسة بمجرّد الملاقاة ، وإن كانت ماء البئر أكرارًا ، فقد يستدل بعدة لهم أدلة :
  الدليل الأول: الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة بين المتقدمين ، ففي "الأمالي" أنه من دين الإمامية ، وعن "الاقتصاد" ، و"الغنية" ، وظاهر "التهذيبين" ، الإجماع عليه ، وعن "السرائر" نفي الخلاف فيه ، مع التصريح بأنه لا فرق بين قلة الماء ، وكثرته ، وعن "شرح الجمل " الإجماع عليه ، وعن "كشف الرموز" أنّ عليه فتوى -
  وفيه:

أن الإجماع ، وإن استفاض نقله ، إلا أنه
 أوَّلًا: معارض بالإجماع ، والشهرة بين المتأخرين ، كما تقدم
 وثانيا: أنه إجماع مدركي ، أو محتمل المدركية ، وفي مثله لا بدّ من الرجوع إلى المدرك .
  أضف إلى ذلك ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنّ أدلّة حجيّة خبر الواحد لا تشمل الإجماع المنقول بخبر الواحد .
  الدليل الثاني: الأخبار ، وهي مستفيضة ، منها : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ( قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا - عليه السلام - عن البئر تكون في المنزل للوضوء ، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شيء من عذرة ، كالبعرة ، ونحوها ، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة فوقع - عليه السلام - بخطه في كتابي : ينزح دلاءً منها ) [6]
  حيث إن الإمام - عليه السلام - قرر اعتقاد السائل ، وبيّن له ما يطهره ، وهو النزح دلاءً يسيرة ، فكأنه قال - عليه السلام - : طهّرها ، بأن تنزح منها دلاء ، ليتطابق السؤال والجواب ، و " طهرها " يقتضي نجاستها قبله ، إذ لو كانت طاهرة ، فكيف تطهر مرة ثانية ؟! ، فيلزم تحصيل الحاصل .


[1] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح10
[2] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 9
[3] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 11
[4] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 5
[5] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 20
[6] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 21 .