الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

32/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ طهارة الماء القليل المتمم كرا \الأدلة \
 لا زال الكلام في القول الأول في الكر المساحتي أي أنه " ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف
 الدليل الثالث:
 رواية الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام قال:)إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شيء. قلت: وكم الكر؟ قال: ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها) [1] .
 والاستدلال فيها على نسق ما مر في رواية أبي بصير من أن الكر بحسب هذه الرواية هو ثلاثة أشبار ونصف طولا في ثلاثة أشبار ونصف عرضا في ثلاثة أشبار ونصف عمقا.
 وقد أشكل البعض من جهة دلالة الرواية على ما ذكر بأنها إنما ذكرت العرض والعمق ولم تذكر الطول؟
 وقد أجابوا بأنه لا حاجة هنا لذكر الطول لأن في ما ذكر الكفاية في الدلالة عليه ؛وذلك لأن الطول لا يمكن أن يكون أقل من العرض وإلا ما كان طولا، ولا يمكن أن يكون أزيد من العرض لأنه يصبح أكثر مما هو محل الاتفاق في الكر المساحتي.
 وعليه فيكون قدر الطول هو نفسه قدر العرض أي ثلاثة أشبار ونصف.
 طبعا الرواية في الاستبصار ذكرت الطول أيضا لكننا قلنا بأن الكافي أضبط وأننا حينما نجد رواية في التهذيب أو الاستبصار تخالف رواية الكافي نأخذ برواية الكافي ولذلك أخذنا هنا برواية الكافي والمؤيدة برواية التهذيب أيضا.
 مناقشة السند
  الرواية برأينا ضعيفة لأن الحسن بن صالح الثوري غير موثق فإن قلت أن عمل المشهور جابر لضعف السند قلنا بأن ذلك غير ثابت عندنا، ثم على فرض أنه جابر فنحن لم نحرز أنهم استندوا في هذه المسألة إلى هذه الرواية فلعلهم استندوا إلى رواية أخرى أو إلى الإجماع.
 مناقشة الدلالة
 أما من حيث الدلالة فقد قلنا سابقا أنه حينما يذكر العرض مع العمق أو السعة مع العمق لا يراد حينئذ من العرض البعد الثاني الذي هو قسيم الطول وإنما يراد منه القطر لا سيما أن البئر مدور السطح وبالتالي متساوي الجوانب .
 وبناء على عليه يكون حالها حال رواية أبي بصير فتكون مساحة الكر اثنان وثلاثون شبرا وثمن شبر
 والخلاصة أن الرأي الأول القائل بأن الكر من حيث المساحة ثلاثة أشبار ونصف طولا وثلاثة أشبار ونصف عرضا غير صحيح.
 القول الثاني:
 وهو الذي يذهب إليه الشيخ الصدوق و جماعة القميين وكذلك الكثير من المتأخرين ومتأخري المتأخرين وهو المختار عندنا، وهو أن الكر سبعة وعشرون شبرا ، أي ثلاثة طولا وثلاثة عرضا وثلاثة عمقا "طبعا عندنا لا يشترط كونه ثلاثة بثلاثة بثلاثة وسيأتي الكلام فيه" .
 الأدلة:
 استدل لهذا القول بثلاث روايات
 الرواية الأولى: رواية إسماعيل ابن جابر قال: ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شيء فقال كرا، قلت وما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار) [2] .
 سند الرواية
 أما بالنسبة لسند هذه الرواية فقد ذكر جماعة من الأعلام أن الرواية صحيحة، وقال الشيخ البهائي رحمه الله في كتاب مشرق الشمسين: وأما هذا السند فقط أطبق علماؤنا من زمن العلامة طاب ثراه إلى زماننا على صحته ولم يطعن أحد فيه حتى انتهت النوبة إلى بعض الفضلاء الذين عصرناهم فحكموا بخطأ العلامة .
 ولكي تتضح المسألة نقول: لقد روى الشيخ هذه الرواية في موضع من التهذيب والاستبصار عن عبد الله بن سنان عن إسماعيل بن جابر وهو ما لا يترتب عليه أي إشكال -، لكنه رواها في موضع آخر من التهذيب عن محمد بن سنان، و رواها الكليني عن ابن سنان ( ولم يذكر لا عبد الله ولا محمد )، فعندنا رواية واحدة لكننا لا ندري أهي عن محمد بن سنان أم عن عبد الله بن سنان؟
 وفي هذه الحالة لا بد لنا من الحكم بعدم صحة الرواية لأنه يحتمل أن تكون عن محمد (إلا إذا لم يكن عندك مشكلة في محمد بن سنان ).
 الشيخ حسن في منتقى الجمان يضيف شيئا آخر يقول: إن الذي يقتضيه مراعاة طبقات الرواة أن يكون ابن سنان محمدا، والسبب في ذلك أنه و البرقي في طبقة واحدة. قال في المنتقى: وقد ذكرنا في فوائد المقدمة أن الذي يقتضيه حكم الممارسة تعين كونه محمدا.
 نحن لا نريد الذهاب إلى ما ذهب إليه صاحب منتقى الجمان " وهو نعم الكتاب " ونقول بتعين محمد وإنما نقول أنه مشكوك بين محمد وعبد الله وعليه فالرواية ضعيفة.
 أيضا قال البعض بوجود ضعف آخر في هذه الرواية وهو في محمد بن خالد البرقي فهو ضعيف لأن النجاشي قد ضعفه.
 أنا رجعت إلى ما قاله النجاشي فوجدته يقول عنه: هو ضعيف الحديث، وضعيف الحديث لا يعني أنه ضعيف في نفسه فقد يكون من باب أنه يكثر الرواية عن الضعفاء، كابنه أحمد الذي لم يكن فيه عيب ومع ذلك فإن محمد بن الحسن بن الوليد لم يكن يأخذ عنه لأنه كان يكثر الرواية عن الضعفاء، ومع ذلك مشى في جنازته عندما توفي فالرجل كان مع السلطان كان عنده قوة، طبعا أحمد بن محمد رجل محترم وموثوق و ليس فقط أنه موثوق فعبارة الشيخ لا تدل على أن فيه ضعف هذا أولا.
 ثانيا: لقد وثقه الشيخ الطوسي في رجاله، وكلام النجاشي لا يعارض توثيق الشيخ.
 ثالثا: محمد بن خالد البرقي من المعاريف بل شيخ إجازة وله أحاديث كثيرة ولم يطعن فيه أحد بل وثق وعبارة الشيخ كما قلنا لا تدل على ضعف فيه. قلنا أنه ومحمد بن أحمد بن الحسن بن الوليد من المعاريف.
 وعليه فلا يوجد عيب في الرواية من هذه الجهة، وإنما عيبها الوحيد أن بن سنان لم يعلم أهو عبد الله أم محمد فتكون ضعيفة من هذه الجهة.
 دلالة الرواية
 أم من جهة الدلالة فقد استشكل في هذه الرواية لعدم التعرض فيها لتحديد الأبعاد الثلاثة، حيث قيل: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار، ولم يتعرض لا إلى الطول أو العرض أو العمق.
 لكننا قلنا سابقا: أن هذا النحو من التعبير عند عدم ذكر أي من الأبعاد - كان متعارفا عندهم وأن المراد به الطول في العرض في العمق ولذا اختلفت هذه الرواية عن الروايات السابقة التي ذكرت السعة وعليه لا يوجد مشكلة في هذه الرواية من جهة الدلالة ولولا ضعف السند لدلت على أن الكر سبع وعشرون شبرا.
 الرواية الثانية:
 الرواية الثانية التي استدلوا بها هي مرسلة الصدوق في المجالس ( الكر ما كان ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا) [3] . وهي رواية تامة الدلالة لكنها ضعيفة بالإرسال.
 الرواية الثالثة:
 وهي رواية إسماعيل بن جابر قال: ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام الماء الذي لا ينجسه شيء؟ قال ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته) [4] .
 هذه الرواية قالت ذراعان عمق أي أربعة أشبار، وذراع وشبر سعة أي ثلاثة أشبار، وقد قلنا سابقا أنه حينما يذكر العمق مع السعة يكون المقصود من السعة سطحه أي القطر لا أن المراد العرض في قبال الطول وعليه إذا أردنا أن نحتسب المساحة نضرب نصف القطر بنصف المحيث أي شبر ونصف بأربعة أشبار ونصف فيكون المجموع 6.75 فنضربها بالعمق أي أربعة أشبار فيكون المجموع سبعة وعشرون شبرا.
 يضاف إلى ذلك أن الكر الوزني كما اخترناه هو 1200 رطل عراقي ويقول البعض أنه احتسب أكثر من مرة الألف ومائتا رطل عراقي فوجده 27شبرا. وهذا يؤيد هذا المطلب.
 ويؤيده أيضا ما ورد في مرسلة عبد الله بن مغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( الكر من الماء نحو حبي هذا ، وأشار إلى حب من تلك الحباب التي تكون بالمدينة) [5] .
 وحب الماء هو مقدار جرة فإذا كان مقدار حبي يكون مقدار جرتين ويساوي حينئذ سبعة وعشرين شبرا تقريبا.
 ويؤيده أيضا مرسلة () عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شيء والقلتان جرتان) [6] ويكون بالتالي سبعة وعشرون شبرا تقريبا.
 فهذا القول إلى الآن قول موفق. أما القول الثالث فيأتي.
 
 
 


[1] الوسائل باب 9 من أبواب الماء المطلق ح3
[2] الوسائل باب 9 من أبواب الماء المطلق ح7
[3] الوسائل باب عشرة من أبواب الماء المطلق ح 2
[4] الوسائل باب عشرة من أبواب الماء المطلق ح1
[5] الوسائل باب عشرة من أبواب الماء المطلق ح7
[6] الوسائل باب عشرة من أبواب الماء المطلق ح8