الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/01/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ التغير التقديري \ الأدلة
 كان الكلام في الأخبار الدالة على أن ماء الحمام كالجاري
 ومنها: موثقة حنان قال: ( سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه السلام إني أدخل الحمام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك فأقوم فأغتسل فينضح علي بعد ما أفرغ من مائهم؟ قال: أليس هو جار قلت: بلى. قال: لا بأس ) [1] .
 والرواية موثقة رواها الكليني رحمه الله عن الحسين بن محمد بن عامبر بن أبي بكر الأشعري الثقة عن عبد الله بن عامر الأشعري الثقة وهو عم الحسين بن محمد عن علي بن مهزيار عن محمد بن إسماعيل وهو ابن بزيع الثقة عن حنان وهو حنان بن سدير الثقة الواقفي. وعليه فلا وجه للطعن عليها بضعف السند.
 ومنها: خبر اسماعيل بن جابر عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: ( ابتدأني فقال: ماء الحمام لا ينجسه شيء ). [2]
 ولكنه ضعيف بعدم وثاقة صالح بن عبد الله وكذلك غيرها من الأخبار.
 وقد عرفت أن المراد بماء الحمام هو ما في الحياض الصغار التي لا تبلغ الكر.
 الأمر الثاني: وقع الخلاف بين الأعلام في اشتراط بلوغ المادة كرا أو عدمه على خمسة أقول:
 الأول: اشتراط بلوغها كرا. ذهب إليه المشهور وفي المسالك هو قول الأكثر ونسبه في المدارك إلى أكثر المتأخرين.
 الثاني: أنه يكفي بلوغ ما في الحياض مع ما في المادة كرا.
 الثالث: ما ذهب غليه صاحب الحدائق وجماعة من الأعلام من عدم اعتبار الكرية في المادة ولا في مجموع ما فيها وما في الحياض.
 الرابع: التفصيل بين تساوي السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرا وبين اختلافها فلا بد من بلوغ المادة كرا. ذهب إليه بعض الأعلام.
 الخامس: التفصيل بين الدفع والرفع فيعتبر في الثاني بلوغ المادة كرا ويكفي في الأول بلوغ المجموع كرا. ذهب إليه بعض الأعلام أيضا.
 وسيتضح لك خلال البحث بعض التناقض لبعض الأعلام ولمعرفة الصحيح من هذه الأقوال لا بد من الرجوع إلى المنبع الصافي وهو أخبار أهل البيت عليهم السلام، فنقول:
 لقد استدل لعدم اشتراط الكرية في المادة ولا في المجموع منها مع ما في الحياض بإطلاق الأخبار المتقدمة كما في صحية داوود بن سرحان حيث ورد فيها: هو بمنزلة الجاري. ورواية بكر بن حبيب حيث ورد فيها: ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة. وموثقة حنان حيث ورد فيها: أليس هو جار؟ قلت بلى. قال لا بأس. فإن مقتضى إطلاق هذه الأخبار هو تنزيل ماء الحمام منزلة الماء الجاري في كل شيء حتى في عدم اعتبار الكرية في المادة ولا في مجموع ما فيها وما في الحياض.
 وأشكل جماعة من الأعلام منهم المحقق الهمداني حيث قال: ( إن الاطلاقات منزلة على ما هو المتعارف ومن المعلوم أن الماء الموجود في المادة بمقتضى العادة في الحمامات التي يتعارف استعمالها حال الاستعمال أزيد من عشرين كرا فضلا عن كر واحد كيف مع أن وضع الحمامات المتعارفة إنما هو على وجه لو أضيف إلى الماء الموجود في موادها لدى الحاجة كرا وأزيد لا يؤثر في تبريد مائه ومن قال بان زيادتها على الكر انما تتعارف في أوائل الأخذ في الاستعمال وأما بعده فلا فكأنه غفل عن وضع الحمام وبناء الحمامي وتخيل أن مادة الحمام كالمنابع المصنوعة لتطهير الحياض و نحوه فيمتلئونها تارة ويفرغونها أخرى وغفل عن أن وضع الحمام على أن يكون في خزانته بالفعل مقدار من الماء يفي بقضاء حاجة عامة أهل البلد لو احتاجوا إليه والحمامي لا زال يراقب أمرها بحيث لو نقص من مائه شئ يعينه بماء جديد ولا يتقوم أمر الحمام إلا بان يكون الماء الجار الموجود في الخزانة بمقدار لو زيد عليه كرا وكران لاستهلك فالعادة قاضية باستحالة وجود حمام لا يكون الماء الموجود في خزانته في أزمنة تعارف استعماله مقدار الكر ) [3]
 وهذا الإشكال الذي ذكره المحقق الهمداني ذكره غيره من الأعلام أيضا وهو العمدة عندهم في سبب اختيارهم كرية المادة مضافا للإشكال السندي في رواية بكر بن حبيب.
  وأجاب صاحب المدارك رحمه الله عن الاستدلال بإطلاق رواية بكر بن حبيب وصحيحة داود بن سرحان فقال: ( وهما مع ضعف سند الأولى بجهالة بكر بن حبيب ، وعدم اعتبار المادة في الثانية ، لا يصلحان لمعارضة ما دل على انفعال القليل بالملاقاة ، إذ الغالب في مادة ماء الحمام بلوغ الكرية ، فينزل عليه الإطلاق . والمعتمد اعتبار الكرية ، لما سيجئ من الأدلة الدالة على انفعال القليل بالملاقاة ، ولأن المادة الناقصة عن الكر كالعدم ) [4] .
 والإنصاف أن المتعارف في الحمامات وإن كان كما ذكر وهو الغالب فيها إلا أن غلبة الوجود لا تصلح للانصراف المعتد به، وبالتالي لا تمنع من الإطلاق الموجود في الأخبار وعليه فيصدق الحمام على الأفراد التي مادتها أقل من كر وهي وإن كانت قليلة إلا أن اللفظ يشملها، وعليه فالإطلاق محكم وقد اتضح من ذلك أن تنزيله منزلة الجاري أخرجه عن حكم القليل فلا يلزم من الحكم بانفعال القليل بالملاقاة الحكم بانفعاله هنا، فإنه كما خرج ماء الاستنجاء وماء المطر عن قاعدة انفعال الماء القيل بالدليل الخاص فكذلك ماء الحمام خرج بمقتضى هذه الأخبار فقول صاحب المدارك: لا يصلحان لمعارضة ما دلى على انفعال القليل بالملاقاة. لم يكتب له التوفيق كما أن عدم التعرض للمادة في صحيحة داود لا يضر بالاستدلال لأنه نزّل ماء الحمام منزلة الجاري وهو كاف على إثبات المادة له لأنه عدم انفعال الجاري إنما هو من جهة المادة فوجه الشبه هذه الجهة وغيرها مضافا إلى أن وجود المادة في الحمامات المتعارفة مما لا بد منه في تحقق ماهية الحمام.
 ثم إنه يؤيد ما قلناه من عدم الاشتراط: أن القول باشتراط الكرية ينافي ما هو كالصريح من الأخبار من أن ماء الحمام له خصوصية على غيره من المياه إذ على القول بالاشتراط يكون حاله كغيره من المياه، بل أسوأ من ذلك لأنه في باقي المياه اكتفينا ببلوغ المجموع مقدار الكر حيث قد صرح العلامة وغيره من الأعلام في مسألة الغديرين الموصول بينهما بساقية أنه يكفي بلوغ مجموعهما مع الساقية كرا. وعليه فلا خصوصية لماء الحمام بل يكون مساويا لغيره إن لم يكن أسوأ حيث ذكرنا سابقا أن الأسفل يتقوى بالعالي وبالعكس إذا كان مجموعهما كرا.
 هذا وقد أجاب بعضهم
 أن اشتراط كرية المادة في الحمام إنما هو إذا لم تكن المادة مساوية للحياض في السطوح كما هو الغالب في الحمامات وإلا فيكفي بلوغ المجموع كرا كالغديرين. ويكون كلامهم في الغديرين منزلا على الغالب من استواء السطوح.
  وقد يجاب أيضا عن اشتراط الكرية في المادة: أن خصوصية الحمام تقوّي السافل بالعالي وإن كان متسنما لا منحدرا بخلاف غيره من المياه فإنه لا يتقوّى فيها السافل بالعالي.
 وفيه:
  أولا: ما ذكرناه سابقا من تقوّي السافل بالعالي وبالعكس، سواء كان الاختلاف بالانحدار أو التسنيم فلا فرق.
 وثانيا: إن ما أجيب به مناف لما هو الظاهر من إطلاقهم اشتراط كرية المادة سواء كانت مساوية أولا.
 أضف إلى ذلك أن تنزيل الغديرين على متساوي السطوح لا شاهد عليه بل إن صاحب المدارك نقل عن العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى الجزم بتقوّي الأسفل بالأعلى في مسألة الغديرين دون العكس فكيف ينزل كلامهم فيه على متساوي السطوح؟
 والخلاصة إلى هنا: إن ما ذكره صاحب الحدائق وغيره من الأعلام من عدم اعتبار الكرية أصلا لا في المادة ولا في مجموع ما في المادة وما في الحياض هو الصحيح عملا بالإطلاق ومما ذكرنا يتضح حال بقية الأقوال ثم أن هناك بعض الأمور ذكرها الأعلام عقيب هذه المسألة ولكن اتضح حكمها سابقا عند الكلام عن تطهير الماء القليل المتنجس وذكرناها بالتفصيل فلا حاجة للإعادة. وهذه الأمور هي أولا: إذا لم يكتف في تطهير الحوض الصغير بمجرد اتصال المادة إليه واشترطنا الاستيلاء والغلبة فهل يجب أن تكون المادة زائدة على الكر بقدر ما يحصل به الممازجة أم لا؟ ثالثا: هل يعتبر في المادة تساوي سطوحها أم لا. فراجع ما ذكرناه فإنه مهم والله العالم.


[1] الوسائل، باب 9 من أبواب الماء المضاف، ح8
[2] الوسائل، باب 7 من أبواب الماء المطلق، ح8
[3] - مصباح الفقيه ج 1 ص 13
[4] - مدارك الأحكام ج 1 ص34